اس*رائ*يل من الداخل ، مجموعة مؤلفين – مهند طلال الاخرس
اس*رائ*يل من الداخل مجموعة مؤلفين تحرير عماد جاد وتقديم حكيم الثورة جورج حبش، والكتاب يقع على متن 526 صفحة من القطع الكبير، وهو من اصدارات مركز دراسات الغد العربي بطبعته الاولى والثانية والثالثة [ 2002 و 2003 و 2009 ] ومن اصدارات دار البيرق العربي للنشر والتوزيع في رام الله/فلسطين بطبعة جديدة.
هذا الكتاب يبحث في واقع الكيان الصهيوني بنظامه السياسي والاقتصادي والعسكري، ويبحث ويبين تناقضاته الداخلية، ويبحث ايضا بمناهجه التعليمية والاقتصادية ويتابع قدراته العسكريه وتطورها، وجملة علاقاته وتحالفاته، ومستوى التطور الذي حققه في مجالات العلم والتكنولوجيا والصناعات وغيرها.
فهذا الكتاب يسعى الى تقديم دراسه تشريحية لاس*رائ*يل دولة ومؤسسات وللمجتمع ايضا، كما يركز على شبكة علاقاتها الخارجية في محاولة لتقديم دراسات علمية دون تهويل او تهوين، على النحو الذي يفيد القارئ والمتخصص وايضا صانع القرار، في الاحاطة بكافة الابعاد الخاصة بالمشروع الصهيوني الذي افرز اس*رائ*يل ككيان استيطاني احتلالي احلالي.
وتتبنى الدراسة نظرية الصراع الاجتماعي الممتد، التي تفيد بان هذه النوعية من الصراعات تتسم بسمات خاصة تجعلها تستعصي على التسوية بمجرد توقيع اتفاقات بين القيادات السياسية، اذ تلعب المتغيرات الديموغرافية اي البشرية دورا رئيسيا في كافة التفاعلات الخاصة بالصراع، وتظل كذلك حتى بعد تسويات القيادات السياسية وتدخلات الاطراف الخارجية.
هذا الكتاب الذي قدم له الدكتور جورج حبش حكيم الثورة ا*لفلس*طينية والصادر عن مركز الغد الذي انشاؤه وتراسه الدكتور جورج حبش، يتصدى مجموعة من الباحثين المختصين لدراسة الواقع الاس*رائ*يلي وتشريحه في كل الجوانب: فنجد الدكتور عماد جاد قد تناول الفصل الاول تحت عنوان البعد الديموغرافي في مسيرة الصراع ودوره المستقبلي، وفي الفصل الثاني كتب احمد السيد النجار عن الاقتصاد الاس*رائ*يلي من النشأة الى طموحات الهيمنة الاقليمية، وفي الفصل الثالث كتب باهر شوقي عن الانقسامات والصراعات في المجتمع الاس*رائ*يلي، وفي الفصل الرابع كتب اكرم الفي عن التعليم في اس*رائ*يل معضلات البقاء والدمج والهيمنة، بينما تناول امين اسكندر الفصل الخامس بالحديث عن النظام السياسي الاس*رائ*يلي، وفي الفصل السادس تحدث احمد ابراهيم محمود عن المؤسسة العسكرية الاس*رائ*يلية القدرات والادوات والاستراتيجية، وفي الفصل السابع كتب احمد بهاء الدين شعبان عن العلم والتكنولوجيا في اس*رائ*يل الواقع ونظرة على المستقبل، وفي الفصل الثامن تحدث الدكتور احمد ثابت عن علاقات اس*رائ*يل الخارجية.
يبدا الكتاب في فصله الاول بدراسة حول البعد الديموغرافي في مسيرة الصراع ودوره المستقبلي.
ويتناول الفصل الثاني الاقتصاد الاس*رائ*يلي من النشاه على قاعده المساعدات الى طموحات الهيمنة الاقليمية. ويركز الفصل على الحقائق الاساسية الخاصة بالاقتصاد الاس*رائ*يلي عند اعلان نشوئه، والكيفية التي تطور بها هذا الاقتصاد الى ان وصل الى وضعه الراهن، مع مقارنة مع الاوضاع الاقتصادية الاس*رائ*يلية الراهنة بالاوضاع الاقتصادية للدول العربية .
ويتناول الفصل الثالث قضية الانقسامات والصراعات المجتمع الاس*رائ*يلي، وكيف كان قادة الكيان الصهيوني على وعي بها منذ البداية، ومن ثم اندفاعهم للبحث عن عامل توحد خارجي او خطر خارجي تتراجع في مواجهة مخاطره، عوامل الصراع الداخلية، وهو الامر الذي وجده قادة الكيان الصهيوني في ذكريات تاريخية مؤلمة وتصورات مزعومة جرى توظيفها جميعا لتاجيل عوامل الانقسام والصراع الداخلية.
وليس ادل على طبيعة هذه الانقسامات والصراعات في المجتمع الاس*رائ*يلي ما اورده الكاتب باهر شوقي عن بنغوريون ص ١٥٣ حيث يقول:” في عام 1954 رفض بنغوريون اقتراحات نحوم جولد مان احد اباء الصهيونية لاجراء مصالحة بين الدولة الناشئة ونطاقها العربي، كانت دوافع بنغوريون انذاك كما صرح لمبعوث اللموند اريك رولو في شباط 1967 : نحن في حاجة الى عدو خارجي لننصهر في امة، لقد عكس كلا من الموقف والتصريح وعي رئيس الوزراء الاس*رائ*يلي بالتباينات والتناقضات الضاربة في اعماق الكيان الاستيطاني الناشئ ، وادراكه لاهمية العامل او بالاحرى الخطر الخارجي لصهره وتوحيده ، وقد اثبتت العقود اللاحقة الصحة الجزئية لرؤية بنغوريون وتحليله، فقد تمكن هاجس الخطر واستنفار المقاومة من تحييد التناقضات، بيد انه لم يتمكن مطلقا من حسمها او تجاوزها، ورغم توالي العقود والاجيال، وربما نتيجة لها اضحت تلك التناقضات اكثر حدة بحيث باتت تهدد بتفجر المجتمع الاس*رائ*يلي حال تساقط ثوب الوحدة الهش اي شبح الخطر الخارجي” ص ١٥٢.
ويضيف الكاتب: ” لقد ظل المجتمع الاس*رائ*يلي على الدوام بمثابة فسيفساء متنافرة يجمعها صمغ الايديولوجيا الصهيونية وذكريات الاضطهاد الكاذبة، سواء الحقيقي منها مثل الديا سوبورا والبوقروم والهولوكوست، او الزائف مثل معادات العرب للسامية.
وقد تمكن مزيج الايدولوجيا ووسواس الاضطهاد الجمعي ووفورات دولة الرفاه، من رتب بعض التناقضات العرقية والطائفية والطبقية التي وسمت الدولة الاستعمارية الاستيطانية منذ نشاتها، بيدء انها لم تنجح ابدا في الغائها او تجاوزها، رغم التصدير الاعلامي لاس*رائ*يل بعدها على انها بوتقه الصهر وارض اللبن والعسل الجديدة، بل لقد شهدت الثمانينات والتسعينيات استفحال وتفاقم تلك التناقضات تحت وطأة التغييرات التي لحقت بالمجتمع الاس*رائ*يلي” ص ١٥٣.
ويتناول الفصل الرابع التعليم في اس*رائ*يل معضلات البقاء والدمج والهيمنة، قضية الدور الجوهري الذي لعبته وتلعبه منظومة التعليم في الدولة الصهيونية ، ودورها في انشاء الكيان، باعتبار ان التعليم احد اعمدة البقاء، والتعامل معه على انه بوتقة صهر الهجين البشري غير المتجانس، وايضا ضبط الصراعات وطمس هوية غير اليهود.
حيث يشير الكاتب اكرم الفي في هذا الفصل الى دور التعلبم في اس*رائ*يل : معضلات البقاء والدمج والهيمنة حيث يقول في ص ٢٠٩ :” لعبت منظومه التعليم في الدولة الصهيونية دورا جوهريا في انشاء هذه الدولة المصطنعة، كما باتت احد اعمدة بقاء هذه الدولة وليس مجرد منظومة او مؤسسة اجتماعية لاستمرار نمط معين من الهيمنة لفئة او طبقة اجتماعية، فالدور المنوط بها هو دور ما قبل الهيمنة، دور خلق الدولة الاس*رائ*يلية في ذاتها واستمرارها عبر استيعاب موجات الهجرة المتنافرة اثنيا واجتماعيا وتحويل هذه الكتلة البشرية الى مواطنين يدينون بالولاء للدولة الاس*رائ*يلية.
” هذه العوامل المتشابكة والمعقدة التي تحكم تكوين منظومة التعليم في اس*رائ*يل وتطورها تجعلنا ننظر للتعليم الاس*رائ*يلي من منظور كونه منظومة دمج واستيعاب، تلعب دوره مهما وجوهريا في خلق الانتماء والولاء للدولة الاس*رائ*يلية، وخلق الهوية الاس*رائ*يلية وتاكيدها عبر جدل تفكيك مكونات الايدولوجية الصهيونية وتجميعها -والذي ينسجم والذي ينسج التعليم الاس*رائ*يلي خيوطه منها- وربطها اكثر بالواقع اليومي للجيل الجديد، بل واعادة انتاج هذه الايديولوجية بشكل يومي في حياه قاطن الدولة، عبر اصباغه الشرعية على العنصرية الصهيونية. وهو ما يتم بالتوازي مع تاكيد اولوية الثقافة والمعايير والمثل الاشكنازية وهيمنتها تاكيدا لهيمنة الاشكنازيم السياسية والاجتماعية، مع الاستبعاد القصدي للثقافة العربية في محاولة مستمرة لمحو هوية السكان من عرب ١٩٤٨”. ص٢٠٩ وحتى ص٢١١.
وعن الجامعات الاس*رائ*يلية ودورها واهميتها في هذا المجال يورد الكاتب حديثا مقتضبا على لسان ديفيد بن غوريون ص ٢٢٤ يذكر فيه الكاتب ان هناك سبع جماعات جامعات رئيسية في اس*رائ*يل، فيتحدث اولا عن الجامعة العبرية في القدس وبأنها تاسست في 1925 وقد اعلن ديفيد بنغوريون من على منبرها قائلا :”الان فقط يمكننا القول ان دولة اس*رائ*يل قد انشئت بالفعل”. مع الاشارة الى وايزمان رئيس المنظمة الصهيونية العالمية ترأس حفل افتتاحها واعلن “انها انجاز طالما حلمت به الحركة الصهيونية”. ص ٢٢٤
اما الفصل الخامس فيتناول النظام السياسي الاس*رائ*يلي عبر العودة الى المنابع الرئيسية التي شكلت النظام السياسي الاس*رائ*يلي، والتاكيد بداية على النشاة غير الطبيعية للكيان المسخ على ايدي عدد من العصابات والمنظمات الار*ها*بية، وهي المنظمات والعصابات التي منها خرجت مؤسسات الكيان.
وتركز الدراسة على طبيعه النظام السياسي الاس*رائ*يلي باعتباره نظاما عنصريا ينهض على عقيدة ايدولوجية عنصرية تمثل المفتاح الرئيسي لفهم اداء وسياسات هذا النظام .
ويعالج الفصل السادس المؤسس العسكرية الاس*رائ*يلية القدرات والادوات الاستراتيجية، حيث يحيط بالدور او الادوار التي تلعبها القوات المسلحة الاس*رائ*يلية انطلاقا من الثقل الجوهري المعطى للقوة في ذاتها، اداةً رئيسية تتقدم كافه الادوات والوسائل لدى القيادة الاس*رائ*يلية.
وقد احسن صنعا الكاتب احمد ابراهيم محمود [كاتب هذا الفصل] حين تقديمه لدور المؤسسة العسكرية الاس*رائ*يلية واثرها على المجتمع والدولة حيث يقول في ص ٣٠٩ ما نصه :” تلعب القوات المسلحة الاس*رائ*يلية دورا بالغ الاهمية في المجتمع الاس*رائ*يلي بحكم الادوات المحورية التي قامت وتقوم بها المؤسسة العسكرية في اس*رائ*يل، في بناء الدولة وحماية امنها وتوسيع رقعتها الجغرافية وردع الخصوم، بالاضافة الى الادوار الداخلية العديدة التي تقوم بها في مجال معالجة ازمة الاندماج الداخلي لليهود القادمين من مختلف انحاء العالم باعتبار المؤسسة العسكرية بمثابة بوتقهطة الصهر ، وبالذات من حيث تعليم العبرية والتثقيف بالعقيدة الصهيونية، علاوة على دور هذه المؤسسة في مختلف مجالات التعليم والزراعة والصناعة والهجرة ورعاية الشباب وتوفير فرص العمل والرقابة على الصحف ورسم السياسة الخارجية.
وتنبع المكانة المهيمنة للمؤسسة العسكرية في المجتمع الاس*رائ*يلي في الاساس من محورية عامل الامن، باعتبار اس*رائ*يل كيانا اصطناعيا دخيلا على المنطقة العربية، ويعاني من رفض كبير من جانب الدول المجاورة. وقد فرضت هذه الوضعية على اس*رائ*يل اتخاذ وضع الاستعداد العسكري الدائم لضرب الخصوم وفرض الارادة الاس*رائ*يلية عليهم، وتكريس وجود اس*رائ*يل وتحقيق اهدافها التوسعية، بالاضافة الى ان امتلاك قوة عسكرية قوية ومتفوقة يفيد بحد ذاته في ردع هؤلاء الخصوم عن التفكير في شن اي هجمات خارجية ضد اس*رائ*يل، علاوة على ما يوفر ذلك من استعداد دائم للاستفادة من اي متغيرات اقليمية لزيادة رقعة دولة اس*رائ*يل” ص٣٠٩
اما الفصل السابع فتناول قضية العلم والتكنولوجيا في اس*رائ*يل الواقع ونظر على المستقبل، ويقدم هذا الفصل دراسة تشريحية موثقة عن حالة التطور التكنولوجي في اس*رائ*يل بشقيه المدني والعسكري والقطاع المتداخل بينهما. وتقدم الدراسة عرضا تفصيليا لخريطة العلاقات مع العالم الخارجي في هذا المجال.
واخيرا يتناول الفصل الثامن علاقات اس*رائ*يل الخارجية ويقدم شرحا وافيا للاهداف الحقيقية التي ترمي اس*رائ*يل لتحقيقها عبر نسج شبكة ضخمة من الروابط الخارجية، سواء مع القوى المنحازة لها او التي ترضخ لابتزازها، او التي كانت تعد حتى وقت قريب احد ابرز معاقل دعم وتاييد الحقوق العربية، والتي استعصت كثيرا على الضغوط الغربية والامريكية من اجل مجرد الاعتراف باس*رائ*يل، والان صارت من بين ابرز ساحات التمدد الاس*رائ*يلي، بل ان التفاعلات بينها وبين اس*رائ*يل دخلت في مناطق باتت تمثل تهديدا واضحا للامن القومي العربي.
الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب فقط، ولا تعكس آراء الموقع. الموقع غير مسؤول على المعلومات الواردة في هذا المقال.