مقالات

المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي يقدم تشخيصا سلبيا

معاينة سلبية لأحوال الشباب المغاربة تضمنها آخر تقرير لهذا المجلس. إذا كان شبابنا فاعلا في المستجدات الراهنة، فلا يزال يعاني في صمت ولم يمتلك بعد رؤية واضحة للأهداف المراد تحقيقها. هذا ما أكده المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي ضمن تقرير نشره للتو.
في هذا التقرير ، شدد المجلس المذكور على أن الشباب المغربي، على عكس نسبتهم االديموغرافية المهمة في الهرم السكاني ” التي تعطي البلاد فرصة فريدة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية “، يعانون من العراقيل على مستويات مختلفة. تماشيا مع هذا الطرح، اعترف المجلس الذي يترأسه حاليا أحمد رضى الشامي بأن الوصول إلى العمل اللائق والتعليم الجيد والرعاية الصحية لا يزال يشكل تحديا للكثير من شباب بلادنا.
لا يشغل الشباب حيزا ذا بال في المجال السوسيو – اقتصادي ضمن الواقع الملموس. تعد آفاقهم ” للتأثير على اتجاه السياسات العامة ” من قبيل الوهم؛ الشيء الذي ” يمنعهم من أن يصبحوا قوة دافعة رئيسية لتنمية البلاد “.
-هدر مدرسي وإحباط
شدد المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي على أن جزءًا كبيرًا من الشباب يعانون من الهشاشة. هؤلاء يصنفهم التقرير إلى فئات كما يلي: شباب مقضيون، لا ديدي لا حب الملوك، أولئك الذين يواجهون صعوبات، أولائك الذين كبحت لديهم الرغبة في تدارك ما فات، أولئك الذين لم يكن لهم الحق في طفولة مُرضية … كما تحدد أن هذه الفئة تمثل حوالي ثلث السكان المغاربة؛ علما أن أعمارهم تتراوح بين 15 و34 سنة. ” ظلوا في غالبيتهم على هامش النمو الاقتصادي للبلاد طيلة السنوات العشر الماضية، دون الاستفادة بشكل عادل من التقدم الاقتصادي الناجم عن دينامية النمو هاته “، يلاحظ المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي.
هكذا واعتبارا للولوج إلى الخدمات العامة الأساسية، يقف المجلس على الهدر والضياع المدرسيين، ولكن أيضًا على التفاوت بين العروض العامة والخاصة. كما يضيف، في هذا الجانب التربوي، مشكلة توجيه الشباب نحو الدراسات غير المنتجة بالنسبة لمستقبلهم والتي لا تزال تشكل عقبات أمام الحق في التعليم للجميع وفي كل أرجاء التراب الوطني. النتيجة: خريجون عاطلون يعانون من “الإحباط”.
في مجال الخدمات الصحية، جاء تشخيص المجلس سلبياً كذلك. ويشير إلى أنه “بالإضافة إلى التفاوت في الولوج إلى العلاجات الأساسية والعلاجات الصحية ذات الجودة، لا تزال هناك عدة انشغالات أساسية”. ومن بين هذه الانشغالات، ركز التقرير على آفات الإدمان على المخ*د*رات والتدخين والا*نت*حا*ر، إلخ.. أما في ما يخص الصحة العقلية، فقد “ظلت مشكلة حقيقية في (قطاع) الصحة العمومية “.
– سياسة وطنية “عقيمة”
هذه اللوحة السوداء مردها إلى ” غياب مقاربة شمولية ومندمجة ” عمر طويلا. يشير التقرير إلى سياسة وطنية عقيمة تظهر أهدافها صعبة، إن لم نقل صعبة المنال. “شعور عارم بعدم الثقة من جانب الأشخاص المعنيين”، يتعزز بهذا الوضع ليأخذ شكلا و ” يزداد، مع تأثيرات سلبية وغير محسوبة بشكل كاف على التماسك الاجتماعي”.
وفقا لاقتران النتيجة بالسبب، لا يشارك الشبان المغاربة عمليا، حسب رأي المجلس، في الحياة المدنية، ويكرسون معظم وقتهم للأنشطة الشخصية أو الجماعية. وهو ما يترجم بدون أدنى شك أزمة ثقة ، كما يحذر المجلس، مؤكدا على شبه غياب للشباب عن الأشكال التقليدية للمشاركة السياسية، إذ لا تتعدى مشاركتهم نسبة 1 ٪ من حيث الانتماء إلى حزب أو نقابة.
بالنسبة إلى المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، تُعرِّض جميع العوامل الآن الشباب المغاربة ” إلى بؤر الجنوح، الج#ريم*ة، والتطرف، بالإضافة إلى رغبتهم المتنامية في تجريب حظهم في البحث عن فرص جديدة في الخارج “. حالات غضب يتم التعبير عنها، من بين أمور أخرى، من خلال مشاركة الشباب في الاحتجاجات الاجتماعية، مقتنعين ” بعدم قدرة النموذج التنموي القائم على تلبية احتياجاتهم وطموحاتهم “.
إن الاستثمار في الشباب أضحى اليوم تحدٍيا يتعين رفعه على نحو مستعجل. لذا، يلحال المجلس على سن سياسات عامة لفائدة الشباب، مؤكدا على ضرورة جعل هذه الفئة محورًا رئيسيًا ومشتركا ضمن “الديناميات الحالية للتغيير وأداة فعالة في عملية خلق الثروة”.
– مبادرة جديدة في ثلاث محاور
يجب أن يتواجد الشباب في الحياة العامة وفي المؤسسات. من هنا يعتقد المجلس أن الوقت قد حان لإطلاق مبادرة جديدة مندمجة. يقترح فيها على سبيل الأولوية ” استعادة ثقة الشباب المغربي ” مؤكداً على ” تعزيز الرابطة الاجتماعية الضرورية، في مجتمع يتوفر من الآن على أغلبية حضرية ومستنيرة “. في هذا السياق، يذكر المجلس بأن الشباب المغاربة اليوم يمثلون جيلًا جديدًا. ” فهم مهتمون جدا بالقيم الكونية، بالحرية، يطمحون إلى المزيد من العدالة والحقوق بأوسع ما للكلمة من معنى”، كما جاء في التقرير. هناك تغييرات ساهمت فيها التكنولوجيات الجديدة للإعلام والاتصال بقسط وافر. هذا التغيير الجذري الذي مس طلبات الشباب، يجب أن يتوافق مع تغيير عميق في العروض. يعتقد محررو التقرير أن الشباب بحاجة إلى ” عروض موثوق بها “.
ثلاثة محاور: مشاركة فعلية للشباب في صنع القرار، إنصاف وتكافؤ فرص وحكامة منسجمة ومندمجة على المستوى الوطني والجهوي. هذه هي توجيهات الدليل الذي اقترحه المجلس لتحقيق الهدف العام المتمثل في ” تأمين تنمية مندمجة للشباب “. لتحقيق ذلك، يجب تنفيذ الإجراءات والتدابير ” بطريقة تفاعلية “. يرى واضعو التقرير أن نجاح هذا التمشي يعتمد على ” انخراط الجميع، في إطار ميثاق ثقة جديد لصالح تحرير وتوجيه طاقة الشباب”.
يعتمد المجلس على ” دفعة جديدة للعمل السياسي نحو عالم الشباب ” حيث يكون برنامج العمل محددا بطريقة منسقة. إلى المحاور الثلاثة، تنضاف ثلاث وسائل، أولها عمليات التكامل بين القطاعات. ترتكز هذه الأخيرة على أخذ قضايا الشباب بعين الاعتبار أثناء وضع وتنفيذ وتقييم السياسات والإجراءات المتعلقة بجملة أمور منها التعليم، التشغيل أو الصحة.
االوسيلة الثانية تتمحور حول إجراءات محددة لصالح الشباب. وينبغي تصميم هذه الإجراءات لتشجيع المشاركة، على وجه الخصوص، في المجتمع المدني والأنشطة التطوعية والإبداع. أما الوسيلة الثالثة فهي ” نموذج الحكامة ” الذي ينبغي أن تحتل فيه أنشطة الشباب الصدارة.
عديدة هي القطاعات الحكومية التي ينتابها القلق حيال واقع الشباب المغربي. يحدد المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي منها تسعة قطاعات يمثل الشباب بالنسبة لها موضوعًا مستعرضًا مندمجا. بعد ذلك، يدعوها المجلس إلى العمل على “التقاء الإجراءات التي تنفذها السياسة الوطنية للشباب بأبعاد استراتيجية صادرة عن وزارات وصية أخرى، منها وزارتا الشغل والصحة”. هكذا، يمكن وضع إطار موجه ” لتحديد مبادئ توجيهية واضحة، وصياغة رؤية لفائدة جميع الشباب، وتعبئة وتنسيق العمل المشترك بين الوزارات في هذا الاتجاه “.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب فقط، ولا تعكس آراء الموقع. الموقع غير مسؤول على المعلومات الواردة في هذا المقال.

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
التقيمات المضمنة
عرض جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!