إلى الضمائر النائمة: هل تحولت دماء شهداء الصحراء إلى مجرد
أيها المسؤولون ، يا من تجلسون على كراسيّ وثيرة داخل مكاتب مكيفة، وتنعمون بخيرات وطن ارتوى بدماء زكية، هل يقرأ أحدكم هذه الكلمات بقلب واجف؟ هل تستشعرون وخز الضمير وأنتم تتلقون التحايا والتبريكات، بينما ترقد عظام أبطال ضحوا بأرواحهم في رمال الصحراء الشاسعة ؟
لقد هتفنا ذات يوم: “شهداء حرب الصحراء ينبغي أن تكون عظامهم إثمدا لكح-و*ل العيون، ودماؤهم مسكا تتعطر به المكاتب ومختلف دواليب الإدارات والمؤسسات”. لم تكن هذه مجرد شعارات ح*ما*سية، بل كانت تعبيراً عن عميق الامتنان والإدراك لحجم التضحيات التي قُدمت من أجل وحدة هذا الوطن وسلامة أراضيه.
فأين نحن اليوم من هذا الالتزام؟ هل تحولت دماء هؤلاء الأبطال إلى مجرد حبر باهت في سجلات الإدارات و المؤسسات المعنية بهم؟ هل أصبحت ذكراهم مجرد مناسبة عابرة تُستحضر في خطابات رسمية ، سرعان ما تتلاشى مع أول قرار إداري ؟
إن ما يرفل فيه البعض اليوم من نعيم، من استقرار وأمن ورخاء، ما كان ليتحقق لولا تلك الدماء الطاهرة التي سالت في صحرائنا. دماء أولئك الرجال، الذين تركوا خلفهم أمهات ثكالى وأبناء يتامى وزوجات أرامل، لم يترددوا لحظة في تلبية نداء الوطن، غير آبهين بصعوبة التضاريس أو قسوة الظروف. ليضحوا بأقدس حق في الوجود، أرواحهم فداءً للوطن.
واليوم، ونحن نشهد مظاهر البذخ والترف التي يعيشها بعض المسؤولين، ونرى كيف تُهدر الأموال في مشاريع لا طائل منها، ونتلمس غياب التقدير الحقيقي لعائلات الشهداء والمضحين، لا يسعنا إلا أن نتساءل: هل هذه هي الطريقة التي نكرم بها ذكرى من ضحوا بأرواحهم؟ هل هذا هو الوفاء الذي ندين به لتلك الدماء الزكية؟
إن عظام الشهداء لا ينبغي أن تُدفن فقط في “مقابر”، بل يجب أن تكون حاضرة في كل قرار يتم اتخاذه، وفي كل سياسة يتم تبنيها. يجب أن تكون ذكراهم نبراساً يُضيء الطريق نحو بناء وطن قوي وعادل، وطن لا ينسى أبداً تضحيات أبنائه البررة.
إن التقصير في حق هؤلاء الأبطال ليس مجرد إهمال تاريخي، بل هو خيانة للأمانة، وتنكر لقيم الوطنية الحقيقية. إنه صفعة على وجوه الأمهات الثكالى، وجرح غائر في قلوب الأرامل والأبناء اليتامى. إنه وصمة عار تلاحق كل مسؤول تقاعس عن تخليد ذكراهم بالشكل اللائق، وعن رعاية أسرهم بما تستحق من تقدير وعناية.
فليتق الله كل مسؤول من موقعه، وليراجع ضميره أمام تضحيات هؤلاء الأبطال. فكفى تهميشاً، وكفى نسياناً. لقد آن الأوان لأن تتحول الكلمات في المناسبات إلى أفعال ملموسة، وأن نعيد الاعتبار لذكرى شهداء حرب الصحراء، لا من خلال الشعارات الرنانة، بل من خلال تقدير تضحياتهم في كل تفاصيل حياتنا ومؤسساتنا.
وإلا، فليعلم هؤلاء أن دماء الشهداء ستظل تطاردهم، وأن عظامهم ستظل لعنة تلاحق كل من أراد لهم النسيان والتنكر لتضحياتهم الجليلة.
فهل من مستمع؟ وهل من ضمير حي يستفيق؟
الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب فقط، ولا تعكس آراء الموقع. الموقع غير مسؤول على المعلومات الواردة في هذا المقال.