الحوار الهاديء

فشل بعض الاحزاب والمهتمين بالنشاط القومي ونظرية الاسقاط النفسي والاجتماعي

الكاتب: الدكتور عبدالله مرقس رابي
فشل بعض الاحزاب والمهتمين بالنشاط القومي
ونظرية الاسقاط النفسي والاجتماعي
د . عبدالله مرقس رابي
باحث أكاديمي   
                 في البدء ، أود القول أنني سوف لم أذكر أسم لناشط سياسي أو قومي أو حزب سياسي في سياق تحليلي للموضوع ،وأنما أترك لهم التحسس الذاتي بعد قراءة المقالة ومدى مطابقة نتائجها بأدائهم السياسي والقومي .وذلك أنطلاقا من طريقة لمعالجة المشكلات الاجتماعية يستخدمها الباحثون الاجتماعيون. ففي الثمانينات من القرن الماضي كنت أعمل خبيرا أجتماعيا أضافة الى عملي التدريسي في أحد المراكز الاجتماعية ،فمن جملة المشكلات المطروحة هي  الوالدين مع الابناء، فكانوا في مقابلاتهم للباحثين الاجتماعيين أنهم يلومون الاخرين ، مثل الجيران وأصدقاء السوء وأحيانا المدرسة في وقوع تلك المشكلات مع أبنائهم ،ولكن يتبين من تحليل الحالات بأنهم الاساس أي الوالدين في وقوعها. فمن الصعوبة مواجهتهم وقول الحقيقة مباشرة ،فلجأت لجنة الخبراء الى جمع أعداد من هؤلاء وعرض أمامهم أفلام تعرض وتشخص حالتهم ،أو نجمعهم ونلقي المحاضرات التوجيهية عن نفس المشكلات ، وهنا ساتبع نفس الطريقة ولم أذكر أحد أو أية جماعة ،وأنما كل من يقرأ سيراجع ذاته ويفكر بالموضوع.
 بين فترة وأخرى تظهر على مواقع شعبنا  الصحفية الالكترونية أو في مواقع اخرى مقالات أو في ثنايا بعض المقالات المكتوبة من قبل بعض الكتاب ، تعبر في محتواها عن عوامل فشل بعض الاحزاب السياسية من أبناء شعبنا أو الناشطين في تحقيق طموحاتهم واهدافهم ، فمثلا بعض الاحزاب لم تحقق اهدافها منذ تأسيسها في الحصول على المقاعد البرلمانية في العراق سواء في بغداد أو في اقليم كوردستان بالدرجة الاساس ، وعدم تمكن النشطاء كسب الراي العام لابناء شعبنا ،أو عدم تمكنها  من تمثيل أدوار اللعبة السياسية مع الاحزاب الكبيرة في العراق ،أو بعبارة أخرى فشلها في تحقيق وجودها على الساحة السياسية في العراق.
 ولعدم تحقيق هذه الاهداف يحاول الكتاب  أو التنظيمات نفسها بطرح مبررات تؤكد فيها على أن العوامل الخارجية هي المسؤولة عن أخفاقها وفشلها متناسية ومتغاضية عن ذكر الاسباب الحقيقية المتمثلة بالعوامل  الداخلية الذاتية .وتلوم البيئة السياسية المحيطة، بما فيها الاحزاب والمؤسسات الاخرى من شعبنا الكلداني والسرياني والاشوري، أو الى بعض الاشخاص القياديين، أو المؤسسة الدينية ، أو قد ينسبون أخفاقاتهم الى أشخاص ساهموا في رسم الخارطة السياسية الحديثة بعد سقوط نظام البعث،أو أن بعض المؤسسات أو الاحزاب تحاول سحب البساط من تحت أقدام أحزابهم .أية تنظيمات يتحدثون عنها هؤلاء الناشطين من الكتاب ؟ تلك التي لم نلمس وجودها ولو بابسط مظاهره مع شعبنا المنكوب المُهجر!!!! وأي بساط ؟ هل هو بساط سندباد السحري الاسطوري الذي ينقل بهم من قرية الى اخرى في نشاطاتهم؟ !!!
 ولاجل  أن يدرك الجميع ماهو السبب لهذه التحليلات والكتابات التي يقدمونها والتي نسميها تحليلات ذو البعد الواحد، ساحاول أن ابين بطريقة علمية لتحليل هذه المواقف والادعاءات معتمدا على أحدى نظريات علم النفس الاجتماعي التي أسسها ” سيجموند فرويد ” وهي مدرسة التحليل النفسي مستفيدا من أسسها في تطبيقها على المهتمين بالنشاط القومي باعتبارهم مجموعة بشرية لها اهداف وطموحات تبتغي تحقيقها .
   لكي يسعى الفرد تحقيق أهدافه  في الحياة ،أو تسعى الجماعة لتحقيق أهدافها، لابد ان تجتمع عوامل ذاتية وموضوعية ،أي عوامل داخلية وخارجية . وقد تصل تلك العوامل الى اكثر من مئة عامل، ويتوهم الذي يعتقد بأن الظاهرة الاجتماعية يكفي ان يكون عاملا واحدا مسؤولا في التاثير عليها ، وفي هذه المقالة لن أتطرق عن العوامل الداخلية المسؤولة حيث ستدخل في سياق التكرار . وأصبحت معروفة لدى النشطاءالمعنيين والمهتمين بالشان السياسي . بل ساركز الاجابة على السؤال الاتي : لماذا يحاول هؤلاء توجيه اللوم الى الاخرين في اخفاقهم وفشلهم لتحقيق اهدافهم ؟سأتناول التحليل  معتمدا على قانون علمي توصلت اليه مدرسة التحليل النفسي وأتخذه الباحثون الاجتماعيون طريقة للتحليل الاجتماعي للجماعات والافراد .
الاحباط
      ماهو الاحباط ؟
                    يكون لدى الفرد أو المجموعة البشرية مثل الجماعة السياسية أو الدينية أو الاسرية أو الرياضية … الخ دافع أو مجموعة من الدوافع تسعى الى تحقيقها وأشباعها بألحاح، مما تزداد الرغبة في الطموح ،سواء كانت هذه الدوافع فطرية أو مكتسبة ، الفطرية مثل حب الزعامة والقيادة ، تحقيق الشهرة ، كسب الاموال ،والمكتسبة تلك التي يتلقاها في الاسرة مثل تنشئة الابناء على حب الزعامة نفسها أو تطعيم شخصية الفرد بالمفاهيم العشائرية التقليدية مثلا ، أو التقليد لما يجري من النشاطات في البيئة السياسية.وقد تكون هذه الدوافع شعورية أو لا شعورية .
لكي يحقق الفرد أو الجماعة التوازن النفسي  أو الاستقرار النفسي والاجتماعي للشعور بالارتياح يجب أن يلبي الدافع ألذي يعبر عنه بالهدف في السياسية أو محاولة أشباعه .وعندما لا يتمكن أشباعه مباشرة فينتج عنه أحباطا نفسيا على مستوى الفرد ،أو أحباطا اجتماعيا على مستوى الجماعة .
فالاحباط حالة نفسية ،واذا شمل مجموعة من الافراد يسعون تحقيق هدف مشترك يتحول الى حالة أجتماعية ،تكون للجماعة دوافع وطموحات يصعب عليها أشباعها فتتحول حالتها من الارتياح والشعور بالانشراح والسرور الى حالة الشعور بالضيق والاستياء والتذمر ،فتحاول الجماعة البحث عن مخرج من هذه الحالة أو على الاقل التخفيف من تأثيراتها ،وهنا تنطبق الحالة على النشطاء القوميين الذين فشلوا في تحقيق دوافعهم ، مما فقدوا التوازن والاستقرار النفسي والاجتماعي .فلو كانت التنظيمات السياسية قد كسبت كرسي في البرلمان لعبرت بالانشراح والسرور مثلا ،ولكن لعدم التمكن من تحقيق ذلك بدات تشعر بالضيق والتذمر ، فهي بتصريحاتها وكتاباتها تبحث لمخرج عن الازمة والاحباط. وكيف يتحقق ذلك ؟
  عندما يفشل الفرد أو الجماعة مع مكنوناته أو مكنوناتها الداخلية النفسية والاجتماعية التي تحاول الحفاظ على الاستقرار والتوازن النفسي والاجتماعي .يلجأ حينئذ الجهاز النفسي ( لا أقصد هنا الجهاز التنفسي فهناك فرق بين الاثنين ،لكي لايتوهم بعض القراء الاعزاء )يلجأ هذا الجهاز الى ” حيل التوافق ” أي الدفاع عن النفس المضطربة وتسمى ايضا ” ميكانيزمات الدفاع ” لكي تخفف حالة التوتر والشد والاحباط ،ومن تلك الحيل أو الميكانزمات الدفاعية : الكبت ، الاسقاط ، الازاحة ، التسامي ، التبرير … الخ .
تتسم هذه القوى النفسية الدفاعية بالمرونة والخديعة والالتواء في التعامل الداخلي للجماعة لكي تُرضي الرغبات المتعارضة ، واذا لم تنجح في تحقيق ذلك لازاحة الاحباط ،تتحول الى ضغوط نفسية واجتماعية ذات طابع مثير ومؤثر على السلوك فتبدو الجماعة في حالة عدم الاتزان أمام ومع الاخرين ومن نتائجها فقدان السيطرة على الاعصاب والسلوك العام ،وهذا ما يحدث فعلا مع النشطاء القوميين  الفاشلين في تعاملهم مع الاخرين. ومن الميكانيزمات الدفاعية التي تستعين هذه الجماعة بها لا شعوريا  لفشلهم وأحباطهم وللتخلص من هذا الاحباط هي :

الاسقاط النفسي والاجتماعي

        يعتبر الاسقاط حيلة من حيل الانا الفردية أو الجماعية كما في الحزب السياسي ، فينسب الفرد أو الجماعة الى غيرها حيلا وأفكارا مستمدة من خبرتهم ، ترفض الجماعة الاعتراف بها لما تسببه من الفشل والالم لاستبعاد العناصر النفسية المؤلمة عن حيز الشعور ،فما يواجه الفرد او الجماعة هي الادراكات التي تأتيها من الداخل والخارج ،اي عوامل خارجية وداخلية هي المسؤولة عن البناء والتوافق لتحقق الاهداف .
يقول ” فرويد ” العوامل الخارجية تكون سهلة التشخيص ، اما الداخلية فلا ترحم ،فيهرب منها الفرد أو تهرب الجماعة منها وتسقطها دون شعور من أخفاقاتهم الداخلية غير المرغوب بها الى الخارج المحيط بهم ، فتشن الجماعة هجوما لا شعوريا لالصاق عيوبها ونقائصها ونقائضها على الاخرين ،فتنسب أسباب الفشل الى غيرها .وهذا ما يحدث فعلا عند المعنيين في دراستي هذه ،فهم دائما  ينسبون اسباب فشلهم في تحقيق أهدافهم البرلمانية مثلا وأثبات وجودهم على الساحة السياسية العراقية الى أشخاص آخرين أو مؤسسات اخرى ،فلا تخلو مقالة أو مناسبة الا وان جاء ذكر لاحزاب اخرى وأشخاص آخرين في الحديث ،فالعيوب التي يعانون منها داخليا يُلصقونها بهؤلاء .كأن يقولوا الحزب الفلاني لايعترف بنا كقومية ،أو البطريرك الفلاني لا يدعمنا ،أو الاحزاب الفلانية تهمشنا ، او المؤسسة الفلانية او الحزب الفلاني مستحوذ على أموال شعبنا، والعديد من أنواع اللوم والتنسيب وبل أحيانا تكون عند بعضهم مقترنة بعبارات مثل، ألاعداء والخونة ، الاقصائيون ، وما شابه من النعوت التي تعبر عن الغضب والانفعال لغرض التنفيس عن الضغوط النفسية  .
لو افترضنا بأن غيرهم من الاحزاب أو المؤسسات هي سببا في أخفاقهم ، لماذا لا يقوم هؤلاء بايجاد الحلول المناسبة لكي ينافسوا الاخرين الذين هم السبب في فشلهم ؟ لماذا لا يراجعون ذاتهم ؟ ويقومون بما هو معروف في التخطيط ،التقييم وثم التقويم لما هو خطأ في مماراستهم بدلا من لوم الاخرين،لماذا لا يحاولون أثبات وجودهم في الساحة السياسية بتشخيص الخلل في أدائهم ؟،كثيرا مايبررون أن الانتخابات في العراق غير نزيهة . نعم أنا شخصيا اعترف بها ،ولكن تشمل الجميع في عدم نزاهتها ،ولماذا لا يجيدون الفن السياسي بما فيه التحالفات والخدع والطرق السياسية التي من الممكن في مثل هذه الظروف غير النزيهة لكي يحققوا أهدافهم مثلما تعمل  الاحزاب الاخرى من وسائل وأمكانات لتحقيق الاهداف ؟ لماذا  لاينافسون الاخرين بوسائل تلائم الظروف السياسية في العراق ؟ فاذن يفتقدون مواهب المهارة وبناء العلاقات وتكييف الوضع والممارسات ،بينما يمتلكها غيرهم .والاخرين الذين حققوا أهدافهم ، لايعني أنهم أحزاب مثالية ،فالكل لهم مشاكلهم الداخلية وأنشقاقاتهم ،ولكن بالرغم من ذلك يجيدون اللعبة السياسية ويعملون في الساحة السياسية.
 يبرر النشطاء القوميين الفاشلين فشلهم في النقص المالي ،بينما الاحزاب الاخرى لها من المال ليساعدها في تحقيق أهدافها . طيب ولماذا لها المال ولم يكن عندهم المال ؟ مما يدل هناك خلل في الادارة والطروحات وكسب المال وتوظيفه للعمل السياسي،ويقولون أن أبناء مكوننا القومي لا يمتلكون الوعي القومي ،نعم هو كذلك لو افترضنا ،ولكن لماذا غيرهم يمتلكون الوعي القومي ياترى ؟ لماذا لا يستفيدوا من تجربة الاحزاب الاخرى التي تعمل بجدارة في الساحة السياسية في كسب الجماهير وتوعيتهم ؟ مما يدل وجود خلل في فن كسب الرأي العام لقضيتهم . ومن حجج الفاشلين أن الاحزاب الكبيرة في العراق تدعم وتسند الاحزاب الاخرى.ولماذا لا يتمكنوا هم من تحقيق المناورة السياسية لكسب دعم الاحزاب الكبيرة لهم ؟أذ أن الظروف والمستجدات والمتغيرات هكذا سياسة تتطلب.
كل هذه الممارسات أدلة دامغة على أن مسالة وضع اللوم على الاخرين من قبل النشطاء القوميين والاحزاب الفاشلة، هي أسقاط نفسي أجتماعي لكي يبعدون الاسباب الذاتية المؤدية الى الفشل .فعليه لكي يحققوا أهدافهم أن يراجعوا ذواتهم ويدرسوا معوقاتهم ،ويشخصوا الداء ويقيموا أدائهم وثم يقوموا أدوارهم. وينزلوا الى الساحة والى العمل الميداني ويخططوا لكسب المال وكسب الرأي العام وبناء العلاقة بين الاحزاب الاخرى سواء مع أحزاب شعبنا  أو الاحزاب الكبرى في العراق، وبعدها سيرون كيف أن للعوامل الخارجية لا تتمكن من تقييد نشاطها .  ..

مقالات ذات صلة

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
التقيمات المضمنة
عرض جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!