مقالات

العراق وشعبه في اليوم العالمي لحقوق الإنسان: احتفالية ماسية بطعم المرارة في ذكرى صدور الإعلان!

لا تكفي إحاطة حقوقية لا موجزة ولا مفصلة أن تقدم الصورة الواقعية الوافية لأوضاع العراقيات والعراقيين بعد عشرين سنة عجافا مروا بها بدءا بالتغيير الراديكالي 2003 يوم ادعوا أن الديموقراطية قد جاءت مع الدبابة والبندقية، طبعا وليس انتهاءً بكل شكليات بنية دولة ومؤسسات حاولت وتحاول محاكاة مؤسسات الديموقراطية.. إلا أن أبرز مشاهد الواقع ومجرياته جاء ممثلا في مصادرة الحقوق بصورة فجة كلية وشاملة حيث تكمن الصورة الحقيقة في تفشي الفساد وسطوة طبقة كربتوقراط ترتدي جلباب القدسية الدينية بجانب حرسها الميليشياوي وتمثيليات تبادل الأدوار والمناصب واستبدالات الوجوه حتى حطت طائرة الوطن والناس على أرض باتت بورا يبابا… ولكننا نوجز كلمة احتفالية ستشير إلى بعض ما تعنيه قضية وجودية كقضية حقوق الإنسان أفرادا وشعوبا ونموذج العراق في يومنا.. واثقا شخصيا حيث لا تكفي الكلمة للتغطية الوافية بأن تداخلاتكن وتداخلاتكم ستكون منبعا غنيا فياضا بأمواه الخير الآتي واستعادة الحقوق بكلمات هي الفعل المؤثر لا الزيف المنافق فإلى ذلك أسترعي الانتباه
***

75 سنةً هو عمر صدور الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. ومع صدور عهود ومواثيق دولية تثبيتاً للائحة الحقوقية الأممية لم تستطع البشرية أن تفرض إرادة الحركة الحقوقية التي كثرما تعرضت لارتكاسات غير محسوبة!

وإذا كان الإعلان العالمي للحقوق قد صدر تمكيناً للوعي البشري وتنويرا بما له وما عليه.. وإذا كان ذاك الإعلان وما برز فيه من لوائح قد جاء لتثبيت تشريعات تمثل قوة إيجابية تنتصر للحقوق والحريات فإنّه في الوقت ذاته مازال ملايين البشر بعيدين عن معرفة يقينية بالإعلان ومفرداته وبما فيه من نصوص قانونية حقوقية المنحى؛ كما أن الأوضاع الإنسانية برمتها، تكتنفها اليوم خروقات وانتهاكات فظة بمختلف بلدان العالم المتقدم والنامي..

وها نحن نشهد تلك الانتهاكات ونرصد حال الإفلات من العقاب مع تشوهات وأضاليل باطلة تقرأ الأمور بصورة مقلوبة رأساً على عقب.. فمازال الانتهاك الذي يطال حق تقرير مصير الشعوب ماثلا للعيان بتبريرات بلا منتهى حيث يواصل الشعب الفلسطيني كفاحه من أجل حقه بتقرير مصيره وإقامة دولته الحرة المستقلة استجابة لتطلعات الشعب للانعتاق ولكنه مازال حتى يومنا من بين آخر الشعوب في الحصول على حريته وحقه.. وفي ظل الاحتلال ومصادرة الحق بدولة حرة تجري انتهاكات حقوقية وفظاعات ترقى لمستوى الجرائم الكبرى من جرائم عدوان وحرب وضد الإنسانية وحتى جرائم الإبادة الجماعية الجينوسايد!! وليس بعيدا بل في ذات الإقليم بمنطقة الشرق الأوسط مازال الكورد أمة مجزّأة مقسمة على أربع دول لا تكتفي بعدم النظر في حق تقرير المصير بل تواصل القوى المتحكمة بها ارتكاب أبشع الانتهاكات الحقوقية وارتكاب جرائم تقع تحت طائلة لوائح المحكمة الجنائية الدولية وصلاحياتها!

وفي ظل ظاهرة المعايير المزدوجة في السياسة الدولية وارتباك المواقف الفكرية الاستراتيجية تختلط الأوراق ويجري التعتيم على الحقائق لتُحجَب حقوق الناس وحرياتهم ويودع كثيرين في غياهب المعتقلات بلا محاكمة أو بلا إنصاف وقوانين تحترم إنسانية الإنسان..

وبمستوى حقوق الإنسان المعنية بحقوق الشعوب والمكونات الإثنية القومية والدينية المذهبية، نجد تضييقاً يحصل حد تكفير الآخر (المحكوم) ومقاضاته على اعتقاداته ورؤاه وقيمه ومن ثم استلابه حق الحياة وحق العيش بأمن وأمان ومصادرة أي شكل للاستقرار مع استمرار تهديده وابتزازه بما أفضى لتغييرات ديموغرافية وتهجير قسري نهَبَ من تلك المجموعات أرضها التي عاشت بها تاريخيا وانتزع أملاك الأفراد منهم عنوة بذريعة البيع وإن بثمن بخس وتحت ضغوطه!! ونذكّر هنا على سبيل المثال لا الحصر ما جرى في العراق بحق أتباع الديانات من إيزيدية ومندائية وبهائية وزرادشتية ومانوية ومن يهودية ومسيحية.. فشهدنا أسواق النخاسة في القرن الحادي والعشرين واستعباد البشر لمجرد الانتماء الديني دع عنكم أشكال الاغ*تصا*ب والاختطاف وجرائم الفرهود وغيرها حتى يكاد وطن التعايش يفرغ من أهله بخاصة من تلك المكونات الأصيلة بوجودها التاريخي فيه..

أما بشأن حقوق الأفراد والفئات الاجتماعية فإننا نشهد عالميا تضخم ظواهر اللجوء والهجرة ومعاناتهما وتحولات سوق العمل وبلدان الاستقبال إلى مناطق للحجر والعمل بنظام السخرة والابتزاز ما يدفع لنشوء معضلات من نمط جديد لهم.. فيما تستمر ظاهرة التمييز الجندري حداً باتت نساء دول متقدمة يقعن ضحايا الاستغلال المركب بسبب التمييز الجنسي.. وتتفاقم مشكلاتهن عندما نتجه إلى بلدان الجنوب النامية حيث حجم أسباب انتهاك الحقوق يجد سطوة بيئة التقاليد البالية ونظم العشائرية وانفلات الأوضاع بخاصة ببلدان تتحكم بها ميدانيا بلطجة الميليشيات والمافيات إذ يقعن هدفا للاتجار بالبشر هن وأطفالهن فضلا عن نسب البطالة من جهة ونسب التشغيل بلا أجر بخاصة في الأرياف والمناطق البدوية بجانب الأعمال المنزلية المرهقة فضلا عن العن*ف المنزلي الذي أحصى للعام المنصرم فقط ما يناهز الـ90ألف امرأة رحن ضحية الق*ت*ل العمد بكل وحشية..

ويتعرض الصحفيون لحملات شعواء تصل حد التصفيات الجسدية أو الاغتيال فيما المنع من العمل أو حجب المعلومات ظاهرة متفشية ممتدة؛ وعراقيا لا مجال لا لسلطة القانون ولا لإنفاذه عندما يصدر عن القضاء أمراً حدا جرى فيه تهريب رؤوس مافيوية بلا حسيب أو رقيب على الرغم من حجم الخسائر والضحايا واستلاب الحقوق مما أوقعوه وسط الضحايا وعلى الرغم من القرارات (الشكلية) بحقهم مما لا يُنفَّذ فعليا!!! وتستمر في بلاد التاريخ الحضاري العريق حال نهب الكنوز الآثارية والتراثية وحرق المكتبات وحظرها ومطاردة العلماء والأساتذة والتضييق على بعضهم الآخر فيما تعود من جديد عبثية إطلاق (فعاليات) تتستر على الحقائق بمسميات مهرجانات ثقافة لكن لا نرى منجزات الآداب والفنون إلا بحال من الحصار والاستلاب والمصادرة والتشويه وفرض قيم دخيلة على قيم ثقافة العراق القديم والمعاصر..

وفي ظل سطوة المال والسلاح بظروف تفشي الفساد ومنطقه المافيوي وعن*ف القوى الميليشياوية تُنتهك (الكرامة) وتغيب مبادئ المساواة، الحرية، العدل والسلام حتى بات العراقي يحيا بضغوط القلق، الخوف والهلع والفاقة.

فلقد نسي العراقي بعد عشرين سنة عجافا سوداء أن جميع الناس يولدون أحراراً، متساوين بالكرامة وبالحقوق والحريات. وأن لهم ما لكل إنسان في عالمنا من حقُ التمتُّع بجميع الحقوق والحرِّيات المذكورة في اللوائح الحقوقية المعمول بها عالميا، وبأنّ العراقي مثله مثل ما لأبناء شعوب المعمورة ينبغي ألا يقع تحت طائلة التمييز من أيِّ نوع، سواء بسبب العنصر، أو اللون، أو الجنس، أو اللغة، أو الدِّين، أو الرأي، أو الهوية القومية أو الاجتماعية، أو المستوى المادي بما يملك من ثروة، أو لأيِّ وضع أو سبب آخر.

إن استلاب حق الحياة للعراقي بذرائع وخلفيات الصراع منذ 2003 حتى يومنا يتعارض وما نص عليه الإعلان العالمي للحقوق من أنّ لكلِّ فرد الحقُّ في الحياة والحرِّية وفي الأمان على شخصه. وفي العيش حراً بمعنى ألا يقع تحت نير العبودية وأغلالها وأصفادها بخلاف المتفشي عراقيا من ظواهر استرقاق أو استعباد، ونحن نثير هذا هنا نظراً لما رصدته الحركة الحقوقية المحلية والأممية من ظواهر الرق والاتجار بالرقيق في العراق على مدى العشرين سنة المنصرمة..

ومع انتشار السجون السرية وعشرات آلاف المغيبين والمخفيين قسرا فإن السجون الأخرى ترتكب جرائم التعذيب وسوء المعاملة أو إيقاع العقوبات اللاإنسانية القاسية أو تلك التي تحط بالكرامة.

ونذكر بأن كل من العراقية والعراقي عانى ويعاني من استلاب حقه بالاعتراف له بالشخصية القانونية. ومن هنا شهدنا انتهاكات بهذا الصعيد متنوعة مما جرى إحصاء كثير منه في بيانات الحركة الحقوقية ومنظماتها تلك التي أشارت للتمييز وسلب الحماية القانونية للمرء…

وضمنا وجدنا القضاء الذي يمثل جهة حماية وقد تم ابتزازه أو انتهاك استقلاليته وفرض رؤى سياسية بعينها لحرمان مواطنات ومواطنين من الحصول على إنصاف قضائي تجاه ما يطعنه وينتهكه وحقوقه..

ومازالت حتى يومنا لا الاعتقالات الكيفية ولا الحجز أو النفي [التهجير] القسري بل الإخفاء والتغييب القسري وعدم التمكن من الوصول إلى مواقع مسماة السجون السرية تلك الخاضعة لسلطات قوى خارج مؤسسات الدولة. ولطالما صار الحديث عن حق الدفاع عن النفس والمحاماة والإجراءات القانونية القضائية السليمة ترفا أمام مشاهد لا تتوافر فيها أدنى مستويات الحقوق المشار إليها في المواد 10-12 من الإعلان.

ولقد سمح ذلك بوضوح لعناصر الميليشيات الخاضعة لتسمية رسمية أو غير رسمية أن يتعرضوا بالتدخل التعسُّفي في حيوات المواطنات والمواطنين الخاصة وشؤون عوائلهم ومساكنهم واتصالاتهم، فضلا عن شنّ حملات تمسُّ السمعة والشرف من دون أية فرصة للرد المناسب..

وفي إطار آخر يجد العراقي نفسه بظل تراجع مكانة جواز سفره مقيدا في أسفاره ورحلاته أو تنقله خارجيا وهو غير متمكن من التنقلات الداخلية بأمن وأمان وسلامة. وتكتنف عودة كثير من الذين كانوا في المنافي والمهاجر تهديدات وجودية بالتصفية.

ولم يستطع عراقيون حاولوا الفرار من الاضطهاد واحتمالات التصفية الجسدية مواصلة دروب طلب اللجوء بل تمت إعادتهم كرها بخلاف رغباتهم ومصالحهم وفي حالات منها جرى التذرع بدواعٍ وأسباب تخالف نصوص اللائحة الأممية للحقوق..

ومازال الغجر وفئات اجتماعية جديدة بلا جنسية بجانب وقائع ضاغطة على من حاول تغيير جنسيته..

وفي جهة يُفترض أن تكون أفضل في خضوعها لمنطق قانوني موضوعي سليم نجد أن المواطنة والمواطن في العراق تعترضهما عقبات جمة في الزواج أو يجري إشاعة أنماط بينهم غير محمية لا قانونيا ولا اجتماعيا ما يوقع الإناث بمشكلات مضاعفة بالخصوص كما تبرز في هذه القضية حال (التمييز) على أساس الدين والمذهب والجنسية وغيرها من أشكال التمييز المحظورة والتبرير جاهز؛ دع عنكم التزويج بالإكراه أو تزويج الأطفال بسن جد مبكر وربما يؤذي طرفيه والعائلة نفسها غير محمية بمنطق ما يحكم الأوضاع العامة حاليا ..

ويمكننا بهذه المناسبة الأممية وما يخص الحركة الحقوقية التذكير على وفق مواد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان أن نشير أيضا، إلى جملة أمور أخرى تحدث كارثيا في العراق ولعل منها إيجازاً:

استلاب حقٌ العراقية والعراقي في حرِّية الفكر والوجدان والدِّين، بما في ذلك الحرية في الاعتقاد وتغييره أو إظهاره وإخفائه سواء بممارسة الطقوس أم التعليم؛ غير أننا أمام وقائع أخرى تنحاز بمقاصد سياسية ظلامية أو ار*ها*بية في تمرير بعض مما أشرنا إليه هنا.
أما حقُّ التمتُّع بحرِّية الرأي والتعبير، فكثرما شهدنا التضييق والمصادرة وحظر الوصول إلى المعلومة أو إتاحتها ولو للمتخصص!
وبات المجتمع المدني ومنظماته وجمعياته مما يخضع لقيود استثنائية ومصادرة حقوق وضمنا الاجتماعات والتظاهر والحقوق النظيرة هي من محظورات الوضع العام ومما يجري قمعه والبحث في أسباب الحظر حدا أودى بما يناهز الألف شهيد لتظاهرات الشعب 2019-2020 وما يقارب الثلاثين ألف مصاب والنهج المقيت ذاك ما زال قائما..
ولا يمتلك العراقي حقا متساويا في إدارة الشؤون العامة لبلده، سواء مباشرةً أم بوساطة ممثِّلين يختارهم بحرِّية كما لا يملك فرص انتخابية عادلة نزيهة أو متساوية بخلفية عدم توافر قوانين ضامنة أو وجودها بصورة مشوهة لا تكفل المساواة ولا العدالة فضلا عن تدخلات المال السياسي وعن*فه الميليشياوي واختزاله بأضاليل ادعاء القدسية الإلهية وفرض سطوتها على خيارات عامة الناس..
يختفي حقٌّ العراقي في الضمان الاجتماعي الفعلي، مثلما تختفي جميع الحقوقُ الاقتصاديةُ والاجتماعيةُ والثقافيةُ التي لا غنى عنها لكرامته ولتنامي شخصيته في حرِّية. ونحن في إطار المشهد الراهن نحصي أكثر من ثلثي الشعب بمنطقة الفقر وانعدام توافر تلك الحاجات بوصفها حقوقا ثابتة وأساس لكرامة العراقي..
كذلك لا يمتلك عراقيون بحجم ونسبة كبيرة مؤثرة ومهمة حقُّ العمل، ولا حرِّية اختيار عملهم، بشروط عمل عادلة مُرضية، ولا أثر لوجود حماية مستحقة للعراقية والعراقي من البطالة.؛ وإذا اشتغلا فكثرما يجابهان الإجحاف بالأجور وأي شكل للحماية الاجتماعية بخاصة مع انتفاء الحصول على التقاعد من دون شروط معقدة لا تخضع للقوانين والمنطق الحقوقي الدولي..
وبمثل تلكم الظروف تتراجع أدوار التنظيمات النقابية والجمعيات والروابط التي تتعرض جميعا للتعسف والحظر واستخدام قوانين قديمة وتفعيل تطبيقاتها الظالمة في التعامل مع الاتحادات والنقابات العمالية وغيرها..
وبميدان الصحة لا يمتلك العراقي مستوى عيش يستطيع بوساطته أن يجابه اضطراب الرعاية الصحية التي تقع بين انعدامها أو نقصها وتشوهات اشتغالها وهنا تتسع الأمور ليجد العراقي نفسه بمأزق عدم التمكن من توفير لا الرفاهية له ولأسرته، بل حتى مجابهة حال النقص أو الانعدام في توفير المأكل والملبس والمسكن والعناية الطبية والخدمات الاجتماعية الضرورية، ما أوقعه ويوقعه بمجابهة مع ظروف البطالة أو المرض أو العجز أو الترمُّل أو الشيخوخة أو غير ذلك من الظروف الخارجة عن إرادته الأمر الذي يُفقده أسباب عيشه الكريم.
وإذا كان لكلِّ شخص حقٌّ في التعليم الذي يجب أن يكون إلزاميا ومجَّانًا، على الأقل في مرحلتيه الابتدائية والأساس فإن العراقية والعراقي يعانيان من تسرب من الدراسة ومن عدم توافر التعليم بتلك المعايير المقبولة دوليا فضلا عن تشوهات العملية التعليمية بأكملها بكل ما يكتنفها من ثغرات نوعية خطيرة وبما يسلب البلاد وشعبها هذا الحق الجوهري النوعي.
وبإطار التعليم والثقافة وأنشطتهما يبتعد التعليمُ عن وظيفته في تمكين الإنسان من التنميةَ الكاملةَ لشخصيته ولتعزيز احترام حقوق الإنسان والحريات الأساس ونشر التفاهمَ والتسامحَ والصداقةَ بين جميع الأمم وبين مكونات الشعب وجميع الفئات القومية أو الدينية، وأن يؤيِّد التعليم وخطاب الثقافة الأنشطةَ التي تضطلع بها الأممُ المتحدةُ لحفظ السلام وهذا بات يعني إيقاع مخرجات التعليم في العراق بما يتعارض وسلامتها وأهدافها الإنسانية الموضوعية.. وبمثل تلك الحال يفتقد الأطفال للتعليم الصائب ولفرصه الكافية ما يبعدهم عن الرعاية والحماية الاجتماعية وتلبية حاجاتهم المستحقة..
إن من الحقوق التي وضعها الإعلان العالمي تلك المرتبطة بالأنشطة الروحية الثقافية من قبيل حقُّ كل امرئ في المشاركة الحرَّة بحياة المجتمع الثقافية، والاغتناء والاستمتاع بالآداب والفنون، والإسهام في التقدُّم العلمي وفيما ينجم عنها جميعا. مع توفير حقٌّ حماية المصالح المعنوية والمادية المترتِّبة على أيِّ إنتاج علمي أو أدبي أو فنِّي لمن أبدعه وأنتجه .

ومثل هذا العمق الروحي التنويري لا يتوافر للعراقي اليوم، بالمخالفة مع ما لكلِّ فرد من حقُّ التمتُّع بنظام اجتماعي يستطيع في ظلاله أن يلبي الحقوق والحريات المنصوص عليها في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وفي العهود والمواثيق الدولية ذات العلاقة.

والأعقد والكارثي في الوضع الحقوقي للعراقية والعراقي أنهما ينبغي ألا يخضعا، في ممارسة حقوقهما وحرِّياتهما، إلاَّ للقيود التي يقرِّرها القانونُ، حصرًا، مع ضمانَ الاعتراف الواجب بحقوق وحرِّيات الآخرين واحترامها، والوفاءَ بالعادل من مقتضيات الفضيلة والنظام العام ورفاه الجميع في مجتمع ديمقراطي. وهذا بمجمله مما لا يمكن أن نجده بمجتمع يحكمه نظام مافيوي ميليشياوي ينخره الفساد والتحكم باسم المقدس الإلهي بتوجيه الذهنية العامة ومصادرة حقوقها وحرياتها…

بلى، إن العراق يحتفل بالمناسبة الأممية ولكن احتفاله يظل بطعم المرارة، مرارة ما يعاني منه ويكابده في تفاصيل اليوم العادي من متاعب وأوصاب بل جرائم تُرتكب لتستلب مواطناته ومواطنيه مجمل الحقوق والحريات وما يتبدى ظاهرا ليس سوى ما يراد منه التعمية والطمطمة وإخفاء ما يمكن التستر عليه؛ إذ لم يبق للعراقي حتى أرض السواد والخصب والنماء باتت بورا يبابا وبات هواء تلك الأرض ملوثا مثلما تلوث ما تبقى من شحيح ما يجري في النهرين فهل بعد ذاك الخراب من أسباب هلاك الحقوق بل هلاك الوجود البشري واستلاب حق الحياة نفسه هل بعده من شيء يبقى لكم!؟

ألا فلنمضِ معا وسويا بطريق تنوير المواطن بثقافة حقوقية واضحة المعالم حتى ننتصر لتلبية تلك الحقوق ونعيد بدءا حق الحياة ونكفل حماية حق العيش الحر الكريم كما نصت عليه لوائح الحقوق والإعلان العالمي لحقوق الإنسان

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب فقط، ولا تعكس آراء الموقع. الموقع غير مسؤول على المعلومات الواردة في هذا المقال.

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
التقيمات المضمنة
عرض جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!