مقالات

تقنية ال-VAR-هل سرقت المتعة من كرة القدم؟ – رحيم حمادي غضبان

لطالما كان التحكيم في كرة القدم مسؤولية الحكم الرئيسي ومساعديه، حيث يعتمدون على الرؤية المباشرة وسرعة البديهة في تقدير الوقائع أثناء المباراة. هذا الأسلوب التقليدي، ورغم تراكم الخبرات وتطور أساليب التحكيم، ظل عرضة للأخطاء البشرية نظراً لسرعة اللعب وتشابك الحالات الفنية وصعوبة متابعتها من زاوية واحدة في لحظات حساسة. ولعقود طويلة، كانت الأخطاء التحكيمية سبباً في تغيّر نتائج مباريات حاسمة، بل وحتى مصير بطولات، مما دفع الاتحادات الرياضية والجماهير إلى المطالبة بوسائل أكثر دقة وعدالة.

ومع دخول التكنولوجيا إلى عالم كرة القدم، وتحديداً عبر تقنية حكم الفيديو المساعد (VAR)، استبشر عشاق اللعبة خيراً، متوقعين أن تنتهي مرحلة القرارات الظالمة، وأن تسود العدالة بفضل إعادة اللقطات من زوايا متعددة وسرعات متفاوتة. وقدمت التقنية نفسها كعين ثانية، أكثر دقة وحيادية، يمكن أن تساعد الحكم على اتخاذ القرار الصحيح، أو تصحيح القرار الخاطئ عند الحاجة، خاصة في الحالات الحاسمة مثل ضربات الجزاء، التسللات الدقيقة، والبطاقات الحمراء المباشرة.

لكن الواقع العملي لتطبيق الفار كشف عن تحديات حقيقية قد أضعفت من أثره الإيجابي. أول هذه التحديات أن القرار النهائي ما زال بيد حكم الساحة، حتى في الحالات التي تظهر فيها الإعادة بوضوح، وتقدم دليلاً قاطعًا على ما جرى. وهنا تبرز المفارقة: إذا كانت التقنية قد أثبتت صحة الواقعة أو خطأها بصرياً وبشكل لا يحتمل التأويل، فلماذا يبقى القرار النهائي خاضعاً لتقدير الحكم؟ وما الفائدة من العودة إلى الشاشة، إذا لم يكن الهدف هو الوصول إلى القرار الصحيح بصرف النظر عن قناعة الحكم الأولية؟

إضافة إلى ذلك، فإن العودة المتكررة والمداولات الطويلة بين غرفة الفار والحكم تؤثر سلباً على سير المباراة، وتكسر إيقاع اللعب، وتربك الجمهور واللاعبين على حد سواء. وفي بعض الحالات، يُفاجأ المتابعون بأن حالات واضحة لم تُراجع أساساً، أو أن مراجعتها لم تؤدِ إلى تغيير القرار، دون تفسير منطقي، مما يولد حالة من الغموض والشك. ومما يزيد الطين بلة أن بروتوكول الفيفا لا يُلزم الحكم باتباع رأي غرفة الفار، بل يجعله استشاريًا فقط، حتى في أكثر الحالات وضوحًا، مما يقلل من قوة التقنية ويجعلها أداة ناقصة الفعالية.

وفي ظل هذه الإشكاليات، بدأ بعض المشجعين والمحللين يطرحون تساؤلات جادة حول جدوى الاستمرار في استخدام الفار، بل وظهرت أصوات تنادي بإلغائه، معتبرين أنه تسبب في مزيد من الجدل أكثر مما حلّ من مشكلات. إلا أن هذا الرأي، رغم وجاهته من ناحية رد الفعل، لا يتماشى مع التوجه المنطقي الذي يهدف إلى تطوير اللعبة لا التراجع عنها.

الحقيقة أن إلغاء الفار بالكامل سيكون بمثابة خطوة للوراء، وحرمان لكرة القدم من وسيلة قوية لتحقيق العدالة. فالتقنية نفسها ليست المشكلة، بل طريقة تطبيقها والقيود المفروضة عليها. لقد ساهم الفار في حالات عديدة في إنصاف فرق، وإلغاء أهداف غير شرعية، ومنح ركلات جزاء مستحقة، وإنقاذ المباريات من قرارات كارثية. وبالتالي، فإن الحل لا يكمن في إلغاء التقنية، بل في مراجعة بروتوكولها، ومنح غرفة الفار صلاحيات حاسمة في اتخاذ القرار عند وجود أدلة بصرية قاطعة، تماماً كما تفعل المحكمة في القضايا التي لا تحتمل التأويل.

ختامًا، إذا كنا نهدف إلى كرة قدم عادلة ونظيفة، فلا بد من دعم التقنية، ولكن بشكلها الصحيح: أن تكون مرجعية نهائية لا خاضعة للاجتهاد. الفار يجب أن يكون وسيلة لحماية اللعبة، لا مجرد وسيلة إضافية لإثارة الجدل، وعلى الجهات المسؤولة أن تواكب هذا التوجه لضمان مستقبل أكثر نزاهة وعدلاً داخل المستطيل الأخضر.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب فقط، ولا تعكس آراء الموقع. الموقع غير مسؤول على المعلومات الواردة في هذا المقال.

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
Oldest
Newest Most Voted
التقيمات المضمنة
عرض جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!