قصة الناس و التمثال للقاص احمد دسوقى مرسى – مصر
الناس و التمثال
- 1 –
” هلم الينا و شاهد بنفسك ”
قال شاب لزميله و كان يلبس جلبابا بلديا :
- تمثال و انا اراهنك
فرد عليه الاخر و صوته يغالب صوت مكبر الصوت :
- انسان مدهون بماء الفضة و اتحداك
اشار صبى صغير بسبابته الى زميليه:
- الله …انظروا …تمثال جميل جدا …و الله العظيم
تمثال يا اغبياء واقف طول النهار صحيح مثل التمثال …و لكنى – مع ذلك – انسان … انسان مثلكم تماما و قد تعبت كثيرا من طول ما وقفت …سيطلقون سراحى الساعة السابعة مساء …اه … لو اعلم كم الساعة الان ؟
- 2 –
” هلم الينا و شاهد بنفسك ”
اقبلت جماعة من الشباب فى جلبة صاخبة …يشدها منظر التمثال اكثر مما يجذبها صوت المكبر بوعوده و اغراءاته ..زعق واحد منهم فى صوت ضاحك كالنهيق :
- يا شخص ….يا تمثال ..رد علينا حضرتك …شخص انت ام تمثال ؟
- و تضاحك الجميع فى استهتار حتى تطلعت اليهم انظار من يتحلقون حول المنصة . انبرى واحد منهم طويل القامة و قال يوجه الكلام الى زملائه فى صوت اجش :
- عبط ….عبط….و الله العظيم ….عبط …الم تروا فى حياتكم من قبل تمثالا يجرى على اكل عيشه
و صرخ فى اخر مهللا و كانه قبض على شىء كاد يفر من قبضته :
- امسط حرامى ….امسك ….رايته و الله العظيم يهز اجفانه
و قال شاب معروق الوجه و هو يرفع راسه نحو التمثال و يضحك فى استهتار :
- و الله يا عم تمثال الذى دهنك ” بالدكو ” رجل صنايعى صحيح
- أحسن من الاسطى حنفى ( بتاعنا ) و الله
تعالت ضحكاتهم تناثرت كلمات السباب الفاضح من هنا و هناك تلطخ شخص التمثال
مدهون بماء الفضة صحيح …الله يسامحكم ….أنا عطشان و تعبان …و انتم لا ترحمون كلكم قساة تلهون بى و انا امارس عملى كلكم تعملون او تجدون من يصرف عليكم سواى انا : مشرد و ضائع لا اجد لقمة العيش الا بعد تعب شديد …اه ….ساقاى لا تكادان تحملاننى …اه لو اعلم كم الساعة الان ؟
- 3 –
” هلم الينا و شاهد بنفسك ”
كان مكبر الصوت يعلنها فى صراخ حاد و افواج الناس تتوافد كالطو*فا*ن الى المنصة التى وقف عليها التمثال العارى الا من لباس البحر و قال رجل اخر عظيم الجرم متكدس الشحم و قد شاقه منظر التمثال
- انتظروا
التفتوا اليه مستطلعين . اخرج من بنيقة سترته دبوسا كان مغروسا فى طرفها الاعلى …امسك الدبوس باصبعيه و سدد طرفه المدبب الى اسفل انحنى بجذعه على المنصة الخشبية تطلعت اليه الاعين فى ترقب . تضاحك البعض فى حبور . مد يده الى اقصاها و وخز بها قدم التمثال لم تتحرك القدم ظلت ثابتة …مع ذلك . اعاد اللعبة من جديد بين هتاف الكثيرين و سدد بشدة سن الدبوس الى القدم تحركت القدم حركة خفيفة لم تلحظها الاعين التى يشدها الترقب و يغمرها المرح …تضاحك الجميع مسرورين
- حرام عليك يا ابنى ….حرام …
رد صوت عابث فى سرعة :
- تسالى يا حاجة …تسالى …نريد ان نتسلى …هل التسلية حرام ؟
سكتت المراة فى تاثر و لم تتكلم كان التمثال واقفا متصلبا فى تحد مثير و جفناه مغلقان و يده لم تزل تشير الى السرادق
” الله يخرب بيتك يا من تفعل بقدمى ….من هذا الوخز سوف تقطع عيشى …الا ترحمون يا من تشاهدوننى .. الا يكفيكم مشاهدتى و تعذيبى لقد تعودت ضحكاتكم المستهترة و سخرياتكم المريرة منذ اقيم المولد و انتصب السرادق …و لكنكم اليوم تتعاونون على تحطيمى و قطع عيشى ….و سيضربنى المعلم و يهزأ منى …اه لو اعلم كم الساعة الان ” ؟
- 4 –
” هلم الينا و شاهد بنفسك ”
اندفع شاب ضخم الجثة يوسع لنفسه طريقا …قال و هو يمد يده الى الشاب الذى ما زال يمسك بالدبوس
- لو تسمح
و انحنى على المنصة انحناءة كبيرة و بلا تردد اخذ يغرس سن الدبوس فى القدم كان الوخز قاسيا لا يحتمل …تحركت القدم منسحبة الى الوراء قليلا فى شجاعة و استماتة لم تتراجع اليد الممدودة مع ذلك و تابعت غرسها للدبوس من جديد
هلل شاب من بين جماعة الشباب الواقفين :
- التمثال يبكى …الدموع نازلة من عينيه …يا اخوانا ” شايفين “
ضج الجمع فى ضحك صاخب هاتفين :
- شايفين …..شايفين ….شايفين
كانت اللحظات القادمة سريعة . خاطفة . باهرة …جاءت كوميض البرق فى لمعانه و بريقه هوى التمثال مسرعا على ارض المنصة متكوما ينتحب كطائر احكم التصويب عليه فوقع من أعلى تصحبه خلجات الموت …صدره يعلو و يهبط فى سرعة ..الانفاس تتلاحق فى لهاث عنيف و نشيج حبيس يخرج عنيفا مكتويا
بكت امراة …ردت عليها اخرى :
يا عينى يا ابنى
صرخ اخر :
- كشفنا ملعوبك يا حلو
بدا البعض فى الانصراف و صوت المكبر ما زال يعلو فى نغمة مرحة و فى ألحاح متواصل
- 5 –
” هلم الينا و شاهد بنفسك ”
قال شاب لزميله :
- فاكر الولد اللص الذى حاول سرقة الورشة و نزلنا عليه كلنا ضرب
- فاكر
- صاحبنا هذا وقع و بكى مثل حضرته تماما .
- تمت –