مقالات دينية

عجائب وأعمال القديس نرساي وختام حياته

عجائب وأعمال القديس نرساي وختام حياته

إعداد / وردا إسحاق قلّو

تناولنا سيرة هذا القديس في موضوعين عناوينها ( السيرة الطاهرة للقديس مار نرساي أسقف السن ) و ( إنتخاب مار نرساي لأسقفية ” السن ” ومواهبه )  وفي هذا الموضوع سنختم سيرته بعرض أعماله والعجائب التي اجترحها في حياته الزمنية .

أجرى مار نرساي أسقف السن عجائب وأعمال الشفاء الكثيرة في مدينة السن الواقعة شرق نهر دجلة عند مصب الزاب الصغير . حدثت على يده أمور سامية واستمر ذكر تلك الآيات لسنين طويلة . قصَ أوسطاثيس الطاهر هذه القصة ومفادها : كان لبعض المؤمنين في بغداد أبن وحيد بلغ من العمر عشرين سنة . وقد ألم به مرض الشلل منذ عامه الثالث وانتابه أمراض أخرى لمدة سبع سنوات حتى ملّه والداه وتمنيا له الموت لعدم الأستفادة من الأطباء ومن صلواتهم وحسناتهم التي وزعها أبواه على الفقراء لأجله .

في أحدى السنين رحل القديس إلى بغداد لمقابلة الجاثليق مار طيمثاوس ، فلما علم أولئك الناس بمجيئه ، وكانوا قد سمعوا من كثيرين عن موهبة الشفاء التي كان الطوباوي ينعم بها ، قصدوا السيد الجاثليق وطلبوا منه أن يكتب بشانهم إلى مار نرساي ليأمر بإحضار ذلك الصبي عنده لينال الشفاء ، فكتب له ( لأن قداستكم نالت موهبة من الروح القدس لصنع القوات ومنح مواهب الشفاء حسبما تهيأ لبرارتكم من فضائل الروح والجسد التي جمعتموها وخزنتموها ، فأودعكم الرب صنع العجائب أيضاً . أما نحن فقد وضعنا في الدرجة الثالثة للتعليم ، كما يقول مار بولس . وقد طلب إلي المؤمنون أن أكتب إلى قداستكم لكي تأمر فيدخلوا عندكم إبنهم العليل الذي هد المرض كيانه . أتضرع إليكم أن تفعلوا ذلك فيجلب الولد وتباركونه بيمينكم المقدسة . وكما شقي المسيح الرب أشخاصاً آخرين بيدكم ، يشفي هذا أيضاً من المرض الذي أزمن فيه ) ولما قرأ الطوباوي الرسالة ، امر أن يأتوه بالولد ، وكان أوسطاثيس يقسم إنهم أصعدوا الولد إلى علية الطوباوي ، وكان مطروحاً على ظهره وهو لا يبدي حراكاً . فأمرهم القديس قائلاً : ( أذهبوا إلى بيتكم وعودوا ظهراَ وخذوا ابنكم ) . ولما عادوا حسب أمره وأخبره أصحاب البيت بمجيئهم ، أمر الولد فنزل قفزاً على درج الرواق وقد تعافى وقويت رجلاهُ بقوة صلاة الطوباوي ، فتألب عنده الجميع وطفقوا يمجدون الله رب الكل الذي أفتقد جيلنا الشرير بهذا القديس ، وذاع الخبر في بغداد كلها .

الطوباوي يقيم ميتاً

   وفي مدينة السن ، كان لمؤمن شريف أبن وحيد لم يبلغ الثامنة من عمره حتى وافته المنية بتاثير الساحرات ، فلما سمع صوت الصلاة التي بها يشيعون الولد إلى المقبرة ، وطرق أذنيه عويل والديع ، فما وصلوا إلى باب الكنيسة حتى ظهر القديس على الباب ممسكناً بيده العصا التي يتوكأ عليها لشيخوخته وأمرهم قائلاً ( أدخلوا جميعاً والميّت معكم لكي نصلي عليه قليلاً في الكنيسة ) وكان ما أراد . فوضعوا النعش في موضع الصلاة ، وأمر أن يخر الكل سجوداً ، ثم أومأ إلى والديه أن يحلا الربط واللفائف التي كانت عليه ، وأمسك بيده وقال ( قم بقوة الله ) ، فنهض الصبي حياً ، فقال الطوباوي : ( إن موت ابنكم كان بتأثير السحر . ومن الآن لا تخافوا ، إذ أن يحدث له مثل هذا بعد ) . فعاد الناس إلى بيوتهم وهم يمجدون الله .

كان للطوباوي كاهن اسمه ( قفريانا ) وكان هذا يقص قائلاً : في أحدى الليالي بينما أنا نائماً في منزل الطوباوي الخارجي وهو في الداخل ، إذا به يخرج إليّ  بسرعة ويهمزني ويوقضني قائلاً لي ، وعلامات الأسى بادية على محياه ( قم يا أبني ، وخذ معك قليلاً من الخبز وجرة ماء وحبلاً وحماراً واذهب عاجلاً إلى قرية ( حميما ) الخربة وادخل البيت المنهدم الواقع في الموضع الفلاني ، وهناك بئر يابسة قد سقط فيها رجل منذ يومين ، وقد ألقاه فيها السراق ، فأسحبه وأصعده وأسعفه بالخبز والماء وضعه على الدابة وهلم به إلى ههنا ) فأجبت : ( إمهلني يا سيدي فأذهب فور أنبلاج الفجر ، لأني أخشى أن يلاقيني ضر في الطريق ليلاً ) . فأجابني ( أذهب عاجلاً يا أبني قبل أن يموت ذلك الغريب ، وأنا أضمن لك ألا يصيبك ضرر او سوء ) فقمت واثقاً بكلمته وعملت بما أمرني به ودخلت البيت المنهدم حسب العلاماتالتي أعطانيها . ووقفت فوق البئر وصحت ، فأجابني المنكود الحظ وهو يئن ، فسحبته وأصعدته وأتيت به المدينة عند القديس ، ومكث لديه إلى أن شفيَ من الشجات والشدخات التي كانت قد أصابته ، فمنحه الطوباوي عطية وزوده بالصلاة ثم اطلقه .

ودعاني الطوباوي مرة أخرى وقال لي ( إمض اليوم إلى شواطىء دجلة وأوصي الملاحين إلا يحل أحد منهم سفينته ويعبر إللا الجانب الآخر لئلا تنكسر سفنهم وتغرق ، فأن عاصفة هوجاء ستحدث نوءاً شديداً ) . وقد حدث كما قال . ومن لم يلق كلامي عنده أذناً صاغية فقد سفينته وحمولتها ، لأنه كان موسم الفيضان الكبير وكان دجلة والزاب الصغير طافحين .

وإذ أخذ وباء يفتك بمدينته ، طلب منه المؤمنين أن يقيموا طلبة ( باعوثا ) على هذه النية . فقال لهم : ( حبذا لو نعمل الباعوث ، بيد أن الموت المسلط عليكم لا ينقطع إلا وقد أخذ منكم نفوساً بقدر ما حدد الله تأديباً لكم ) وإطلعَ كاهنه على  العدد سراً ، ولما بلغ حده خمدت شوكة الموت .

وكان ثمة عربي شرير جداً يفوق شراسة وطلماً كل معاصريه وكل من أتى بعده ز وكان اسمه ( يعلي بن حمران ) من بني تيم الله في بلاد حدياب . وقد انغمس في الشر حتى انه كان يحسب ق*ت*ل الناس مثل ق*ت*ل الحيات والعقارب ، ولم يكن ضميره يبكته قط وحتى سفك دم القديسين الذي كان يسفكه بقساوة ، وفد خرب دير ربان أيوب لابراهام  المقدس سنة 800 م . ( ففترة القديس مار نرساي تعود إلى هذا التاريخ ) . وكذلك خرب دير نسطوريس الداسني . ودير مركانا الذي أسسس في فترة ( 714-728 ) الواقع على سفح جبل زيناي بالقرب من مخمور . كما جعل أماكن كثيرة قفراً وكان يمتطي صهوة فرس عارية ولم يكن لأحد الولاة أن يعترض سبيله . نزل هذا الشرير إلى دير الفديس الأنبا شمعون ، وصعد خفية إلى صومعة الربان شوحا لماران رئيس الدير وإغتاله . عرف الطوباوي مار نرساي ذلك برؤيا . ورى تلميذه الكاهن قفلايانا ما نصه ( في وقت الرقاد العميق ، دعاني وكان حزيناً يذرف الدموع وقال لي ” قم يا أبني هلم اتبعني إلى دير الأنبا شمعون ” فخرجنا من الكنيسة وبلغنا دجلة فرسم إشارة الصليب على الماء وأمسكني بيده وقال لي ” تعال معي لولا تخف ” فعبرنا ودخلنا الدير وأرسلني لأصيح وأقرع باب الجمعية . ولما خرج الأخوة وسرت بهم إليه ، قال لهم والدموع تسيل من مىقيه : يا تعسكم أيها الأخوة ، أن رئيسكم شوحالماران قد أختيل . فذهبنا جميعاً إلى صومعته ورأينا ذلك الشيخ المبارك مطعوناً بالسكاكين والسيوف ، فكانت ضجة على ذلك ، وإذا بالقاتل واقفاً على قمة الأكمة ينادي بنا قائلاً ” أنا يعلي بن حمران وأنا ق*ت*لت رئيس الدير ، وبعد زمان سآتي وأبيدكم عن بكرة أبيكم . فقال له القديس مار نرساي : ” إذا رجعت إلى هنا فأني أجفف دجلة ، فقد صدر عليك حكم العلي وسيق*ت*لك والي الحديثة في قرية اسطرنيا ” وهكذا فعل الرب بهذا القاتل , فإنه إذ أراد الرجوع إلى السن ق*ت*له حاكم الحديثة في أسطرنيا حسب قول القديس “.

قال التلميذ الكاهن في أحدى السنين ، حينما كنت لحاجة ما على شواطيء دجلة مع ملاحين صاعداً من البلدان السفلى ، صادفني رجل صياد أسماك فوق مدينة الحديثة اسمه هاشم وهم يلم شباكه ويتهيأ لإلقائها ، فرفعها بيده اليمنى وقال : ” بإسم الله الحي وبصلاة القديس نرساي “ فقلت له : ” كيف وأنت رجل مسلم تدعو القديس مار نرساي معلم المسيحيين إلى مساعدتك بصلاته ؟ “ فقال لي : ” أي مار نرساي تظن انني دعوت ؟ “ فقلت  ” أظن إنك دعوت مار نرساي الملفان الذي كان في النصيبين ” فقال لي : ” إني لم أرى ذاك ولم أسمع به ، بل إني أدعو مار نرساي ، الطوباوي الذي كان اسقفاً لمدينة السن ، فإني حيثما كنت صبياً أصطاد الأسماك مع والدي هناك ، كنا نراه دوماً يجتاز فوق المياه ليلاً من مدينته إلى دير ربان شمعون ويعود من الدير إلى المدينة . ولما أحس إننا رأيناه ، أرسل في الغد تلميذه عندنا ودعا أبي لديه وزوده ( بشيء ) وطلب منه ألا يكشف المر لأحد إلى وفاته ، ثم باركنا وقال لنا :( كلما تريدون الأصطياد وتذكرون اسم الله الحي وأسم حقارتي يكون صيدكم وافراً وشبكتكم مليئة . ومنذئذ كنا كلما نذكر أسم ذلك القديس نصطاد من دجلة صيداً وافراً ) .

كان في زمن مار نرساي رجل عربي لا يأخذ من أحد شيئاً ظلماً ولم يكن يضر أحداً . وعندما أحتاج خرج في أحدى الليالي للنهب والسرقة . وقد روى عن نفسه بعد موت الطوباوي وقال : ( إني خرجت للسرقة وقد أضطرني العوز إلى ذلك ، فعبرت الواب وتوجهت إلى ضواحي أقرونتا بصحبة رجلين من أقاربي وأخذنا من هناك غنماً كثيراً وأموالاً أخرى ، بعد أن أشبعنا الحراس ضرباً وتركناهم موثقين . وبينما كنا في السهل المقابل للسن ، إذا بالطوباوي يقبل إلينا ، وأدركنا فوق الدير المسمى بركامش ” يعين موقعه مباشرة بعد مخلك الزاب الصغير بدجلة من جهة الجنوب ” ولما رأته الفرس التي كنت ممتطياً صهوتها ، والليل مظلم بدون قمر ، أنتصبت أذناها ورفعت عنقها ، فعرفت إنها رأت شيئاً . فوعت سنان ارمح بين أذنيها وأطلقت لها العنان فجرت باستقامة نحو القديس المقبل إلينا بدون خوف ، ولما رأيته رفعت الرمح وهممت بطعنه ، فأجاب باللغة السريانية مبتسماً وقال لي ” يا من له الرمح والفرس لا تضربني “ فقلت له ” وانت من انت ؟ فقال لي ” أنا نرساي الأسقف “ فنزلت من الفرس وخررت على رجليه ، لأني كنت عالماً به وبقداسته السامية وقلت له أيضاً : ” كيف أتيت إلى هنا في هذا الوقت ومن عَبّرك النهر وما الذي دفعك إلى تجشم هذا العناء في مثل هذه الساعة ؟ “ فقال لي : ” إني أتيت لخلاصك والرب أرسلني لأنه لا يريد أن تتعاطى السرقة والظلم قدامه ، وهلم إلي غداً إلى الصومعة خفية ً وأنا اعطيك أكثر مما أخذته الآن ظلماً “ . فلما رأيت عظمة المجد الذي يتشح به الرجل الذي أطلعه الله على الشر الذي حدث على يدي ، وأن الله لم يتركني أتمرغ بالخطايا التي لم أقترفها في شبابي ، عاهدته بأنني سأعمل ذلك برضى ، وقد لبيت رغبته ، وفي الصباح ذهبت إليه تواً ، فأخرج خمسمائة درهم وأعطانيها قائلاً : ” اشتري لك زوجاً من الحمير وأبتع حنطة وأشتغل بالزراعة ، وستجمع غلة الواحد بمائة , وجمعت الأثمار الواحد بمائة وانقلب فقؤي غنى بفضل بركته ).

يقول كاتب سيرته ، ولئن حاولت أن أكتب أعماله كلها : المرضى الذين شفاهم والأرواح النجسة التي طردها من البشر ، والمصائب والأتعاب التي لقيها من أناس أشرار لئام رغم كل أفضاله ، فلن يكفيني زمان طويل لأفي بالغرض ، ولا ملفات كثيرة من الورق كافية أن تضم القوات الكثيرة والعجائب التي أجراها المسيح على يديه ، وكانت غايتي منذ بدء هذه الكتابة إلى الآن ألا أتكلم عن كل من الآباء القديسين إلا موجزاً . فقد قضى مار نرساي بقية أيامه واستراح بسلام مع كل الأبرار والصديقين ، ووضع جسده في الكنيسة المقدسة التي خدم فيها ملجأ المساعدات وينبوع الشفاء لكل المصابين بالأمراض والتجارب . بالأمراض الجسدية أم بهجمات الشياطين الماردة .

ليتحنن الرب علينا نحن أيضا بصلوات  هذا القديس لكي تنقضي بقية أيامنا حسب إرادته ، والمجد للآب والأبن والروح القدس ، الآن وفي كل أوان وإلى الأبد . آمين .

مقالات ذات صلة

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
التقيمات المضمنة
عرض جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!