آراء متنوعة

الصراع الإيراني – الإ*سر*ائي*لي: الدور السعودي في احتواء

الصراع الإيراني – الإ*سر*ائي*لي: الدور السعودي في احتواء التصعيد

 

البحث عن صيغة تفاهم تعيد بناء الثقة
في ملعب الشرق الأوسط المشتعل، ثمة مباراة إستراتيجية بين اثنين من أعظم لاعبي الصراع، بنيامين نتنياهو وإبراهيم خامنئي. في البداية، يمكن تشبيه هذه المواجهة بكرة القدم، حيث يلعب نتنياهو كمهاجم يضغط بقوة ويحاول اختراق دفاعات الخصم بضربات حاسمة، بينما يتحرك خامنئي كقائد دفاعي وسط الميدان، يبني تحصينات ويشن هجمات مرتدة عبر خطط مباشرة، خاصة في ظل انشغال إيران الحالي بضرب تل أبيب عبر صواريخ ومواجهات مباشرة. لكن هذا التشبيه يظل مجرد إطار أولي لفهم تعقيد الصراع الحقيقي، الذي يغوص في أبعاد أعمق من مجرد تنافس ثنائي.

الصراع بين إس*رائي*ل وإيران يتداخل مع ملفات إقليمية أخرى حاسمة، الأزمة السورية التي شكلت ساحة خلفية لقوى متعددة، واليمن الذي بات بؤرة للصراعات بالوكالة، والبرنامج النووي الإيراني الذي يشكل نقطة خلاف مركزية تهدد الاستقرار في المنطقة والعالم. هذا المشهد لا يمكن فهمه بمعزل عن التدخلات الدولية، حيث تتشابك مصالح روسيا، الولايات المتحدة، والدول الأوروبية مع التحالفات الإقليمية والدولية.

نتنياهو يتبنى نهجا يعتمد على استنزاف إيران عسكريا وسياسيا عبر التحالف القوي مع الولايات المتحدة والدول المتحالفة معها، مستفيدا من تصاعد الضغط الدولي على إيران، خصوصا في ما يتعلق ببرنامجها النووي. أما خامنئي، فيسعى لاستثمار التوتر الراهن وتوجيه ضربات مباشرة لإس*رائي*ل عبر الصواريخ والمواجهات، مضيفا بعدا جديدا للصراع يتخطى الدعم التقليدي للميليشيات.

على الرغم من محاولات عديدة للحوار والتهدئة، شهدت السنوات الماضية فشل العديد من المبادرات، مثل اتفاقية فيينا النووية التي توقفت بسبب الانسحاب الأميركي، ووساطات خليجية وأوروبية حاولت التخفيف من التوتر دون نتائج حاسمة. هذا الفشل يعكس تعقيدات المصالح المتضاربة وصعوبة بناء الثقة بين الطرفين.

بصمت إستراتيجي، تمتلك الرياض ثلاث أدوات، قنوات خلفية تتحرك عبر مسقط وبكين، ضغطا اقتصاديا وسياسيا مستندا إلى نفوذها الخليجي والدولي، ومحورا إقليميا مرنا يضم قطر والإمارات ومصر يهدف إلى احتواء التصعيد لا حسمه

في خضم هذا الصراع، تصدر تصريحات متكررة من كلا الطرفين تعكس إستراتيجية كل منهما؛ ففي مقابلة حديثة، أكد مسؤول إيراني رفيع أن “إيران ستواصل ضرب تل أبيب وسترد بقوة على أي تهديد”، فيما رد مسؤول إس*رائي*لي بارز بأن “إس*رائي*ل لن تسمح لإيران بامتلاك السلاح النووي، وستستخدم كل الوسائل لوقف هذا التهديد.”

حاولت عدة وساطات دولية، كان من أبرزها الدور العُماني الذي سعى لتقريب وجهات النظر عبر قنوات دبلوماسية سرية، لكن غياب الثقة المتبادلة وتعقيد الملفات السياسية حالا دون تحقيق اختراق حقيقي. المفاوضات السرية التي جرت بين الأطراف المختلفة لم تصل إلى اتفاقات مستدامة بسبب تضارب المصالح الإقليمية وتباين الأولويات.

في هذا السياق، برزت الصين كفاعل جديد يتزايد نفوذه في المنطقة، ليس فقط عبر استثماراتها الاقتصادية الضخمة، بل أيضا كوسيط محتمل يسعى إلى تحقيق توازن في الصراع، مدفوعة برغبتها في استقرار طرق التجارة وحماية مصالحها الإستراتيجية.

لكن لا يمكن فهم سلوك نتنياهو وخامنئي من دون النظر إلى الأوضاع الداخلية لكل طرف. فداخل إس*رائي*ل، يعيش نتنياهو ضغطا داخليا متزايدا، مع تصاعد المظاهرات ضد سياساته القضائية، وتراجع الثقة الشعبية به في ظل اتهامات الفساد والانقسامات المجتمعية العميقة.

وفي إيران، يواجه خامنئي تحديات لا تقل خطورة، أبرزها الغضب الشعبي المتصاعد بسبب الأوضاع الاقتصادية الخانقة، وانعكاسات العقوبات الغربية، إلى جانب الاحتجاجات الشعبية التي هزت النظام في السنوات الأخيرة، مما يدفعه إلى البحث عن نصر خارجي يرمم الشرعية الداخلية.

إذا لم يتم تبني مسارات دبلوماسية متجددة وجادة، فإن المنطقة ستظل تعيش في دائرة من التوترات التي قد تنفجر في أي لحظة، مع عواقب كارثية تتجاوز حدود الشرق الأوسط. الحكمة في إدارة الصراع تقتضي الاعتراف بالحدود التي لا يجب تجاوزها، واحترام قواعد اللعب التي تمنع الانهيار الكامل.

لكن يبقى فاعل التوازن الحقيقي والأكثر قدرة على حسم الأزمة وإعادة الاستقرار للمنطقة هو المملكة العربية السعودية. دور الرياض يتجاوز كونه مجرد لاعب إقليمي إلى كونه محورا مركزيا يملك مقومات الضغط السياسي، الدبلوماسي، والاقتصادي التي يمكن من خلالها بناء جسور الحوار بين إيران وإس*رائي*ل، واحتواء النزاعات الإقليمية الممتدة. لعبت السعودية دورا حاسما عندما أرسلت وفدا إلى طهران للتحذير من مغبة التصعيد العسكري، محذرة إيران من أن الضربة العسكرية قد تؤدي إلى اشتعال شامل لا تحمد عقباه، داعية إلى تهدئة الأوضاع والعودة إلى طاولة الحوار.

السعودية، بفضل موقعها الجغرافي، نفوذها الديني والاقتصادي، وقدرتها على التأثير في التحالفات العربية والخليجية، تمثل الفرصة الأبرز لتفعيل مسارات تفاهم مستدامة تضع حدا للصراعات وتفتح الباب أمام أمن إقليمي حقيقي.

يجب توجيه الدعم نحو تقوية المجتمعات المدنية، حيث تشكل الضغوط الشعبية عاملا مؤثرا في دفع القادة إلى تبني سياسات أكثر اعتدالا. هذا يتطلب تعزيز برامج تنموية وإنسانية تخفف من أعباء الشعوب وتقلل من بيئة التطرف

لكن كيف ستُفعل السعودية وساطتها؟

بصمت إستراتيجي، تمتلك الرياض ثلاث أدوات، قنوات خلفية تتحرك عبر مسقط وبكين، ضغطا اقتصاديا وسياسيا مستندا إلى نفوذها الخليجي والدولي، ومحورا إقليميا مرنا يضم قطر والإمارات ومصر يهدف إلى احتواء التصعيد لا حسمه.

السعودية لا تطرح نفسها كوسيط محايد، بل كقوة هندسة توازن، قادرة على إعادة تركيب المشهد قبل أن ينفجر.

وفي خلفية المشهد، يبقى الأردن صوت العقل الحذر، لا يبالغ في الحضور، لكنه يدرك أن اشتعال الإقليم يعني اقتراب النيران من خاصرته. إلى جانبه، تتحرك تركيا ببراغماتية محسوبة، تُبقي خطوطها مفتوحة مع طهران وتل أبيب في آن، وتحاول أن توازن بين طموحاتها الإقليمية وحساباتها الاقتصادية والأمنية. كلا البلدين، وإن اختلفت أدواتهما، يراقبان الملعب دون أن يتورطا في اللعب الخشن، ويفهمان أن التصعيد الشامل لن يرحم أحدا.

من هنا، تبرز الحاجة إلى إعادة التفكير في أدوات السلام، والابتعاد عن الحصار والعقوبات الأحادية التي تزيد من عزلة إيران، وتحفز على تعزيز خطاب التصعيد. من الضروري دعم مبادرات وساطة متعددة الأطراف تشمل دولا خليجية مؤثرة، إضافة إلى القوى الأوروبية التي يمكن أن تلعب دورا بناءً في تخفيف الاحتقان.

ويبقى غائبا عن طاولة التحليل السياسي مصير الشعوب التي تعاني تبعات هذا الصراع المستمر. من الفلسطينيين الذين يعيشون تحت الحصار والاحتلال، إلى اللبنانيين واليمنيين والسوريين العالقين في حروب بالوكالة، إلى الإيرانيين الذين يرزحون تحت عقوبات قاسية تخنق حياتهم اليومية. هذا التوتر لا يُلقي بظلاله فقط على الدول، بل على الأفراد، وعلى النسيج الاجتماعي بأكمله، مما يستدعي توجها أكثر إنسانية يربط بين الأمن والاستقرار من جهة، والتنمية والعدالة من جهة أخرى.

كما يجب توجيه الدعم نحو تقوية المجتمعات المدنية، حيث تشكل الضغوط الشعبية عاملا مؤثرا في دفع القادة إلى تبني سياسات أكثر اعتدالا. هذا يتطلب تعزيز برامج تنموية وإنسانية تخفف من أعباء الشعوب وتقلل من بيئة التطرف.

تبقى المسؤولية الكبرى على عاتق القادة الإقليميين والدوليين، وعلى رأسهم السعودية، لإيجاد صيغة تفاهم تعيد بناء الثقة وتؤسس لأمن مستدام، قبل أن تتحول المباراة إلى ساحة خراب، لا يرفع فيها الكأس سوى الخراب ذاته.

عبدالكريم سليمان العرجان
كاتب أردني

 

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب فقط، ولا تعكس آراء الموقع. الموقع غير مسؤول على المعلومات الواردة في هذا المقال.

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
Oldest
Newest Most Voted
التقيمات المضمنة
عرض جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!