مقالات دينية

ܦܢܛܩܘܣܛܐ العنصرة … التشابه بين عنصرة العهدين

ܦܢܛܩܘܣܛܐ العنصرة … التشابه بين عنصرة العهدين

بقلم / وردا إسحاق قلّو

    ( ولا تحزنوا روح الله القدوس الذي به ختمتم ليوم الفداء ) ” أف 30:4 “

  الكلمة اليونانية ( بنطيقوسطي ) تعني الخمسين . الديانة اليهودية تحتفل بهذا اليوم أيضاً ، أي بعد خمسين يوماً من الفصح اليهودي , وأصل هذا العيد في اليهودية كان عيداً زراعياً ( عيد زراعة القمح ) وإتخذ بعد الجلاء إلى بابل في القرن الخامس ( ق.م ) . وفي القرن الثالث ( ق.م ) أصبح عيد العنصرة عيد تجديد العهد ( 2 أخ 15: 10 – 15 ) .

 أما في العهد الجديد يتذكر المؤمنون في هذا العيد الذي يصادف أيضاً بعد خمسين يوماً من قيامة الرب يسوع من بين الأموات وعده للكنيسة بإرسال الروح القدس ، وكذلك عطية الشريعة في سيناء . كان اليهود يحتفلون بالعهد فيجددونه ويقرأون المزمور ( صعدت إلى العلاء . سبيت سبياً . قبلت عطايا بين الناس ) ”  68: 18  ”  . وفي عهد النعمة يقرأون أيضاً جزء من رسالة بولس إلى أهل أفسس ، تقول ( وإذ صعد إلى الأعالي ، ساق أسرى ، ووهب الناس مواهب ! وما إنه صعد … ) ” أف 3:8-9″ .أما جماعة قمران فكانوا يحتفلون في يوم العنصرة بعيد الدخول في العهد الجديد . وهكذا نجد العلاقة نفسها بين العنصرة والفصح . شعب إس*رائي*ل نجا من مصر ومن البحر ليدخل في عهد الله في سيناء . والشعب المسيحي دخل في يوم العنصرة في عهد جديد فولدت الكنيسة في هذا اليوم العظيم عندما حلول الروح القدس المُعَزي على أبنائها . في الترجوم اليهودي نطالع :

  ( صعدت إلى السماء يا موسى النبي وسبيت السبي ) أي تعلمت كلمات الشريعة وأعطيتها لبني البشر ، بل للمتمردين إن هم عادوا إلى الرب بالتوبة . ليرتاح حضور مجد الرب الإله . إذاً بالنسبة إلى الترجوم ، هذا الصعود الذي ظل يحتفلون به المسيحيين في يوم العنصرة حتى القرن الرابع هو في نظر بطرس الرسول صعود يسوع إلى السماء ليأتي بالشريعة الجديدة الذي هو ( الروح القدس ) ويهبها للبشر . ويعود بولس إلى الترجوم ذاته ليقول عن المسيح ( صعد إلى العلى فأخذ أسرى ، وأوسع الناس العطايا ) ” أف8:4 ” . ، ولكن المواهب التي وهبها للبشر كانت للرسل والأنبياء والمبشرون والرعاة والمعلمين لتنظيم القديسين لعمل الخدمة في سبيل بناء جسد المسيح .

   إذاً أعطى يسوع البشر الروح ، فجهز كنيسته وهيأها لعمل الخلاص .

  في سيناء رأى اليهود مشهداً وسمع الشعب الأصوات والرعود ، صوت البوق ، والجبل المدخن ، رأى الشعب ذلك فخاف وظل بعيداً . شدد الشُراح اليهود في التراجيم على أن الشعب سمع الأصوات ، فالكلمة الأولى التي خرجت من فم القدوس كانت كسهام ، وكبروق وشعلات نار . حاول فيلون الفيلسوف اليهودي الذي عاش في الأسكندية في زمن يسوع ، أن يفسّر هذا الأمر لقرائه اليونان ، فقال : بما أن الله لا فم له ولا لسان ولا حلق ، فقد عزم أن يجترح معجزة  فحصل صوت خفي في الهواء ، نسمة تتمتم كلمات فتحرك الهواء وتعطيهِ شكلاً فتحوله إلى نار بشكل شعلة ، كالنسمة عبر البوق ترجّع صوتاً تجعل البعداء يسمعونهُ كما يسمعه القريبون . بهذا الصوت عبّرَ الله عما يقوله للناس بصورة واضحة بحيث بدت منظورة أكثر منها مسموعة . ( صوت الله حين تلّفظ به ، إنقسم إلى 70 صوتاً ، 70 لساناً . لتقدر أن تفهمهُ جميع الأمم ) كان اليهود يظنون أن أمم العالم هي سبعون أمة إنطلاقاً من ( تك 10 ) فأرادوا أن يعبّروا عن يقينهم أن شريعة الله تشمل جميع الشعوب ولا تنحصر في شعب إس*رائي*ل فقط .

   وعلى ضوء هذه المعلومات ، نستطيع الآن أن نقرأ الحدث في العهد الجديد وكما رواه البشير لوقا في سفر أعمال الرسل .

   يوم العنصرة في المسيحية هو العيد الذي فيهِ جدد الله عهده مع البشر ، فيقول : في الوقت الذي أمتلأ يوم العنصرة ، فالوقت هو مثل كيل يملأ . وهذا ما نقرأهُ في إنجيل لوقا ( ولما حانت أيام إرتفاعه ، عزم على الإتجاه إلى أورشليم . فأرسل رسلاً يتقدمونهُ ) ” 51:9 ” . الزمن يمتلىء والحدث المُعلَن عنهُ يجمل كل الأحداث السابقة ويورد لوقا الحدث بكلمات غريبة فيقول في ( أع 2 ) : فإنطلق من السماء بغتة دوي كريح عاصفة . وظهرت لهم ألسِّنة كأنها من نار ، قد إنقسمت فوقف على كل منهم لسان . . فما الذي حصل ؟

   كل هذه الصور تذّكرنا بحدث سيناء وكما صورته التقاليد اليهودية ، فعاد إليها لوقا . أما صاحب الرسالة إلى العبرانيين ( 12: 18-19 ) فيذّكِر للمؤمنين قائلاً ( ما أقتربتم أنتم من جبل ملموس ، من نار ملتهب وظلام وضباب وزوبعة وهتاف بوق وصوت كلام ) . يبتعد لوقا من هذه الصورة ، فيقول ( دوي ، كريح عاصفة . وظهرت ألسنة كأنها من نار .) كل هذه الصوَّر تنبهنا بقوة إلى أننا أمام سيناء جديد ، وعهد جديد لهذا الشعب الجديد الذي اجتمع بقلب واحد وكما كان بنو إس*رائي*ل عند سفح الجبل .

 قال الرب يسوع لتلاميذهِ ( فإمكثوا أنتم في المدينة إلى أن تلبسوا قوّة من العلى ) ” لو 24: 49 ” . وتعمدون بالروح القدس ( طالع أع 5:1 ” .  والعلامات الدالة على العالم ( الدّوي والنار ) تعلن مجىء المعزي . وها هو الآن جاء كفيض داخلي يملأ المكان . إستولى ذلك الروح على الحاضرين ليعطيهم الحياة وليقيمهم في عهد جديد . الروح الذي نزل في العلية يدل على حضور الروح القدس بنتيجة ملموسة لا تقبل الشك وأعطاهم قوة وجرأة في الكلام والتحدي ، وموهب التكلم بالألسنة ، فتكلموا الرسل بلغات غريبة عن لغتهم . وما يريد أن يفهمنا البشير لوقا هو : بلبلة الألسنة في بابل ( تك 11) والتي منعت الناس من أن يتفاهموا . ولكن الروح القدس يعطي الآن الكنيسة السلطان ليفهمها جميع الشعوب . الفيلسوف فيلون نفسه رأى في سيناء عكس ما حدث في بابل ، فقال : أعجب شىء هو الإتفاق الواحد  . أتفق السامعين لوعظة بطرس وقالوا ( ماذا نعمل ، أيها الأخوة ؟ ) .

  في بابل ما كان الواحد ليسمع صوت قريبه ، أما في العنصرة كان ( كل واحد يسمعهم في لغتهِ الخاصة ) ” أع 6:2 ” . وهناك موضوع مهم عن الصوت الذي سينطق به بطرس في خطبته الأولى . أن الصوت الخارج من جبل سيناء كان صوت الله . وهذا هو نفسهُ الذي نسمعه الآن . فيدل على حضور الروح . حينئذ رفع بطرس صوته : صوت الله الموّجَه إلى شعب إس*رائي*ل ، بل إلى كل الشعوب كالذي كان يخرج من الجبل ، وهو اليوم يرتفع من وسط الكنيسة منذ الآن سيكَلِم الرب البشر ، جميع البشر من هذا المكان ، من الكنيسة .

  العنصرة تممت سّر المسيح ، فيسوع الذي أقامه الله ، رفعه ليجلس على يمينه . نال من الآب الروح القدس وإفاضه علينا ، فالروح لم يحل على إنسان قبل صعود المسيح ( فلم يكن هناك روح ، لأن يسوع لم يكن قد تمجد ) ” يو 39:7 ” . أعطي هذا الروح القدوس لأبناء الوعد ( أع 39:2 ) لأولئك اليهود الذين صاروا تلاميذ يسوع ليكوِنوا إس*رائي*ل الجديد ، ومن ثم أعطي للوثنيين . زاد بطرس عبارة من إشعياء النبي ، فقال ( ولجميع البعيدين ) ( أش 39 ) وبهذا حزن الإنعزاليون اليهود . وهكذا وصلت البشرى إلى جميع الأمم .

  نختم ونقول : كيف يحل الروح القدس في أيامنا على المؤمنين ؟ قال الرسول بطرس في عظتهِ مخاطباً من يريد الخلاص عندما ربط الخلاص بالتوبة والغفران ، ومن ثم فيض الروح القدس بوضع الأيدي . فقال ( توبوا وليعتمد كل منكم بإسم يسوع المسيح لتغفر خطاياكم فتنا لوا عطية الروح القدس ) ” أع 38:2 ” .

  كانت ممارسة الكنيسة الأولى أن يعلن الإنسان إيمانهِ أولاً ، ثم يعمِّد بالماء ( هناك أوقات فيها يكفي العماد وحدهُ لقبول الروح القدس ) ” أع 39:8 ” وهناك عماد يحتاج إلى وضع يد بطرس ويوحنا لحلول الروح القدس ( أع 8 : 14-17 ) وبولس أيضاً وضع يديه على المعمدين ( أع 6:19 ) فأخذوا يتكلمون بلغات غير لغتهم ويتنبأون . وبعد فترة الرسل إستخدم الزيت المقدس ( الميرون ) ليمسح به المعمد .

 توقيع الكاتب ( لأني لا أستحي بالبشارة ، فهي قدرة الله لخلاص كل من آمن ) ” 16:1 “.

المصادر

1-الكتاب المقدس.

2-كتاب أعمال الرسل – تأليف ( مجموعة من الباحثين ) .

3-دراسة في الرسالة إلى العبرانيين ( الأب الييرفانو اليسوعي ) .

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
Oldest
Newest Most Voted
التقيمات المضمنة
عرض جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!