غ*ز*ة تُباد والعالم منشغل بإعادة تدوير المقترحات – ناصر البلوي
كل يوم وفي تطور غير مفاجئ على الإطلاق تُعلن دولة ما أو شخصية ما من مكان ما، عن مقترح جديد ومبتكر وعبقري لوقف الإبادة الجماعية في غ*ز*ة، لينضم إلى قائمة طويلة جدا من المقترحات السابقة التي انتهت جميعها في المكان-الذي نعرفه جميعا- للمقترحات الدولية. مبادرات كثيرة وكأننا في مصنع لإعادة تدوير المبادرات والمقترحات، يفرز ويغسل ويضغط ويخرج لنا كل يوم مبادرة في قالب جديد.
يقترح كل مُقترَحا جديدا وقفا فوريا لإطلاق النار، واحترام القانون الدولي الإنساني، وتقديم الدعم الإنساني لغ*ز*ة دون عوائق، مع فقرة مكررة تدعو كل الأطراف إلى ضبط النفس. المجتمع الدولي الذي يجتمع كلما شعر بالملل من جدول أعماله المزدحم بالمقترحات، يخرج علينا في كل مرة بمقترح أكثر أناقة ورشاقة لوقف الإبادة في غ*ز*ة. منذ اندلاع حرب الإبادة لم يُقصّر المجتمع الدولي في أداء واجبه، خاصة لجهة قلقه على الأوضاع الإنسانية في غ*ز*ة، ومن ثم إمطارنا بالمقترحات الجديدة. أما الولايات المتحدة فقد ذهبت أبعد من ذلك، إذ أبدت قلقا “عميقا” مستمرا ومتجددا عبر الناطقة باسم خارجيتها السيدة تامي بروس، حتى أننا -نحن الرازحون تحت المجازر- بتنا نقلق على صحتهم النفسية والمعنوية من كثرة قلقهم علينا، ولأن قلقهم وحده لا يكفي، تكفّلت حكومتهم بإسكات أي نداء لوقف إطلاق النار، مستخدمة “حقها” في الفيتو خمس مرات في مجلس الأمن، لإبطال القرارات التي تدعو لوقف فوري لإطلاق النار، في أداء إنساني استثنائي رفيع المستوى، وكما جادت مشاعرها بالقلق، جادت ترسانتها فأرسلت مساعدات إنسانية من نوع خاص، ذخائر ومعدات وصواريخ دقيقة، أُلقيت بدقة مؤلمة على النساء والأطفال وخيام النازحين، هكذا عبرت الإدارة الأمريكية عن معنى الاستجابة الإنسانية، قلق عميق وموت أعمق.
في الوقت الذي يُباد فيه الناس في غ*ز*ة على الهواء مباشرة، ينشغل العالم بإعادة تدوير المقترحات، تماما كما يُعاد تدوير النفايات، ونحن في انتظار المقترح أو المبادرة الجديدة القديمة أو المعاد تدويرها، أقترح إطلاق مسابقة عالمية لاختيار أجمل مُقتَرَح، تراعي معايير الاختصار والواقعية والأناقة والرشاقة والجمالية اللغوية. يمكن أيضا فتح المجال للمؤسسات والأفراد من كل أنحاء العالم للمشاركة بالمسابقة عبر تقديم مقترحاتهم الخاصة، كما يمكن إنشاء منظمة دولية جديدة لصياغة المقترحات، لتكون الجهة الدولية الوحيدة المخولة بتقديم المقترحات، فهذا يمنع كل من هب ودب أن يفاجئنا كل يوم بمقترح جديد. غ*ز*ة لا تحتاج إلى مبادرات ومقترحات معاد تدويرها، بل إلى ضمير إنساني لم يفقد صلاحيته بعد.
الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب فقط، ولا تعكس آراء الموقع. الموقع غير مسؤول على المعلومات الواردة في هذا المقال.