مقالات سياسية

الفساد المؤسسي في نظام ولاية الفقيه: ظاهرة “عائلية”؟!

للمرة الثانية خلال خمسة عشر شهراً، تحول رجل الدين كاظم صديقي، رئيس “مقر الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر” وإمام جمعة طهران المعين من قبل خامنئي، إلى محور قضية فساد رئيسية في نظام ولاية الفقيه الفاسد. وقد أعلنت السلطة القضائية للملالي عن اعتقال ابنه وكنته بتهمة عامة تتعلق بـ “مخالفات وتجاوزات متنوعة”.

ورغم أنه لم يتضح بعد بالتحديد ما هي التهم الموجهة إليهما قضائياً، وتضاربت الأنباء حول اعتقال كلا الابنين أو ابن واحد لكاظم صديقي، إلا أن فتح ملف لأفراد عائلة رجل الدين صديقي، قد وضعه مرة أخرى – وبشكل صحيح – في صميم قضية فساد الشخصيات والمسؤولين الرئيسيين في نظام الملالي.

إن وضع رجل الدين كاظم صديقي تحت مجهر الاتهام بسبب فساد عائلته، لا ينبغي تصنيفه ضمن الأساليب المعتادة للأجهزة الأمنية لنظام ولاية الفقيه ضد المعارضين والمنتقدين، حيث تقوم هذه الأجهزة باستهداف أفراد عائلاتهم ومضايقتهم للضغط عليهم. فتوسيع نطاق التهم والعقوبات ليشمل أفراد العائلة، وخلق مفهوم “المسؤولية الجماعية العائلية”، هو أسلوب شائع في الأنظمة الاستبدادية أو الديكتاتورية لنشر الخوف أو الانتقام. والنظام الإيراني يستخدم هذا الأسلوب بكثرة، لدرجة أنه ينافس في مدى استخدامه الرقم القياسي العالمي الذي حققه النظام النازي الألماني.

لكن فساد مسؤولي النظام الفاسد الحاكم في إيران نادراً ما يكون ظاهرة فردية. فهم يستغلون مواقعهم لصالح أفراد عائلاتهم وأقاربهم أو جماعتهم ومحفلهم الخاص. هذه المجموعة الصغيرة التي تحتكر السلطة، تُشرك المقربين والأقارب بشكل واسع ومباشر في الامتيازات والمنافع الناجمة عن السلطة. وتعتبر ظاهرة “آقازاده” (أبناء المسؤولين) أحد مظاهر هذه العلاقات الفاسدة، ولكن تجلياتها يمكن رؤيتها على نطاق واسع في الأجهزة البيروقراطية والعسكرية والاقتصادية (خاصة في الشركات الكبرى التابعة للحرس الثوري).

أشهر حالات استغلال السلطة لصالح العائلة، هي خطة علي خامنئي لتعيين “آقازاده” ابنه مجتبى، على عرش خلافته. وأحدثها ما كشفه عبد الناصر همتي، وزير الاقتصاد المُقال، بشأن ابتزاز أعضاء البرلمان له لتعيين أقاربهم وأصدقائهم في مناصب مختلفة. فالصلة العائلية أو الانتماء الفئوي يعتبران سلم الترقي الرئيسي للمناصب الهامة أو الوصول المباشر إلى مصادر الثروة، التي يتحول فيها المستفيدون أحياناً إلى عناوين رئيسية في وسائل الإعلام بسبب نزاعات أو منافسات فئوية، أو عدم دفع حصص الشركاء، أو ما يسمى بـ “مصلحة النظام” في استعراض مكافحة الفساد، ثم يُنسون بعد ذلك.

وفي مجال استخدام النفوذ العائلي، يمكن الإشارة إلى مير حسين ومحمد صادق، ابني محمد مصدق، النائب الأول المستقيل لرئيس السلطة القضائية، بتهمة تلقي رشاوى ضخمة. وحسين فريدون، شقيق رجل الدين حسن روحاني (الرئيس السابق للنظام)، بتهمة تلقي رشاوى. وأحمد هاشمي شاهرودي، ابن شقيق رجل الدين هاشمي شاهرودي، الرئيس الأسبق والمتوفى للسلطة القضائية، بتهمة الاستيلاء على أصول بنك سرمايه. وناصر واعظ طبسي، نجل رجل الدين عباس واعظ طبسي، المتولي السابق لآستان قدس رضوي (محافظة خراسان رضوي)، بتهمة مماثلة ولكن هذه المرة من البنك الوطني، والعديد من المسؤولين والجهات والمؤسسات الأخرى.

وفي نطاق وصول الأقارب إلى مصادر الثروة والمناصب، يمكن الإشارة إلى قائمة طويلة تشمل إخوة علي خامنئي وأبناء رفسنجاني وحتى المديرين الأقل رتبة. ومن أشهر الحالات الحالية، حسين شمخاني، نجل القيادي السابق في الحرس الثوري علي شمخاني، الأمين السابق للمجلس الأعلى للأمن القومي وأحد المستشارين الحاليين لبيت خامنئي، المتورط في نهب النفط على نطاق واسع. وفي نفس الفئة، سعيد صادقي، نجل القيادي في الحرس الثوري حسين رضا صادقي، النائب السابق للمنسق في حماية معلومات الحرس الثوري والمستشار الحالي لقائد هذه القوة، والذي يعمل في مجال النهب بصفته المدير التنفيذي لشركة نيكو، الوكيل الرسمي لبيع النفط في البلاد.

لم يتمكن ابن كاظم صديقي وكنته من ارتكاب “المخالفات والتجاوزات” بشكل عشوائي أو بفضل مكانتهم الشخصية؛ بل هما نتاج دوران الثروة والسلطة داخل دائرة العائلة والأقارب، والمحافل والجماعات. فبدون مقعد رجل الدين صديقي في جهاز الحكم، لما كان أبناؤه “آقازادة” ولما حازوا على نصيب من ذلك. وفيما يتعلق بفساد عائلة رجل الدين صديقي، فإن ما يميزه بشكل خاص هو التحايل واستغلال الدين، الذي هو متجر النظام الحاكم، وواجهة الدجل الديني، واستغلال الدين تحت شعار: “مقر الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر”!

*كاتب حقوقي وخبير في الشأن الإيراني

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
Oldest
Newest Most Voted
التقيمات المضمنة
عرض جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!