آراء متنوعة

صمت القبور وخراب الديار.. مآسي الحروب التي لا تنتهي

تقوم الحروب دوما على مآسي الشعوب ودماء أبنائها، ويشنها عادة حكام الدول بمسوغات غير مقنعة، مثل الأسباب التي قامت لأجلها الحرب العالمية الأولى والثانية وكذلك الحروب التي تلتها التي تسببت في موت ملايين الناس، والحرب الحالية بين اس*رائ*يل وايران، فالشعوب هي الخاسرة من ارواح سكانها واقتصادها وحياتها السلمية.

وتعد الحروب ظاهرة متعددة الأوجه، ولا يمكن اختزال أسبابها في مسوغات واهية فحسب، ففيما يرى كثيرون أن الحروب تشتعل لأسباب غير مقنعة، إلا أن هناك دوافع عميقة، تدفع بالساسة إلى اتخاذ قرارات وخيمة تؤدي إلى صراعات مدمرة.

وغلبا ما تكون الموارد الطبيعية كالنفط والغاز وغيرها، والممرات المائية الاستراتيجية، والنفوذ الإقليمي والدولي، من الدوافع الرئيسة وراء النزاعات، فالسعي للسيطرة على هذه الموارد أو توسيع النفوذ يمكن أن يؤدي إلى توترات تتصاعد إلى حروب.

وقد تسعى الأنظمة الحاكمة إلى ترسيخ سلطتها داخليا أو خارجيا، وقد يكون إشعال حرب وسيلة يراها حكام بعض الدول لتوحيد الجبهة الداخلية، أو صرف الانتباه عن مشكلات داخلية، أو إضعاف خصوم إقليميين.

و تؤدي الأيديولوجيات المتطرفة دورا خطيرا في تأجيج الصراعات، فالفكر القومي المتطرف، الذي يرى أن أمته هي الأفضل ولها الحق في التوسع على حساب الآخرين، أو الأيديولوجيات الدينية التي تسوغ العن*ف ضد “الآخر”، يمكن أن تكون محفزات قوية للحروب.

و في بعض الأحيان، تكون الحروب نتيجة لتراكم مظالم تاريخية، أو نزاعات لم تحل، أو رغبة في الانتقام، هذه المظالم يمكن أن تستغل وتضخم من قبل الساسة لتحشيد الدعم للحرب.

وفضلا عن ذلك هناك مصالح اقتصادية ضخمة مرتبطة بالصناعات العسكرية وتجارة الأسلحة، فقد تستفيد بعض الجهات من استمرار الحروب لزيادة الأرباح، مما يخلق حافزا غير مباشر لاستمرار الصراعات.

وفي بعض الأحيان، عندما تفشل قنوات الدبلوماسية والحوار في حل النزاعات، وتتفاقم أزمة الثقة بين الدول، يصبح اللجوء إلى القوة خيارا مطروحا، حتى لو كانت نتائجه مدمرة.

غالبا ما يكون قرار شن الحرب بيد النخب الحاكمة، في حين لا تملك الشعوب الاعتيادية القدرة على منعها أو إيقافها، بل هي من يدفع الثمن الأكبر من الأرواح والموارد.

ويجري استغلال الدعاية ووسائل الإعلام لتعبئة الشعوب وتوحيدها خلف قرار الحرب، وتصوير الخصم على أنه عدو مطلق، مما يجعل من الصعب على الأفراد التشكيك في الرواية الرسمية.

فتخلف الحروب دائما أعدادا هائلة من الضحايا المدنيين والعسكريين، وتدمر البنى التحتية، وتنهك الاقتصادات، مما يؤدي إلى فقر وبؤس لأجيال مقبلة، و تجبر الحرب الملايين على ترك منازلهم والنزوح داخليا أو اللجوء إلى بلدان أخرى، مما يضيف إلى معاناتهم الإنسانية والنفسية.

إن فهم هذه التعقيدات لا يسوغ الحروب، ولكنه يسلط الضوء على الأسباب الكامنة وراء استمرارها، وعلى الحاجة الملحة إلى آليات دولية أكثر فعالية لمنع النزاعات وحلها سلميا، وتقديم حلول مستدامة تخدم مصالح الشعوب لا مصالح القادة.

وتسعى الإنسانية منذ فجر التاريخ إلى تجنب ويلات الحروب، وإقامة سلام دائم بين الدول والشعوب، وبرغم تعقيد هذا الهدف، إلا أن هناك مجموعة من الموانع والمتطلبات الأساسية التي يمكن أن تسهم في تحقيقه، بغض النظر عن الاختلافات القومية والدينية والأيديولوجية.

ان ميثاق الأمم المتحدة يحظر اللجوء إلى القوة أو التهديد بها في العلاقات الدولية، ويضع آليات لحل النزاعات بالطرق السلمية، فمحكمة العدل الدولية، تتيح للدول تسوية نزاعاتها القانونية سلميا، و مجلس الأمن الدولي، يتحمل المسؤولية الرئيسة عن صون السلم والأمن الدوليين، ويمكنه اتخاذ تدابير لمنع النزاعات أو وقفها، بما في ذلك فرض العقوبات أو تفويض استعمال القوة، وكذلك مؤسسات اخرى اقليمية ودولية.

و تشكل الدبلوماسية والوساطة حلولا ناجعة قبل تصاعد التوترات لمنع اندلاع الصراعات، بالتواصل والتفاوض وإيجاد حلول مقبولة للطرفين، وتدخل أطراف ثالثة محايدة لتقريب وجهات النظر بين الأطراف المتنازعة ومساعدتهم على التوصل إلى حلول سلمية؛ كما ان التفاوض المباشر، يتيح للأطراف المعنية مناقشة خلافاتهم والبحث عن تسوية.

و في بعض الحالات، يمكن أن يسهم توازن القوى العسكرية بين الدول في منع الحرب، اذ يدرك كل طرف أن تكلفة الهجوم ستكون باهظة وغير مجدية؛ و يعد امتلاك أسلحة الردع، بخاصة النووية، من العوامل التي قد تمنع الحروب الشاملة، وإن كانت تحمل في طياتها مخاطر كارثية.

ان الاعتماد المتبادل الاقتصادي بين الدول، بوساطة التجارة والاستثمار المشترك، يخلق حافزا قويا لتجنب النزاعات التي قد تهدد هذه المصالح، وتداخل المصالح يعد عاملا معززا للسلام، إذ أن الحرب تضر الجميع.

و يمكن للمنظمات غير الحكومية وحركات السلام أن تضغط على الحكومات لتجنب الحرب والسعي نحو الحلول السلمية، وان توعية الرأي العام بشأن كلفة الحرب وأهمية السلام يمكن أن يخلق بيئة داعمة للجهود الدبلوماسية.

ان الاعتراف بسيادة الدول على أراضيها وشؤونها الداخلية هو أساس أي علاقات سلمية، وعليه فان منع التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، سواء عسكريا أو سياسيا، يقلل من أسباب الاحتكاك والتوتر، ويجب العمل على تبديد الصور النمطية السلبية عن الآخر وتفكيك الخطابات المحرضة على الكراهية؛ و يتوجب تشجيع التبادل الثقافي والأكاديمي والإنساني بين الدول لتعزيز التفاهم المشترك بين الشعوب، و نشر قيم التسامح والتعايش السلمي وقبول التنوع في المناهج التعليمية ووسائل الإعلام.

على الجميع تطبيق مبادئ القانون الدولي وآليات الأمم المتحدة لحل النزاعات، مثل التفاوض، والوساطة، والتحكيم، واللجوء إلى محكمة العدل الدولية، و تطوير قدرات الدبلوماسية الوقائية لدرء الأزمات قبل تفاقمها.

كما تبرز جهود الحد من الفقر والبطالة والتفاوتات الاقتصادية في داخل الدول وفيما بينها، وضمان حقوق الإنسان للجميع، بغض النظر عن العرق أو الدين أو الأصل، عوامل ردع للحروب؛ لأنها غالبا ما تكون أرضا خصبة للصراعات.

وبعد انتهاء النزاعات، يجب التركيز على بناء الثقة بين الأطراف، وإعادة تأهيل المناطق المتضررة، ومساعدة المجتمعات على تجاوز آثار الحرب، ويمكن أن تشمل هذه الخطوات برامج نزع السلاح، وإعادة دمج المقاتلين، والمصالحة الوطنية.

ويجب عدم التهاون ازاء محاسبة مرتكبي جرائم الحرب والانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي الإنساني، فذلك يسهم في ردع الآخرين وتكريس مبدأ عدم الإفلات من العقاب، وهو جزء أساسي من بناء السلام المستدام.

إن تحقيق السلام الدائم ليس مجرد غياب للحرب، بل هو بناء علاقات مستدامة قائمة على الاحترام المتبادل، والعدالة، والتعاون، والتفاهم بين جميع مكونات المجتمع الدولي؛ يتطلب ذلك إرادة سياسية قوية من القادة، ووعيا شعبيا بأهمية السلام، وتضافر جهود الجميع على المستويات المحلية والإقليمية والدولية.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب فقط، ولا تعكس آراء الموقع. الموقع غير مسؤول على المعلومات الواردة في هذا المقال.

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
Oldest
Newest Most Voted
التقيمات المضمنة
عرض جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!