هل يحضر الرئيس ترامب قمة بغداد ؟
عماد آل جلال
في السياسة، لا تُعد المصادفات ترفاً متاحاً، بل هي في الغالب نتاج حسابات دقيقة تتقاطع فيها المصالح والتوقيتات والرمزيات. من هذا المنظور، فإن تزامن زيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى المنطقة العربية (13-16الشهر الجاري)، مع انعقاد القمة العربية في بغداد (16-17 مايو)، يطرح تساؤلات مشروعة حول الرسائل المستبطنة، أكثر مما يشير إلى تداخل عرضي في التواريخ.
يأتي توقيت زيارة ترامب في مرحلة إقليمية حرجة، حيث المنطقة تعيش على وقع حرب غ*ز*ة، وملفات التطبيع المجمدة، والمفاوضات مع إيران. والقصف في اليمن، هذه اللحظة تشكل فرصة ذهبية لترامب لتأكيد حضوره كفاعل سياسي، ولعل اختيار الأيام السابقة للقمة، دون أن تشمل بغداد، يوحي بما يشبه إعادة تموضع رمزي، أي أن مركز الثقل لم يعد في “الاجتماع العربي التقليدي”، بل في دوائر النفوذ الثنائي مع العواصم الخليجية المهمة.
ما الذي يعنيه استبعاد بغداد… موقف أم تجاهل؟
إن تجاهل زيارة العراق لا يمكن عزله عن الإرث المتوتر بين ترامب وبغداد. فالعراق لا يزال يحمل جراح الغارة التي أمر بها ترامب في 2020، والتي انتهت بمق*ت*ل قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس على أرض مطار بغداد. ومذكرة التوقيف الرمزية التي صدرت عن القضاء العراقي في 2021، وإن لم تُنفذ، إلا أنها تمثل شحنة سياسية غير مرغوب بها في رحلة محسوبة.
هنا، يغدو الغياب عن بغداد ليس عفوياً، بل هو رسالة استبعاد مقصود، مفادها، أن واشنطن (وترامب تحديدا) لا ترى في بغداد اليوم شريكاً متوازناً، بل ما تزال ساحة نفوذ إيرانية يصعب المراهنة عليها.
خلال لقاءاته المتوقعة مع قادة السعودية وقطر والإمارات، يمكن القول إن ترامب يمارس دبلوماسية الظل، حيث تُرسم السياسات الكبرى خارج جدران المؤتمرات. فهو لا يحتاج لحضور القمة ليؤثر في مسارها، إذ إن “تنسيق المواقف” مع العواصم الخليجية كفيل بتوجيه دفتها أو الحد من طموحات قراراتها.
وهنا تكمن مفارقة السلطة الفعلية مقابل الرمزية، فالقمة العربية، رغم قيمتها التمثيلية، قد تتحوّل إلى “مسرح للخطابات” في حين تُدار القرارات خلف الستار في الرياض وأبو ظبي والدوحة.
الرسالة الأبعد لهذا التوقيت المزدوج (زيارة ترامب، وعقد القمة) أن العالم العربي يعاني من انقسام في مراكز القرار. فبينما تنعقد قمة بغداد بحثاً عن “موقف عربي موحد”، يتشكل في الوقت نفسه محور موازٍ يعيد رسم أولويات المنطقة بالتنسيق مع واشنطن.
وهكذا، يُعاد إنتاج “النظام العربي” بثوب جديد: أقل قومية، أكثر براغماتية، وأشد انخراطاً في توازنات القوة الدولية.
زيارة ترامب ليست مجرد جولة بروتوكولية، كما أن انعقاد القمة العربية في بغداد ليس حدثاً معزولا عن السياق الدولي. بين الفعل والرمزية، بين الحضور والغياب، ترسم المنطقة ملامح مرحلة جديدة، فيها تُستبدل القمم بـ”التحالفات النوعية”، وتُحاصر العواصم المركزية بخطابات الغياب.
فهل تستوعب بغداد الرسالة؟ وهل تملك الدول العربية إرادة تحويل قمتها إلى نقطة انعطاف لا مجرد محطة عابرة.؟
الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب فقط، ولا تعكس آراء الموقع. الموقع غير مسؤول على المعلومات الواردة في هذا المقال.