مقالات دينية

إصفح إولاً ثم أطلب الصفح

إصفح إولاً ثم أطلب الصفح

بقلم / وردا إسحاق قلّو

قال الرب ( إذا إخطأ إليك أخوك سبع مرات سبعين مرة أغفر له ) ” مت 18: 22 )

    طلب الصفح هو الخطوة الأولى لتصفية النيّة ولأجل العودة إلى التوبة والمصالحة مع من كان له خصماً أوعدواً . الله والسماء تفرح في المصالحة والسلام على الأرض ، وينبغي أن لا يتكرر الغضب وتعود الأخطاء مهما بلغت الأزمات ، بل لنعرف مخاطر العداوة والكراهية بين بني البشر ، وهذا الزوان يزرعه الشيطان دائماً بين الناس ، لأنه تسعده المشاكل والحروب والعداوة بين البشر . بينما الله المحبة يريد أن تزال كل العوائق بين الناس ليعود السلام والنقاوة في المجتمعات . الله يعرف الإنسان أكثر من معرفته لذاته ( .. لأن الله أعظم من قلوبنا وهو بكل شىء عليم ) ” 1 يو 20:3 ” يعرف ضعفنا . والظروف التي تنتزع من أرادتنا عزمها ، يعرف أننا نخطئ كلنا . والله لا يجهده الصفح لمن يريد منه الصفح والمغفرة ، بل يسعده .

   الصفح هو الدليل الملموس عن المحبة ، وبالحب يبلغ المؤمن اقصى حدود النقاوة والقوة ، وبالحب تبدأ حياة جديدة ، فالصفح هو أجمل وأبهى هدية يقدمها الإنسان لأخيه الإنسان ولله أيضا .

 في المغفرة تبرز مصداقية الحب لكي يبلغ إلى قمته ، لأن الله هو الحب في جوهره ، بل نقول إن كيان الله يتجلى تمامه في الصفح . قد لا يصفح البعض خصمهم لاعتقادهم بأن الصفح ضعف ، أو الصفح سينال من شخصيته وكرامته وكبرياءه أمام الناس . لكن في الحقيقة ، الذي يصفح هو القوي والحكيم لأنه سيربح صديقاً ويعيد المحبة بينه وبين الآخر . فمن يصفح هو الرابح ، وكذلك سيشارك الله بفرحة ، وبالصفح يرتاح ضمير الإنسان ، وتمحو مخاوفه ، وتقل مشاكله ، وينقى قلبه ، فيستعيد توازنه الفكري والروحي . حينذاك يتهلل فرحاً ، لأن الإنسان ينهش قلبه وتفكيره البغض والحقد والعداوة .

   حياة الحب الحقيقي مع البشر تزرع السعادة . والصفح هو قمة الحب ، فعلى كل مؤمن أن يختبر الصفح ليشعر بحلاوةِ ثِماره . بل هو إنتصار على مكائد الشيطان . الأب الرحوم أشفق على ابنه الضال الذي جاء إليه نادماً ليطلب منه الصفح ، فتحركت أحشاؤه وأسرع إلى الصفح ، فلاقاه بنفسه وحَضَنهُ على صدره وقَبّلهُ .

   هكذا يصفح الله كل من يعلن توبته ويطلب المغفرة . وكذلك يريدنا أن نكون على صورته في المغفرة لأخينا الإنسان لهذا علمنا الرب الصلاة التي تحتوي شرحاً مهماً لنرددها ونعمل بها وهي ( أغفر لنا خطايانا كما نحن نغفر لمن يخطأ إلينا  ) إذاً قبل أن نفكر بطلب المغفرة من الله علينا نحن أولا أن نصفح لغيرنا لتعيد العلاقة بيننا وبين أخينا الإنسان ، وبعد ذلك نتقدم نحو الله طالبين منه المغفرة .

   وعلى مستوى الكنيسة التي عاشت ألفي سنة ، حدثت فيها اضطهادات ، وانقسامات ، وعداوة بين الأخوة المؤمنين . وشريعة المسيح هي شريعة الحب والمغفرة والمصالحة من أجل هدم الجبال ونقلها بعيداً والتي تفصل بين أبناء المسيح لكي يصبحوا قطيعاً واحداً كما الآب والأبن هما واحد . فلتنقية الضمير ، وتصفية الذاكرة كان على قادة الكنيسة أن يطلبوا الصفح والسماح من كل أبناء هذا العالم ، وذلك بالاعتراف بالخطايا التي ارتكبتها الكنيسة عبر التاريخ . ومن ثم طلب الصفح من الأخوة المؤمنين لأعاده النظر بتاريخ الكنيسة وقراءته قراءة مسيحية صحيحيه ، فبدأ العمل بهذا المشروع العظيم البابا يوحنا الثالث والعشرون عندما أرسل إشارة إلى الإسلام ، فخطا الخطوة الأولى في تهذيبه للتاريخ وتنقيته . وعبِّر عن هذا العمل البابا القديس مار يوحنا بولس الثاني ( تصفية الذاكرة التاريخية ) . وفي المجمع الفاتيكاني الثاني ، توجَهَ البابا بولس السادس بكلمة إحترام إلى الكنائس المسيحية الأخوات البعيدات عن الكنيسة الكاثوليكية . يقول لهم ( أن كان هناك خطأ يعود إلينا في بدء الإنفصال ، فإننا نطلب الصفح من الله بكل تواضع ، ومن الأخوة الذين يعتقدون أننا أسأنا إليهم . أما من جهتنا فإننا مستعدون لأن نصفح على كل الإهانات التي وجهت إلى الكنيسة الكاثوليكية وأن ننسى الآلام التي عانتها من النزاعات والانفصالات ) .

   تأثر البابا يوحنا بولس الثاني بكلمة البابا بولس السادس التي طلب فيها الصفح في الدورة الثانية للمجمع المسكوني في أيلول سنة 1963 . ففي نهاية الألفية الثانية قام بمغامرة الصفح بوحي من الروح ، معتمداً على قدرة الله التي تزعزع الجبال ، معلناً إيمانه بطيبة الإنسان ، وبالحب والتضامن الإنساني ، وليس في وجه الحب أمر مستحيل . وبسبب الحب يغفر الإنسان لمن أخطأ إليه .  

التوقع ( لأني لا أستحي بالبشارة . فهي قدرة الله لخلاص كل مؤمن ) ” رو 16:1 “

مقالات ذات صلة

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
التقيمات المضمنة
عرض جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!