مقالات دينية

عندما يغيب العقل والمنطق في العقيدة الأسلامية / الجزء الأول

الكاتب: مشرف المنتدى الديني
 
عندما يُغيَّب العقل والمنطق في العقيدة الأسلامية
الجزء ألأول
 
نافع البرواري
 
عندما غُيِّب العقل على حساب النقل في التاريخ الأسلامي
 
 “المسلمين يتكلمون عن إيمان وأعتقاد لاعن تدبُّر أو تفكير . إنَّهم ينحازون الى كُلِّ ما يقوله القرآن دون أن يتأمَّلوا  في معانيه والفاظه ومصدره وعُيوبه  وتاثيره على الناس”.(1)
 
 بينما يقول الرب يسوع المسيح :
“فتشوا الكتب لأنكم تظنون أن لكم فيها حياة أبدية وهي التي تشهد لي”يو 5 : 39)
 فكلمة فتشوا تدل على الفحص الشديد المثابر للأسفار. ومن يفعل سيكتشف الحقيقة  .
المسيحية قائمة على الأيمان والعقل ، فلا ايمان بدون استخدام العقل ولا العقل عندما يهمل او يتغاضى عن الوحي الألهي . فكما يقول البابا الراحل يوحنا بولس الثاني في “رسالة جامعة” : الإيمان والعقل هما بمثابة الجناحين اللذين يمكنّان العقل البشري من الارتقاء إلى تأمل الحقيقة”.
. فاستخدام العقل في الأيمان المسيحي مهم وركَّز عليه الكثيرون من اللاهوتيين والفلاسفة المسيحيين ، لأنَّ الوحي ليس للحيوانات بل لأهل العقل ، ولأنَّه يجب تمييز الحقائق أولا في العقل ثم قبولها كأيمان . فمعرفة العقل لازمة للأيمان .
  الرب يسوع المسيح عندما يخاطب  رجال الدين اليهود في زمنه الذين كانوا يتحكّمون بمصير الناس البسطاء العاديين ، يقول لهم:”الويل لكم أيُّها القادة العميان ! أيُّها الجُهّال العميان،  المرّائون ،…أنتم كالقبور المبيضّة ، ظاهرها جميل وباطنها ممتلئ بعظام الموتى ….تُغلقون ملكوت السماوات في وجوه الناس ، فلا أنتم تدخلون ، ولا تتركون الداخلين يدخلون…أيُّها الحيّات أولاد ألأفاعي ! كيف ستهربون من عقاب جهنّم َ؟ لذلك سارسلُ اليكم أنبياء وحكماء ومعلّمين ، فمنهم من تجلِدون في مجامعكم وتُطاردون من مدينة ٍ الى مدينةٍ ، حتى ينزل بكم العقاب على سفك كُلِّ دمٍ بريء على ألأرض  ” متى 23 :13 -35″
ألأيمان يبزغ من الروح وليس من الجسد. بيد أنَّ الذين يريدون نشر ألأيمان “يحتاجون الى قدرة على الحديث الجيد ، والتأمل بعقل ، وبدون عن*ف وتهديدات . ومن أجل إقناع روح عاقلة ، لايحتاج المرء الى ذراع قويّة ، ولا الى سلاح من أي نوع ، كما لايحتاج الى تهديد أيِّ شخص بالموت …
ألأيمان المسيحي في تناغم مع الكلمة ألأبدية (اللوغس) ومع عقولنا . إنّ القرارات ألأنسانية بشأن العلاقة بين ألأيمان والعقل ألأنساني صارت جزءا من الأيمان نفسه ، ولايمكن تعديلها أو العودة عنها” .(2)
لقد وصل ألأرهاب الفكري  في الدول العربية والأسلامية الى حدود كم أفواه الباحثين والمفكرين حتى المسلمين  ،وممارسة الأرهاب القمع الفكري و الجسدي والمعنوي على كل من ينتقد الأرث والتراث ألأسلامي فما بالك من نقد النصوص القرآنية التي وضع حولها هالة مقدّسة لايمكن الأقتراب منها .
ان تفعيل دور العقل والمنطق والأجتهاد ,وحتى التسائلات كانت ولا تزال ممنوعة في العالم الأسلامي والكثيرون يدفعون ثمن غالي لمجرد أنهم يتسائلون لمعرفة الحقيقة. يقول اية الله خميني(ولقّب روح الله)” انّ الأسلام جاء بالسيف ولن يستطيع أن يستمر الا بقوة السيف” أي لا يستطيع الأسلام أن يقبل الفكر الحر واقناع الأخرين بالكلمة والعقل والمنطق بل هو يفرض على الآخرين فكره ودينه وعقيدته .
 الكاتب “روبرت رايلي” في كتابه “إغلاق عقل المسلم ” – يستعرض ألأرهاب الفكري والجسدي الذي مورس بحق المفكرين والفلاسفة عبر التاريخ الأسلامي – كتب يقول :
“ان سبب ألأرهاب ألأسلامي اليوم لم يكن جديدا وليس لأسباب اجتماعية مثل الفقر …الخ وانما لخلل اصاب عقل المسلم كنتيجة لسلسلة من التطورات حصلت في الفكر الأسلامي بدات في القرن التاسع الميلادي ووصل الى ما هو عليه اليوم كنتيجة حتمية لهذه العقلية.
ويضيف قائلا:
العالم الغربي بنى حضارته على العقل بينما المسلمين بنو حضارتهم على النقل منذ القرن الثاني عشر. الحضارة الغربية نشأت من أربعة مصادر . الديانة المسيحية  والديانة اليهودية والفلسفة اليونانية والقانون الروماني . ما كان لهذا التقدم أن يحصل لولا أهتمام فلاسفة الغرب بالعقل والعقلانية .
أما في العالم ألأسلامي فقد تم محاربة “المعتزلة “، الذين كانوا دعات منح ألأولوية للعقل على النقل (في عهد المأمون ) وروجوا لنضرية خلق القرآن والأرادة الحرة .  ولكن  سرعان ما ظهرت المدرسة ألأخرى التي تقول “أنَّ ألأنسان مسيّر ولا إرادة له في أخذ قراراته وصنع أعماله ،لأنَّ كُلِّ ما يعمله ويتعرض له مكتوب عليه من الله منذ ألأزل وقبل ولادته .
الحملات ضد المعتزلة هي ردَّة في تاريخ الفكر العربي ألأسلامي وبداية أغلاق عقل المسلم ، وأنحطاط الحضاري والفكري وضعف الدولة العباسية ، تمهيدا لسقوطها بركلة من هؤلاكو عام 1258
ويأتي هذا المفكر بالأدلة والبراهين على ما توصل اليه من البحث. ويستشهد  بالشيخ محمد قطب ، وهو شقيق سيد قطب ، وأستاذ “بن لادن” وصاحب كتاب “جاهلية القرن العشرين ”  الذي إعتبر كل ما أنتجه الغرب من معارف وثقافات وفلسفات وعلوم وتكنولوجية وحضارة وحداثة ..الخ منذ ما قبل سقراط وإلى الآن ، هو جهل في جهل !!!!! ،وأن الثقافة الحقيقية هي ألأيمان بالقرآن والسنة فقط . واعتبار النص الديني صالح في كل زمان ومكان وأن أي تفسير او تاويل للنص القرآني يجب العودة الى السلف”الصالحين” ، وإن اي مراجعة للشريعة أوحتى  الأحاديث غير مقبول . و كما يقول روبرت رايلي : “آنّهم ،اي الدول ألأسلامية ، وصلوا الى نهاية التاريخ ، حسب تعبير فوكوياما! * ”
ولم يتعافى العقل العربي من هذا ألأنحطاط لحد ألآن ، وما بن لادن ومنظمته ألأرهابية (القاعدة ود*اع*ش اليوم) إلاّ ثمرة سامة من ثمار هذا الأنحطاط الذي بدأ قبل أحد عشرة  قرنا على يد ألأشعري فكريا ، والمتوكل سياسيا . وفي القرن الثاني عشر جاء ألأمام ابو حامد الغزالي(1058-1111) فشنَّ حربا شعواء على الفلسفة والعقل والعقلانية ، فألَّف كتابا بعنوان “تهافت الفلاسفة ” لهذا الغرض .
كان لأنقلابه على العقل تاثير مدمِّر على الفكر ألأسلامي .
العقل بالنسبة للغزالي هو العدو ألأول للأسلام ، لذا راى أنَّ على المسلم ألأستسلام الكُلّي الى ارادة الله ، أي كُلِّ ما جاء في الوحي من قرآن وسنة النبي ومن السلف الصالح  من تفسير للنصوص والشريعة بدون أيِّ سؤال أو مناقشة. تهجُّم الغزالي في كتابه على أفلاطون وارسطو وأتباعهما ، وقال أنَّ الفلسفة لاتنقذ ألأنسان من الظلام وانّما الوحي وحده ينقُذ.
انتصر الغزالي على إبن رشد وانتصر النقل على العقل . وأغلق باب ألأجتهاد لدى فقهاء ألأسلام السني بدعوة من الغزالي .
ويصل”رايلي ” في كتابه الى النتائج التي ترتَّبت عن هذه العقلية فيقول:
لولا ألأشعري وحربه على المعتزلة  والغزالي وحربه على الفلسفة والعقل ولو أنتصر ابن رشد على الغزالي لما أنغلق عقل المسلم ، ولما تمَّ تعطيل العقل وشلَّ الفكر ، ولما أبتلى المسلمون بنظرية المؤامرة والغاء كُلِّ كوارثهم وتخلفهم وفشلهم على ألأجانب والمؤامرات الدولية والصهيونية وغيرها ،ولكان وضع المسلمون مختلف ألآن . فعقل المسلم عقل إتِّكالي ، لايثق بنفسه ، مما أدّى الى حالة الركود والجمود الدائمين . وهكذا نجد أنَّ هناك سلسلة من التحوّلات الفكرية التي بدأت في القرن التاسع الميلادي . وكُلِّ تحوّل ادى الى تحوّل لاحق أشدُّ ضررا (السبب والنتيجة ) أشبه بسلسلة التفاعلات النووية ، إبتداء بالأشعري ومرورا بالغزالي  وابن تيمية  ومحمد بن عبدالوهاب وحسن البنا وسيد قُطب وصولا الى بن لادن مؤسس وزعيم القاعدة ألأرهابية .
يرى المفكر “رالي” أنَّ انتصار الغزالي على إبن رشد في الغاء العقل والعقلانية أعطى الحكام ذريعة للأستبداد والتمسك بايدولوجية المكتوب من الله أي “الجبرية”  ولذلك عندما جاء ، كمال اتاتورك للسلطة  في تركيا، بعد إنهيار الدولة العثمانية في اعقاب الحرب العالمية ألأولى ، منع تداول كتب الغزالي في تركيا العلمانية .
 ولكن هذا الفكر  (الغاء العقل ) انتشر في الدول العربية والأسلامية خاصة بعد ضخ اموال البترول لهذه الدول من قبل السعودية ودول الخليج التي شجعت الفكر الوهابي المتخلف . إنّه ا*نت*حا*ر فكري وعقلي كما يقول هذا المفكر . وذهب الشيخ سيد القطب الى إدانة الحضارة الغربية ، ودعا  الى الجهاد لقيام حكم اسلامي .
. …….المشكلة ألأخرى عند العرب المسلمين هي تحفُّظهم وريبتهم من كُلِّ شيء غير عربي . ويأتي بمثال على هذه الريبة أنَّه حتى في عهد المأمون والأنفتاح الذي شهده العصر العباسي الأول على الثقافة والعلوم الهيلينية (ألأغريقية )  ولكن ونظرا لعدم معرفة العرب بالعلوم أطلقوا عليها “العلوم الدخيلة”. ومن المؤسف أنَّه الى يومنا هذا يستخدمون هذا التعبير للتسقيط وللحط من المعارف التي يتلقاه المسلم من بلدان غير مسلمة .
ويجاوب هذا المفكر على سؤال مطروح : لماذا لم تنشأ الديمقراطية في البلدان ألأسلامية ذاتيا  أي من الداخل؟ وهل نجح اليوم؟
يجيب فيقول: “أنَّ السبب يكمن في تفوّق سلطة القوة على سلطة العقل في الثقافة العربية –ألأسلامية .وهذا يعني أنَّ ألأشعري اليوم هي مذهب سائد ، ولكن تاثيرها تضاعف في الوهابية التي هي اشدُّ عداء للعقل من ألأشعرية . والجدير
بالذكر أنَّ محمد بن عبدالوهاب قال في أحد كتبه : “الفكر والكُفر سيّان لأنّهما من
نفس الحروف”!!!!!!!!         
كما ويؤكد “رالي”  أنّ منح ألأولوية للعقل شرط أساسي للتقدم الحضاري ونجاح  الديمقراطية . إذ لاديمقراطية بدون عقلانية . وبدون العقل لايمكن بناء مؤسسات علمية ولا حكومة دستورية ولا دولة مؤسسات . فالغاء السبب المباشر وايعاز كل شيء الى ارادة الله ، يُلغي وظيفة العقل . وأولوية القوّة على العقل في العالم الأسلامي السني له نفس العواقب الوخيمة . فبدون سبب ثانوي مباشر لايمكن أن يحكم ألأنسان نفسه ويفكر بحرية ومسؤولية . وبالتالي لايستطيع أن يُنمّي قابلياته ويبدع . فألأبداع من البدعة وفي ألأسلام “كُلِّ بدعة ضلالة وكُلِّ ضلالة في النار”.(3)
.
راجع ايضا مقالاتي السابقة عن الموضوع
. يقول ابن تيمية : إنَّ العلم الموروث عن النبي وحده يستحق أن يُسمّى علما ” وبهذا استبعد بصورة نهائية كُلِّ علم لاتكون النبوّة مصدره.
أمّا الشهرزوري قد أفتى بأنّ ” الفلسفة أساس السفه والأنحلال ومادة الحيرة والضلال ومثار الزيغ والزندقة” ..وحتى المفكرين المعاصرون من امثال علي سامي النشار ، استاذ للفلسفة وباحث في الفكر ألأسلامي ، فالنشار يذهب الى القول بأنّ ألأسلام لاعلاقة لها  بفلسفة اليونان ولا حتى بفلسفة الفلاسفة (المسلمين) كالكندي والفارابي وإبن سينا ، فالأسلام ليس بفلسفته بل ميتافيزيقياه الخاصة ألأصيلة التي نشات على أرضه. وبهذا يرفض النتاج الذي تركه هؤلاء ، كما يرفض الفلسفة ، بحجّة أنّها معادية للأسلام ، مناقضة للميتافيزيقيا التي وضعها القرآن ..وهناك فلسفة اصيلة صافية يمثِّلها علم الكلام وحدهُ!!!…وهذا ألأمر نفسه يتكرر في الدائرة الشيعية ، مجد مثلا، باحثا إسلاميا كمحمد تقي المدرسي يقف موقفا مماثلا لموقف علي سامي النشار ، إذ هو يقرر بأنَّ ألأسلام يستبعد الفلسفة والتصوّف كمنخج وسلوك ورؤية ، ويعتقد بوجود ثقافة إسلامية صافية ينبغي ابرازها والدفاع عنها في مواجهة ألأفكار المنحرفة والضالة التي وفدت عليها سواء من الفلسفة اليونانية الفديمة أو من الثقافة الغربية الحديثة. (4)
 
وتأكيدا لما قاله المفكر “رايلي ” وغيره يقول احد المفكرين المغاربة :
“إنَّ عقل المسلم محدود بحدود الشرع ، وإنَّ مهمة العقل هي فقط تطبيق النصوص الدينية ، جعل العقل في المجال الثقافي ألأسلامي محدود القيمة ومحدود الجهد” . ويفسِّر سبب ذلك فيقول:
لأنَّ المسلم لم يستطع أن يغامر بالمعرفة خارج ألأطار الذي يأطِّره الفكر الديني . وهكذا تخلَّف المسلمون على المستوى المعرفي والعلمي والعقلي منذ القرن الحادي عشر الميلادي ، وإنَّ  آخر رجل نادى بضرورة أن ينتبه المسلمون الى خطأهم هو إبن رشد قبل 800 سنة…للأسف تم قمع إبن رشد  وتم ألأنتقام منه لأنَ منظومة الفكر الفقهي هي التي كانت سائدة محكمة (ولازالت الى يومنا هذا) …هذا الفيلسوف لم يعرف المسلمون قيمته الا في القرن العشرين ، عندما سيكتشف الناس قيمة ابن رشد ،لأنَّه نادي- والمسلمون يعيشون في قمة الظلام –الى ضرورة أحكام العقل والعلم ، ولم يحدث ذلك ، فانحدر المسلمون في ظلمات الجهل والتخلف الى أن ايقضتهم المدفعية الأوربية الغربية من سباتهم وملامح تخلفهم …إذن هذه هي ملامح التي أوجدها محمد عبدو وألأفغاني وزعماء الأصلاح ومفكروا ألأصلاح المغاربة ايضا .
خرج ألأستعمار ، وتاسست دول ، المركزية الوطنية الحديثة المستقلة ، لكنها للأسف سرعان ما أقيمت على اساس تراث الماضي ، فاعاد المغرب (والعرب بصورة عامة ) كل ثقل الماضي الى الدولة المستقلة
 
ولكن يضيف قائلا: ألآن بعد 100 عام واكثر لايطرح المسلمون سؤال لماذا نحن متخلفون ؟؟؟؟.
ويجيب على هذا السؤال بالقول : تخلَّف المسلمون لأنَّهم لم يستطيعوا الفصل بين الدين والدولة واستمروا يعتبرون الدين دولة . وعندما تعتبر الدين دولة فلا بُدَّ لك أن تُقدِّس القوانين (الشريعة والنصوص القرانية ) ولايمكنك تغييرها ولا بُدَّ أن تُقدِّس الحاكم لأنَّه يحكم باسم الأله ولايمكنك أن تنتقده  ولابد أن تحافظ على نسق العلاقات كما هو لأنّك تعتقد أنَّه نسق مقدّس .وهكذا وقع المسلمون في تخلُّف منذ القرن ألأول الهجري عندما اعتبر الدين دولة ….واستمر ألأمر على هذا الشكل قرون طويلة فاصبح الناس لايتصورون أن يعيشوا احرارا واستحكمت فيهم اسباب العبودية حتى أصبحت وعيا باطنيا لهم . وهذا ما يسمّى “العبودية ألأرادية” .اي أصبحت العبودية تنبع من داخل شخصية الأفراد في العالم الأسلامي وفي مجتمعات شمال افريقيا والشرق الأوسط. واصبح كل فرد سواء المرأة او الرجل خاضع للأستعباد لأنّه يؤمن في داخله بعبوديته ، ولم يستطيع للأسف أن يأخذ مسار التقدم” .(5)
 
امّأ الكاتب عبدالرزاق عبدو فيركِّز على غياب العقل في الفكر السائد اليوم في المجتمعات العربية الأسلامية فيتكلم في مقدمة كتابه “سدنة هياكل الوهم” عن التخشب في الفكر ألأسلامي المعاصر .اذ يتصدى هذا الكتاب للفكر الديني الشائع بين الجماهير من خلال تفكيك اليات العقل الفقهي  فيقول عن شيوخ الحداثة المنضوين تحت سلطة وعاظ السلاطين من فقهاء الظلام عبر التاريخ فيتكلم عن تمجيد العامة له مكافاة له على تطويع
 ذاته وخطابه لما يلائم حاجاتهم الثقافية والنفسية المتوارثة عن ازمة سحيقة من التقزيم والتتفيه من جهة والتنعم بمغانم السلطان الذي تفيض عليه بكرمه وهباته المسلوبة من العامة من جهة ثانية ،  فيتحالف الأثنان ( السلطة) ، و( المشيخة) على اذلال ألأنسان في طبائع الأستبداد. القدرية هي التي تسيِّر خطابات الشيوخ ، هذه المرجعية التي تحكم عقل خطباء الجمعة هي المرجعية التي تتحكم بعقل الشيوخ اليوم ، وهم يروجون لها ، والغيبوبة للعقل التي يمثلها اسلام العصر ، حيث يروي الشيوخ للجماهير احلاما “منامات” …..فالعقل الموجه لهذا ألأسلام ذي الخطاب الفقهي الوعظي المنبري الذي لاينتج الا الذكر بالضرورة .
 خلاصة هذا المذهب هو دحض للعقل الكوني الحدي  . وهكذا هو المذهب ألأشعري حيث ان الله “قادر على كل شيء وخالق كل شيء ” وليس للطبيعة عنده فعل ما ، أما أفعال الأنسان ، فان الله يفعلها ويخلقها فيه ، فينسبها ألأنسان الى نفسه ، ويزعم انها من كسبه ، والعقل آلة للأدراك فقط لكنه لايستطيع إدراك وجود الله ”
يعلق المستشار محمد سعيد العشماوي على مذهبي ألأشعري والغزالي بانه نظرا لأنتشار فكر الغزالي وكتابه (احياء علوم الدين) فقد ختم على العقل الأسلامي وقطع دابر الرأي بل وانتهت تماما فكرة حرية ألأرادة ومبدا مسائلة ألأنسان عما يفعل.
ويصل الى القول  لقد ضُرب منطق السببية ومنهج التعليل ومبدأ حرية الأرادة تماما ، وانتهى جانب العقل وتقدير الحرية من العقل الأسلامي نهائيا!!!!!…فمن باب العقل ضرب العقل ومن باب الدين وقف الدين وباسم العلم انتهى العلم تماما
فبغير المنطق لايقوم فهم ، وبدون السببية لايتكون عقل وبنفي العلّة تنتهي العلوم وبانكار حرية الأنسان يصبح ادنى الى الحيوان واقرب الى المادة.
فقد ” تراجع المنطق ، وتخلف العقل ، واندثر العلم ، وضاعت الحرية ، وبدا الأسلام عهدا طويلا من النوم وعصرا بعيدا من الخرافة”
وفي ص12 يقول:
“ان الفكر الديني (اليوم) بصيغه المتعددة : ألأسلام الرسمي، الأسلام السياسي ، ألأسلام الثيوقراطي الجهادي ، ليس أقل تازما من التيارات ألأخرى السابقة( القومية والماركسية) التي ساهمت بصياغة العقل المهزوم للأمة حضاريا” .
ويعطي الكاتب نموذج البوطي( واحد من هؤلاء الشيوخ في سوريا) فيقول:
يغدوا خطاب البوطي هو الخطاب النموذجي للعقل الفقهي النقلي المشيخي الرسمي ، الذي يعتقد أنَّ العلم والبحث العلمي هو البحث عن حقيقة ضائعة في احساء الماضي ( السلفي)   
…. ألأشعرية  كانت تتويجا لخروج ألأسلام كفعالية مؤثرة من التاريخ للأنتقال الى مرحلة المفعولية التي صاغ الغزالي فلسفتها الواحدية القهارة التي ترفض التعدد، والتغاير، والعقل المتسائل ، والمتفلسف ، ليحيي علوم الدين القائمة على ألأيمان وألأذعان بأن الأنسان لايملك من امر نفسه شيئا ، أي لايملك اية فاعلية أو قدرة على الفعل في العالم والأشياء.

لصعوبة الوحدانية التي أرادها الغزالي في وحدانية السلطة ، والحاح الفقهاء واصحاب الطرق وألأسلام المشيخي السلطوي على الغيبيات من جن  وملائكة ، كثرت الخرافات والأوهام وعاد الناس الى وثنيتهم الأولى ، يقدسون ألأبطال والأضرحة والأولياء مما اطفا نورانية العقل المتسائل ، المحاور، المغاير ، المتعدد لصالح مشكاة ألأنوار اللدنية المنبثقة  من اضرحة ألأولياء والدراويش واصحاب الطرق حتى تحولت هذه الثنائية الى شرخ مثل قطبيىة في الزمن السلجوقي عالم كبير هو ألأمام الغزالي وعالم كبير اخر هو عمر الخيام  حيث ألأول داعية عزلة ، وانغلاق ، ومصالحة مع التصوف وتخويف الناس (على طريق الحسن البصري) من اهوال الموت وعذاب القبر وتعظيم سلطان القضاء والقدر كمعادل لتعظيم سلطان الحاكم، والوجه الأمر المضاد الذي شغل فضاء القرن السادس الهجري

هو عمر الخيام الذي يشكل ألأطروحة المضادة للفناء في الذات اللدنية الى الفناء في الذات الحسية  ، الجسدية الكونية ، عبر ألأعلاء من شأن لحظة الحاضر التي هي اللحظة والوحيدة القابلة للمس والحس والأستغراق في اللذة – لذة الخمر والمرأة
ويتسائل الكاتب ص24 فيقول
كيف يكون تاريخنا المليء بسفك الدماء والويلات التي تطرز جسد تاريخنا استبدادا وطغيانا وسفكا للدماء مثال سدنة هياكل الوهم ومستقبل الأمة يكون عليه؟ .
كيف ان المفسرين دخلوا في التفاسير والأحاديث في الميثولوجيا والأساطير في قصة آدم والخلق وغيرها وتركوا العقل؟
اليس الفكر الديني الذي يطفو على المشهد الراهن عرض من اعراض ازمة الهوية المهددة بالتلاشي سياسيا وثقافيا وحضاريا .، كونه محكوما بمنظومة فكرية قاصرة ،عن الأستجابة لكل التحديات والمعضلات التي تجابهنا اليوم ، اعني المنظومة الفقهية كما تتجلى في العقل المشيخي ، المنبري الوعظي ،الداحض للعقل الكوني الحديث بشتى تياراته ومدارسه؟ .(6)
كتب محمد الصندوق مقالا تحليليا للفكر السائد في الأسلام المنغلق يقول:
هناك نوع  من الانعزال الحضاري لا يعود سببه للعامل الجغرافي بل بسبب الإصرار على المحافظة والانغلاق على نمط فكري معين. ظهر هذا النمط من الانعزال الحضاري في الحضارة العربية الإسلامية. ….. بقت سمة التراجع الحضاري بارزة حتى الحرب العالمية الأولى. لذا تميزت هذه المجتمعات(العربية ألأسلامية) بالمحافظة نتيجة الانغلاق الفكري والانعزال الحضاري وتميزت  بالجانب الديني فقط . لقد خمن أرنولد توبنبي  (1889-1975) سقوط الحضارة العربية الإسلامية بحدود القرن الحادي عشر
… وربما يكون الانعزال الحضاري قبل الحرب العالمية الأولى والتراجع الحضاري خلال فترة الانعزال هو السبب الأساس الذي لم يُمكِّن هذه المجمعات من امتلاك إمكانية المواجهة الحضارية الإيجابية بل المواجهة السلبية. وهذ ما قاد الى نوع من تصادم الحضاري وحسب مصطلح هنغتون *** .(7)

 
 

*
 ألمنطق : علم يضبط قوانين الفكر ، ويميز صوابه من خطئه ، وينمي في العقل ملكة النقد والتقدير .
-المنطق هو قانون الهوية أو (الذاتي) 
· ورمزه [ أ هو أ ]  ومعناها أن الشيء هو نفسه بصفاته الأساسية الجوهرية مهما اختلفت صفاته العرضية . مثل “سقراط هو سقراط” و”ألأنسان هو ألأنسان”.
عندما وضع، أرسطو ، نظريات  المنطق الخاص به ، حيث أعلن أنَّ المنطق هو ما يسميّه 
Organon
“الوسيلة لأكتساب المعرفة في كُلّ عِلم “…وهو اي المنطق شرط ضروري للتواصل الهادف 
C ommunication
فعندما أقول “اهذا ألأنسان ليس انسان ” فهذا الكلام فارغ لامعنى له  وكلام لاعقلاني ويخالف المنطق  و ينتهك قانون عدم التناقض .
**
النقل
تعريف النقليقال: نقل الشيء أي أخذة من مكان إلى مكان، ونَقَلَةُ الحديث هم الذي يدونون الأحاديث وينقلونها ويسندونها إلى مصادرها.
ويقال لأدلة الكتاب والسنة: الأدلة النقلية، ويقال لها السمعية ويقال لها: الخبرية والأدلة المأثورة، وكلها بمعنى واحد، وهي الأدلة المسموعة المنقولة عن كتاب الله العزيز والسنة المطهرة أو الأدلة التي نقلها إلينا نقلة الحديث والرواة
راجع الموقع الأسلامي التالي
http://madrasato-mohammed.com/maowsoat_aqida_sunnah_02/pg_095_0002.htm
***
راجع كتاب صاموئيل هنغتون ” صدام الحضارات”
(1)
الشاعر معروف الرصافي في كتابه “الشخصية المحمدية”
(2)
راجع جريدة الشرق ألأوسط المنشورة في سبتمبر 2006 سنة  2006
عن محاضرة البابا بندكتس السادس عشر .
(3)
المصدر
راجع كتاب “اغلاق عقل المسلم ” روبرت رايلي دفتر خاص للنقاط التي يتكلم فيها الكاتب
(4)
المفكر “علي حرب”
راجع مقالة على الأنتلانت بعنوان (العقل ألأسلامي بين ألأنغلاق والأنفتاح)
http://www.albawabhnews.com/2070352

 
البوابة نيوز: “علي حرب”.. العقل الإسلامي بين الانغلاق …
www.albawabhnews.com
ونعود إلى علي حرب لنقرأ معه.. «لا مراء فى أن الناس يختلفون فى نظرتهم إلى الآخر وفى طريقتهم …

 
 
(5)
راجع الموقع التالي
2017-04-23-VIDEO-00001907 (4).mp4
(6)
راجع الموقع التالي
عبدالرزاق عبدو في كتابه “سدنة هياكل الوهم ”
 http://www.goodreads.com/book/show/7940244
(7)
راجع الموقع التالي
 

 

http://almuslih.org/ar/index.php?option=com_content&view=article&id=320:2015-11-20-14-26-21&catid=37:salafist-discourse&Itemid=206
 
..

يمكنك مشاهدة المقال على منتدى مانكيش من هنا

مقالات ذات صلة

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
التقيمات المضمنة
عرض جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!