مقالات

خطاب حالة الامة العراقية – محمد رضا عباس

لا يوجد مثل هذا في العراق , ولكن من الضروري التفكير به , لان في ظل النظم الديمقراطية يحق للمواطن التعرف على إنجازات حكومته الداخلية والخارجية . انه يريد معرفة علاقة بلاده مع دول الجوار وما بعدها , عن حال اقتصاده , حجم إيرادات الدولة ومصاريفها , كيف تصرف ومن المسؤول عن طرق صرفها , ويريد فهم العقبات التي تواجه بلده ومن المسؤول عنها وكيفية حلها . كل هذا يمكن إنجازه في وقفة ساعة من رئيس البلاد امام برلمان بلاده , كما هو موجود في الولايات المتحدة الامريكية .
في كل عام ما بين كانون الثاني وشباط يقف رئيس الولايات المتحدة الامريكية امام نواب الشعب الأمريكي , مجلس النواب والشيوخ من كلا الحزبين , و أعضاء المحكمة العليا , وقادة الجيش , يسرد إنجازاته خلال العام المنصرم ويضع الخطوط العامة للعام القادم . وعلى ضوء هذا الخطاب والذي يسمى ” خطاب حالة الامة” تخرج الالاف المقالات والتحليلات التي تؤيد وترفض بعض نقاط الخطاب . ولكن بالمجموع يصبح لدى المواطن الأمريكي كنز من المعلومات عن حالة بلاده , وعلى ضوء الخطاب يخطط مستقبله .
فعندما يصرح الرئيس بان بلاده في حاجة الى اختصاص ممرضات , فان المعاهد العلمية تستلم الرسالة بالتوسع في قبول اكبر عدد ممكن من الطلاب الراغبين بهذا الاختصاص , ويفتح المجال للطلاب باختيار مستقبل عمل لهم وعوائلهم . وعندما يعلن الرئيس , على سبيل المثال , انه قرر فرض 25 % على قيمة الحديد المستورد من أوروبا , فعلى معامل الحديد الامريكية اغتنام هذه الفرصة والتوسع بإنتاج الحديد وزيادة عمالهم , وهكذا. ان الخطاب السنوي للرئيس يعد خارطة طريق للمجتمع الأمريكي بكافة طبقاته.
اعتقد هذا ما يجب العمل به في العراق , حيث اصبح له برلمان منتخب يمثل المجتمع العراقي , وله رئيس وزراء منتخب من قبل البرلمان , وبالتالي من حق المجتمع العراقي معرفة مستقبله على لسان رئيس الحكومة . خطابات رئيس الوزراء وان كانت كثيرة , حسب عدد المناسبات , ولكنها غير جامعة , انها تتركز على موضوع واحد , افتتاح جسر , طريق عام , او مستشفى عام . العراقيون بدأوا يستنسخون كل ما هو موجود في أمريكا , فلماذا لم يستنسخ رئيس الوزراء التقليد الأمريكي , وهو خطاب حالة الامة كل عام ؟
لقد ذكرت ان العراقيون بدأوا يستنسخون كل شيء امريكي وانا غير مبالغ. بعد سنوات قليلة سوف لن تحتاج ربة البيت الى مطبخ , بعد انتشار المطاعم بكل اشكالها . وبعد سنوات سوف تلغى الملابس الشعبية ليحل محلها البنطلون , لو احصيت من يمشي في شارع مدينتك سوف لن تجد الا القليل من بقى يلبس ما يلبس والده . اما استخدم التكنلوجية الحديثة , فقد اصبح الشاب العراقي يعاني نفس معاناة زميله الأمريكي , وهو الانزواء عن المجتمع والانطواء على نفسه , وقلة التواصل وضعف الحديث . العولمة ماشية على قدما وساق , والعراق في وسطها .
ولكن تبني خطاب حالة الامة من قبل رئيس الوزراء العراقي , على الأقل , له منافع بدون اضرار . ان الخطاب سيكون موجه الى كل افراد الامة , وليس لمكون معين او لمناسبة معينة , وان الخطاب يعطي الفرصة لرئيس الوزراء التحدث مباشرة الى الامة , وان الخطاب يكون جامعا شاملا يتضمن مواضيع مثل الاقتصاد , الإنجازات , النظام السياسي , الامن الوطني , الاستعداد لمواجهة الأعداء , السياسة الخارجية , ما هي اولياته , والحاجة الى تشريع القوانين جديدة تهم البلاد.
العراقيون مغرمون بنظرية المؤامرة , وان خطاب رئيس الوزراء الى الامة قد يزيل بعض من شوائب الاعتقاد و خاصة هذه الأيام والتي كثرة الشائعات عن هجمات متوقعة من قبل الكيان الصهيوني و حرمان العراق من موارده النفطية التي تمر ببنوك الولايات المتحدة الامريكية .خطاب جامع شامل لرئيس الوزراء على الأقل يقلل من هذه المخاوف وربما يؤدي الى انعاش السوق العراقية ويعطي للمستثمر المحلي و الأجنبي سببا لدخول السوق العراقية .
والاهم من كل ذلك , فان الخطاب يعطي المجال للصحافة العراقية والعربية وربما حتى الأجنبية مناقشة محتوى الخطاب و تحدد مصادر القوة والضعف فيه . ان تجارب الأمم كشفت اكثر من مليون مرة ان سبب سقوط الديكتاتوريات في العالم هو اختصار آراء المجتمع بشخص القائد , على وزن ” عندما يقول الرئيس يقول العراق ” , ولكن في النهاية سقط الرئيس و تخلف الشعب , ومن القدم ظهر شعار يقول ” ما خاب من استشار”.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب فقط، ولا تعكس آراء الموقع. الموقع غير مسؤول على المعلومات الواردة في هذا المقال.

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
Oldest
Newest Most Voted
التقيمات المضمنة
عرض جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!