من فكرة إلى مدرسة فكرية: كيف انطلق مشروع “الإحصاء الإيجابي” ليُعيد تشكيل أدوات التحليل التنموي؟
منذ عقود، سيطرت النظرة التقليدية في التحليل الإحصائي على الأدوات المستخدمة في تشخيص الواقع، حيث انشغل الباحثون بقياس النقص، وتوثيق الخلل، وتتبع الانحرافات، دون أن يحظى الجانب الإيجابي بالاهتمام الكافي. لم تكن هناك مساحة كافية لدراسة عناصر القوة والتمكين والإنجاز، رغم أنها تمثّل الأساس الذي تُبنى عليه المجتمعات المزدهرة. من هذه الفجوة المفاهيمية، وُلدت منهجية “الإحصاء الإيجابي” كمشروع علمي وفكري طموح، يسعى إلى تغيير بوصلة التحليل نحو ما يُسهم في النمو والتحسن، بدلًا من ترسيخ ثقافة التراجع والانكسار.
ويعرف الإحصاء الإيجابي هو فرع تطبيقي حديث من الإحصاء يُعنى بقياس وتحليل العوامل الإيجابية في السلوك البشري، والتنظيمات، والأنظمة الاجتماعية. يركّز على ما يدعم التقدم، ويقدّم أدوات كمية ونوعية تهدف إلى تعزيز فرص النمو والتمكين. وقد تم تأصيل هذا المفهوم من خلال سلسلة من المؤلفات المحكمة والأوراق البحثية المنشورة على منصات علمية مرموقة مثل Zenodo وSSRN، مما أكسب المنهجية بعدًا أكاديميًا معتبرًا واعترافًا متزايدًا بين المختصين.
تستند المنهجية إلى رؤية فلسفية تتحدى المنظورات التقليدية في فلسفة العلم والإحصاء، وتدعو إلى إعادة الاعتبار للنجاحات البشرية لا بوصفها حالات استثنائية، بل كمصادر معرفية يمكن تتبّعها وتحليلها. هذه الرؤية تجسدت بوضوح في كتاب “فلسفة الإحصاء الإيجابي: التأصيل العلمي والمنهجي لرؤية جديدة في تحليل الظواهر”، إلى جانب كتاب “الإحصاء الإيجابي التطبيقي”، اللذين يقدمان أساسًا نظريًا متماسكًا إلى جانب أدوات عملية قابلة للتطبيق في مختلف القطاعات.
لقد أثبتت المنهجية جدواها التطبيقية من خلال عدد من الدراسات التحليلية التي تناولت موضوعات محورية في الواقع العراقي. من أبرزها: دراسة “تحليل تحسن الالتحاق بالتعليم التقني في العراق (2016–2020)”، ودراسة “تحليل التقدم في الهدفين 15 و16 من أهداف التنمية المستدامة”، وكذلك دراسة “المؤشرات السكانية في العراق وفق بيانات التعداد العام 2024–2025”. وقد أظهرت هذه الدراسات قدرة الإحصاء الإيجابي على تقديم تفسيرات علمية بنّاءة تُعيد توصيف التحديات بوصفها فرصًا للتحول لا أزمات مستعصية.
وانطلاقًا من الحاجة إلى تدريب الكوادر على هذه المنهجية، تم إطلاق أول دورة تدريبية معتمدة دوليًا في 18 أيار/مايو 2025، بعنوان “دورة الإحصاء الإيجابي المعتمدة”، وباعتماد من مركز الاعتماد الدولي IACUS – USA. وقد تبعتها دورة تطبيقية موجهة للممارسين والباحثين، وباشراف من مبتكر المنهجية مما أسهم في تأسيس نواة تدريبية نشطة خرجت أول دفعة من المختصين من العراق والسودان وتشاد، كخطوة أولى نحو بناء مجتمع معرفي متكامل حول المنهجية.
من الناحية القانونية، تم توثيق ملكية المنهجية باسم مبتكرها الأستاذ أحمد جمال الجسار، بموجب رخصة المشاع الإبداعي الدولية (CC BY-NC-SA 4.0). كما تم اعتماد الهوية المؤسسية للمشروع من قبل مؤسسة دولية، تحت اسم: Ahmed Aljassar – Innovator of Positive Statistics، وهو ما يعزز من الحماية الفكرية ويؤطر الاستخدام المنضبط للمنهجية وفق الدليل الرسمي.
اليوم، لم يعد مشروع “الإحصاء الإيجابي” مجرد فكرة أو اجتهاد فردي، بل أصبح مدرسة تحليلية جديدة تتبلور أدواتها وتنتشر تدريجيًا بين الباحثين والأكاديميين والمهنيين. ومن هنا، ندعو المهتمين بالإحصاء، والتنمية، والتعليم، إلى متابعة هذا التوجّه العلمي الواعد والانضمام إلى مسيرته، من خلال زيارة الصفحة الرسمية للمشروع عبر فيسبوك: www.facebook.com/PositiveStatsOfficial، أو الموقع الإلكتروني: www.ahmed-aljassar.com.
إن الإحصاء الإيجابي يطمح إلى أن يُحدث فرقًا حقيقيًا في طريقة فهمنا للواقع، عبر إضاءة الجوانب المشرقة وتحويل الأرقام إلى أدوات تمكين وتغيير. وهذا ما يجعل منه أكثر من مجرد تحليل، بل رؤية جديدة لبناء مستقبل أكثر وعيًا وأملًا.