أوروبا تقاوم – التبعية السعيدة- – محمد رضا عباس
كانت علاقة أوروبا بأمريكا مبنية على دعم أوروبي للسياسة الامريكية في لعالم , يقابله دعم اقتصادي وعسكري امريكي لأوروبا . الاثنين رابحين من هذه العلاقة , ولكن ترامب يريد تغيير أصول اللعبة . انه يريد أصدقاء غير حلفاء . كل جانب يعمل من اجل اعلى المصالح او المنافع التي يمكنه يجنيها . ترامب يرى ان الاتحاد الأوربي منافس لأمريكا , فيما ان أوروبا ترى من الولايات المتحدة حليف غير موثوق به . وهذا ما كشفته حجم التصريحات الاوربية بعد المشادة الكلامية بين الرئيس الأمريكي ترامب والرئيس الاوكراني زيلينسكي .
فعندما خرج زيلينسكي من البيت الأبيض مطرودا يوم28 شباط , لم يذهب الى بيته منتحبا وانما ذهب مباشرة الى بريطانيا الذي استقبله رئيس وزراءها كير ستامر بالقول ” لكم الدعم الكامل من جميع انحاء المملكة المتحدة , ونحن نقف معك ومع أوكرانيا مهما طال الامر” . هذا التعاطف الحار مع الرئيس الاوكراني يحمله تقريبا جميع قادة أوروبا . انهم وجدوا ان ” زعيم العالم الحر ” غير قادر على التعامل مع شركائه , بل يعتبرهم عبء اقتصادي عليه , خاصة في قضية المصاريف العسكرية و التعامل التجاري . الرئيس ترامب يرى ان 2% من حجم الإنتاج المحلي للقارة غير كافية لتغطية حاجاتها العسكرية ويريدها ان ترفع الى نسبة الى 5% , فيما يعتقد ان القارة تستفيد من السوق الامريكية اكثر ما تستفاد الاعمال الامريكية من السوق الاوربية , ولا بد له من فرض ضريبة على السلع الاوربية 25% , حتى تستطع السلع الامريكية منافستها.
الاوربيون ينظرون ان المشادة الكلامية استفاد منها لاحد منها عدا الرئيس الروسي فلاديمير بوتين , حيث ان حديث السيد ترامب السالب حول زيلينسكي قبل وخلال الاجتماع كان يصب في أضعاف أوكرانيا و تقوية موقف الرئيس بوتين, وان اقصاء أوكرانيا من محادثات السلام , يعني فرض إرادة الرئيس بوتين على أوكرانيا او ” بشروط روسيا”, وهذا ما لا تريده أوروبا . وان الإشارات التي تخرج من بعض المسؤولين الأمريكيين حول احتمالية سحب ترامب الدعم العسكري من أوكرانيا انما دعوة فوز مفتوحة الى الرئيس بوتين في الحرب. ولهذا السبب تراكض قادة اوربيين كبار لمطمئنة أوكرانيا بانها يجب ان لا تخاف وانها ليست الوحيدة في البيت , وانما هناك حراسه. فقد تعهدت بريطانيا بتقديم 3 مليارات جنيه إسترليني سنويا لدعم أوكرانيا طالما كان ذلك ضروريا , فيما قررت المانيا بزيادة مساعدتها الى كييف بمبلغ 3 مليارات يورو .وفي اجتماع قادة الدول الأوروبية في لندن قال شولتس المستشار الألماني عقب الاجتماع ” من المهم ان يكون الجميع هنا قد اعرب مرة أخرى بشكل واضح عن نيته دعم أوكرانيا .. من الواضح لنا اننا يجب ان ندعم أوكرانيا ماليا وعسكريا”.
أوروبا وصلت الى قناعة انها في حاجة الى حماية امنها بعد الخسارة المحتملة ل ” المظلة ” الامريكية . ومن اجل البقاء امام أي تهديد روسي عليها الاعتماد على امكانيتها الذاتية لا على صديق يفرض شروطه عليها او عدم الاكتراث لمصالحها كما حدث في اجتماع السلام في الرياض , والذي اقصى جميع أصحاب العلاقة بهذا الحرب , واكتفى بروسيا فقط . هذا القرار اعده الاوربيون إهانة لهم وتجاوز على حقوقهم , فكان رد فعلهم في التحرر من التبعية الامريكية سريعا . كان من اعن*ف هذا ردود الفعل , هو الرد الفرنسي بشخص رئيسها ايمانويل ماكرون , حيث حث الأوروبيين على ان يكونوا ” اكثر تماسكا و قوة من أي وقت مضى , وان يتجنبوا التبعية السعيدة في علاقاتهم مع الولايات المتحدة ” . وقالت رئيسة المفوضية الأوروبية ورسولا فون دير لاين ” علينا ان نسلح أوروبا من جديد بشكل عاجل . وعلى جميع الأوروبيين المساهمة في الدفاع وضمان تحقيق قفزة في الصناعة العسكرية”. وحسب ما جاء في مجلة فريس الامريكية , ان ” بعد المؤتمر الصحفي الكارثي في المكتب البيضاوي , تعمل أوكرانيا و حلفائها الان جاهدين على استبدال الأسلحة الرئيسية المصنوعة في الولايات المتحدة بترسانة أوكرانية , بما في ذلك صواريخ الدفاع الجوي”.
شخصيا لا اعتقد ان أوروبا ستقطع كل حبال الوصل مع أمريكا . ولكن أوروبا استلمت الرسالة من انها من المستحيل الاعتماد على الولايات المتحدة طويلا , ولابد لها الاعتماد على نفسها في حماية نفسها من أي العدوان الخارجي , وانها تعرف جيدا أيضا عدم استطاعتها بالاستمرار في تمويل الحرب في أوكرانيا طويلا , وهذا ما ستقوم به أوروبا : احياء صفقة المعادن الثمينة والتي ستمنح الرئيس الأمريكي مصلحة راسخة في ردع روسيا , والتي ستحرر أوروبا من التزاماتها المالية والعسكرية تجاه أوكرانيا . وفي الاخير روسيا ستربح الحرب , أمريكا ستربح عقود المعدن الثمينة , أوروبا تتحرر من الرعب من روسيا , و أوكرانيا ستخسر ما يقارب خمس من أراضيها الى الروس, والله يحب المحسنين .
الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب فقط، ولا تعكس آراء الموقع. الموقع غير مسؤول على المعلومات الواردة في هذا المقال.