سيمفونية طعام لا تجدها إلا في تونس
سيمفونية طعام لا تجدها إلا في تونس
مطبخ تونسي عنوانه التنوع
بعد أن احتلت الهريسة التونسية مكانها على قائمة التراث العالمي، قرر التونسيون الكشف عن كنز غذائي آخر وتقديمه للعالم ليحتل مكانه على نفس القائمة.
الطبق هو البسيسة، التي تحضر من خليط ح*بو-ب محمصة، يتم طحنها للحصول على مسحوق يُخلط مع زيت الزيتون. وهي كما يصفها التونسيون، قنبلة بروتينية، ارتبطت بالبدو الرحل نظرا لسهولة حملها وتحضيرها، وتُعرف بتنوع طرق إعدادها، حسب المناطق التونسية المختلفة.
وما إن يدور الحديث حول الطعام حتى يقفز اسم تونس، خاصة خلال العقد الأخير الذي شهد فوز خبازين تونسيين حققوا النجاح في عقر دار صناع الخبز الفرنسيين. منهم محمود المسدي الذي فاز عام 2018 بلقب أفضل “باغيت”، واختير ليزود الرئاسة الفرنسية بالخبز لمدة عام، ومكرم العكروت، وهو تونسي آخر، فاز بنفس الجائزة عام 2021.
هناك الكثير مما يمكن أن تقدمه تونس لضيوفها، من منتجعات بحرية، وخدمات ضيافة راقية، وموروث ثقافي وحضاري.. إلّا أن الطعام في تونس يبقى تجربة فريدة.
قد تكون السباغيتي والمقرونة (المعكرونة) اختراعا إيطاليا، وكذلك حال البيتزا. ولكن، إن أردت تذوق أفضل أطباق المقرونة وأصناف البيتزا عليك بتونس. بالتحديد “صقلية الصغيرة”. فأنت إلى جانب الطعام المميز، ستجد قائمة من أنواع النبيذ المنتج محليا، بجودة تفوق الكثير من الأصناف الفرنسية والإيطالية، وبسعر معقول أيضا.
المطبخ التونسي ينفرد بقائمة طويلة من الأطباق، تفوق أي بلد آخر. ولفهم سرّ هذا التنوع لا بد من التفاتة سريعة إلى تاريخ المنطقة.
لن يكون هناك أفضل من مدينة حلق الوادي الساحلية (La Goulette) وشارع فرانكلين روزفلت لنبدأ جولتنا..
إلى جانب جودة المذاق، هناك كلمة هي الأفضل لوصف الأطباق التي تقدم في حلق الوادي، الكلمة هي “التنوع”، المستمد من تاريخ المدينة الذي يعود إلى القرن الثالث الهجري، عندما أسس الأغالبة رباطا لحماية خليج تونس، ليسكنها بعدهم الإسبان، في القرن السادس عشر، الذين فقدوا سيطرتهم عليها لصالح العثمانيين. وفي القرن السابع عشر استقر فيها الأندلسيون المهاجرون الذين دعموا الأسطول التونسي ضد الإسبان. وفي القرن التاسع عشر جاءها الإيطاليون والمالطيون، واستقروا فيها بحثا عن فرص عمل، حتى باتت تُعرف بـ”صقلية الصغيرة”.
في عام 1996، أعاد فيلم “صيف حلق الوادي” للمخرج التونسي فريد بوغدير تسليط الأضواء مجددا على المدينة، تناول الفيلم التعايش بين المسلمين والمسيحيين واليهود، وأدت فيه الممثلة الإيطالية ابنة حلق الوادي كلوديا كاردينالي، دورا محوريا.
بتاريخ مثل هذا التاريخ، وتنوع مثل هذا التنوع، لا عجب أن يصبح تناول وجبة طعام في عشرات المطاعم المنتشرة على أرصفة “صقلية الصغيرة” تجربة ثقافية واجتماعية لا تنسى.
ولكن، لا تنسى أن تطلب طبق الهريسة وزيت الزيتون البكر الممتاز، فالتجربة لا تكتمل دونه. الهريسة على تقشف محتوياتها تشكل أفضل ترحيب يمكن أن يقدم لضيوف البلد، إلى جانب طبق السلطة المشوية، والسلطة الخضراء، والطاجين التونسي، والبريك، والشباط، والكفتاجي، وأمك حورية.. وبالتأكيد، خبز الطابونة والملاوي.
قبل أن تدفع الحساب وتغادر دلل نفسك بـ”صحفة” بسيسة وكأس شاي أخضر بالنعناع..
إنها سيمفونية طعام لا تجدها إلّا في تونس.
علي قاسم
كاتب سوري مقيم في تونس
الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب فقط، ولا تعكس آراء الموقع. الموقع غير مسؤول على المعلومات الواردة في هذا المقال.