مقالات عن مانكيش

نعمو ونعيمة … زَقارا و قُجّا

نعمو ونعيمة … زَقارا و قُجّا

بقلم / وردا إسحاق قلّو

لو تحدثنا عن أسباب هجرة العوائل من مسقط رأسها ، فسنجد أسباب كثيرة للهجرة منها ، سياسية أو إجتماعية أو عدائية أو إقتصادية أو لأسباب أخرى . وقد تصبح الهجرة دائمية لأسباب تفرض على العائلة أو تقررها العائلة . وقد تكون الهجرة وقتية كمن يهاجر إلى مدينة أو ألى بلد آخر للعمل من أجل جمع المال الكافي ومن ثم العودة إلى مدينته أو بلده ، أو ترغمه الظروف لإعلان قرار العودة .
وهنا نتناول قصة هجرة نعمو وزوجته نعيمة وأطفالهم الصغار من تلكيف إلى منكيش . كان نعمو يأتي إلى مانكيش إبتداءً من بداية الأربعينات لكي يبيع منتجاته التي ينسجها في تلكيف في سوق منكيش ، ولما تأكد بأن سوق منكيش بحاجة مستمرة إلى منتجاته قرر جلب العائلة والسكن في القرية في عام 1948 – 1949 في بيت ميخا سيتو .
في هذه الصورة يظهر نعمو لابساً ثوب أهل تلكيف ومتمنطقاً بحزام أمام دكانه .

نعمو

أسماء الواقفين بحسب الترتيب من اليمين إلى اليسار 1- أيشو أفندي 2- صادق أفندي البروشكي 3- هرمز دنخا 4- يعقوب أفندي 5- خوشابا ميخو قاشا 6- نعمو آل حناوة
أسماء الجالسين 1- هرمز جوبا سكو 2- المعلم متي توما ياكو البغديدي 3- رابي عيسى 4- شمعون أفندي 5- مرقس جّنو
كان لنعمو مهنة لم يعمل بها أحد من أهل منكيش من قبله وهي النسج ( زقارا ) وكان ينسج بآلة ال ( زّقارا ) التي تتكون من ( مكوك – دايا – بندا أبوتي – نلواتة ) . وكان يستعمل أنواع من الخيوط المصنوعة محلياً من صوف الغنم أو شعر الماعز ، ومنها ( كدا دصيرا – كّدا دأمرا – كّدا دمَرص – كّدا دلحيفي – كّدا دقِدّا – كِدّا دأشوزن المصنوع من ” أمرا وصيرا ” كان يستعمله لخياطة الجّوالي والخراري ” ) .

خَّرارا

خرارا دجورج

جّوَلتا

جولتا

جَّنتّا

جاجِمّا

كانت منكيش وضواحيها بحاجة إلى هذه المهنة . لهذا قرر ترك بلدته للعمل في منكيش ، وكان ينسج ( خراري – جّوالي – تري ” جّوالي بحجم أصغر بحيث يستطيع الفلاح حمل زوج منها ورفعها على ظهر الحيوان ” – جنط ( جَنتا ) تُحمَل بتعليقها على الكتف – بّرزوني – كالكي – وقليل من الجاجمي ” ) لأن قوافل ال ( قرجايي ) القادمين إلى المنطقة بين فترة وأخرى كانوا يبدعون بنسج الجاجمي وبألوان زاهية مع وضع كركوشات جميلة على الطرفين ، فكانت العوائل المنكيشية تزودهم ب ” إزلا ” أي خيوط الصوف ، وكانوا أمينين جداً في إعادة ما كان يفيض من الخيوط إلى أهله ، كما كانت أسعار عملهم مقبولة لدى الجميع . لهذا نالوا الثقة والمحبة من أهل منكيش والمنطقة . كما كانوا يبيعون أعمالهم اليدوية المنحوتة من الخشب ، مثل ( كيري – بخوشياثا – مطمياثا دقيسا – ملخاوي – خطورياثا .. ألخ ) . وكانوا عكس الغجر ( قفقازي ) الذين كانوا يتقنونَ السرقة والتعدي على مزارع الناس

مسرقا دأمرا ( مشط الصوف )

أداة الغزل مسقا

قُجا

قجا وقوريتين

أما نعيمة زوجة نعمو فلن تجد في منكيش موقداً صغيراً يمكن نقله بسهولة لأجل الطبخ عليه ، كما كان لها في تلكيف ، فالعائلة المنكيشة لم تستخدم في الخمسينات غير ال ( كنونا ) فقط . للطبخ والتدفئة ، وكما ذكرت في مقالي ( التصميم المعماري لدور منكيش ومحتوياتها في زمن أجدادنا ) إنقر الرابط التالي :

التصميم المعماري لدور منكيش ومحتوياتها في زمن أجدادنا (mangish.net)

كذلك لم يكن هناك مدفأة خشبية ، كما لم يكن هناك مناقل معدنية ، فتأملت نعيمة في هذه المشكلة معتمدة على شكل المناقل المعدنية المستعملة في تلكيف ، فصممت موقد جديد تستخدم فيه الفحم كما يستخدم في المناقل . فصممت ال ( قُجّا ) الذي لم يستعمل من قَبل في منكيش . وسميّ بهذا الأسم لشكله الغريب المنكمش على نفسه كوضع الأنسان الذي يعاني من البرد القارس . بعد الوصول إلى الفكرة ، أنتقلت نعيمة إلى مرحلة التنفيذ ، فهيأت كمية من الطين الممزوج بالتبن لتقوية العجين ، ومن ثم بدأت ببناء الجزء السفلي الخاص بأستقبال الرماد النازل من الجمر التي ستضعها في الطابق العلوي من خلال الثقوب التي فتحتها في سقف الطابق السفلي ، مع فتح تقب جانبي كبير لتفريغ الموقد من الرماد بعد إخماد النار . وبعد ذلك أنجزت بناء الطابق العلوي الذي سيحتوي على كمية من الفحم مع ترك ثلاث أو أربع بروزات حول نهاية جدار الطابق العلوي لغرض وضع قدر الطبخ عليها ، وكذلك فتحت ثقوب في الطابق العلوي للتهوية لكي يبقى النار مشتعلاً ، كما لتلك الثقوب فائدة أخرى وهي خروج الحرارة إلى محيط الموقد لتدفئته . وهكذا نجحت نعيمة في مشروعها التاريخي الناجح وكانت تستحق إلى جائزة إختراع لما قدمته للعائلة المنكيشية . لما تطلعن نساء القرية إلى عملها الناجح ، وإلى المنظر الجميل لموقدها الجديد والغريب ، وإلى سهولة نقله من مكان إلى آخر، إضافة إلى فوائده في الطبخ والتدفئة ، وكذلك لعدم اللجوء إلى إشعال موقد ( الكنونا ) لطبخ الوجبات الخفيفة كطعام الفطور أو قلي بعض المواد في القدر أو الطاوة أو إناء الشاي .
نساء منكيش قمن بتنفيذ العمل بأحجام مختلفة ، فالحجم الكبير كُنّ يطلقنَ عليه ( نعمو ) لأن نعمو كان طويلاً وضخماً . أما الحجم الصغير فكنَ يسمونه ( نعيمة ) لأنها كانت قصيرة القامة وضعيفة البنية . بعد وصول الصفائح المعدنية إلى المنطقة ، أستخدم الصفيح بدل الطين لسقف الطابق السفلي بعد فتح الثقوب المطلوبة الخاصة بنزول الرماد إلى الأسفل ، مما أدى إلى نقص في وزن الموقد . ظل ال ( قُجا ) في الخدمة إلى وقت ظهور المناقل المعدنية ، والبريموس ومدافىء ( علاء الدين ) التي كانت تعمل بالنفط .

قُجّا

قجا

هناك عودة جبرية وطوعية لعائلة نعمو إلى بلدتها ومنها إلى بغداد ومن ثم إلى أميركا – مشيغان . فقرار نعمو لترك منكيش التي عاش فيها مع عائلته أكثر من عقد نستطيع أن نسميه بالطوعي والجبري في آنٍ معاً . لم يجبره أحد للعودة لكن الظروف السياسية الجديدة التي ظهرت في المنطقة أرغمته لأختيار العودة بسبب بداية الحركة الكردية عام 1961 ، فدخلت منطقة منكيش في ظروف جديدة وكأنها مطوقة من جميع الجهات ، وأبناء القرى المحيطة التابعة لمنكيش لم يكن بمقدورهم الدخول إلى منكيش بسهولة ، وحتى الطريق العام أصبح غير آمن للسفر . وبما أن نعمو كان يعمل في النسج ( زَقارا ) وكان محل عمله في بيت صومو وهو من أهل باكيرات وزوج فرو شابو حكيم التي كانت تمتلك بيتاً في نفس الشارع الذي عليه بيوت أختها ( مِيّا ) ومن ثم أخوتها الثلاث . أرض هومانا التي فيها ( جايخانة ) وبيت أيشو أفندي وأخيراً بيت يوسف حكيم . وكان في كل تلك البيوت محلات تجارية ، ومنها دكان نعمو في بيت فرو الذي كان قريباً من مسكنه . كان نعمو يبيع في دكانه إلى جانب منتوجاته المنسوجة السيكائر وبعض المواد الأخرى التي كانت تباع في باقي الدكاكين لدعم دخله اليومي . أما السبب الرئيسي ألذي أجبر نعمو للمغادرة منكيش هو لغسارته لعدد كبير جداً من العوائل التي كانت تتعامل معه من القرى المحيطة بعد قطع سبيلها إليه بسبب الظروف الأمنية ، وكان الكثير منهم مديونين لنعمو ، ولم يستطيع نعمو الحصول على أمواله فقرر بيع دكانه لعيسى هرمز قاشا الذي كان يعمل معه في المهنة نفسها ولسنين عديدة فكان الأخير يتقن النسج جيداً ، لكن وبسبب نفس الظروف لم يكن موفقاً في عمله فقل الطلب إلى منسوجاته وخاصةً بعد ظهور الأكياس المصطنعة آلياً مثل ( الكواني ) والحقائب بأحجامها المختلفة . ظل يمارس تلك المهنة وفي نفس الدكان إلى نهاية الستينات وبداية السبعينات من القرن الماضي ، أي تم ممارسة تلك المهنة في منكيش أكثر من عقدين .

مقالات ذات صلة

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
التقيمات المضمنة
عرض جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!