موعظة الأحد الثالث من الصيف (10/8/2014)
الكاتب: المطران سعد سيروب
موعظة الاحد الثالث من الصيف (10/8/2014)
المطران سعد سيروب حنا
ان معجزة شفاء المولود أعمى التي يذكرها انجيل يوحنا، تريد ان تعلمنا درساً عن معنى الايمان، الايمان بالمسيح. ولهذا اعتقد بان هذه المعجزة تتكلم عنّا أيضاً، ففي النهاية كلّنا ولدنا عميان. العالم نفسه ولد أعمى، كما يقول العلم لنا. فالارض بقيت ولسنين طويلة بدون حياة، الحياة عليها كحياة المولود أعمى، فلم تكن تملك القدرة على الرؤية، لم يكن لها “عينا” ترى من خلالها. فالعين بتعقيديتها وكمالها تعتبر واحدة من الوظائف التي تتشكل ببطئ في الجسد البشري. واعتقد بان هذه الحالة تتكرر في حياة كل واحد منّا. فالطفل المولود حديثاً يكون غير قادر على تمييز من هم حوله. فقط بشكل تدريجي تبدا العين بتمييز الاشياء في حركتها وتمييزها. واعتقد بان هذا ما يولّد في داخلنا دهشة وغبطة، لو استطاع الطفل ان يعبّر عنها لرفع نشيداً للحياة وللعين التي ترى. نعم أن يرى الانسان معجزة كبيرة يختبرها كل انسان. لا ندرك مدى قيمتها لاننا تعودنا الحصول عليها. ولهذا فان الله يعمل العجائب لكي ما يعلمنا وينبهنا. هذا ما صنع مع المولود أعمى. ولكن السؤال هو: هل كان شفاء للعين الخارجية فحسب؟ يوجد معنى ثان لولادتنا كعميان. توجد عين أخرى يجب أن تتفتح لترى العالم، رؤية تذهب ما وراء الرؤية المادية؟ هذه العين هي عين الايمان! انها عين تمكننا من أن نرى عالماً آخر هو عالم الله، عالم الانجيل… هذا ما يريد يسوع ان يذكرنا اياه في معجزة الشفاء هذه. ففي البداية نرى يسوع وهو يرسل المولود أعمي الى “بركة سلوام” . لقد رأى الكثير من أباء الكنيسة في هذا الارسال الى بركة سلوام أشارة الى المعمودية. في العماذ نحن نستلم عطية الايمان.ولهذا كانت المعمودية تسمى أيضاً استنارة، والمعمدون هم المستنيرون. ليست دعوتنا ان نؤمن بالله بصورة عامة، بل أن نؤمن بالله أبو ربنا يسوع المسيح. ليس الايمان وليد مرة واحدة، انه مسيرة ودعوة لا تنتهي لعيش الايمان الناضج بأبن الله. استعادة الاعمى للرؤية بصورة تدريجية يرافقها اكتشاف لمن هو يسوع. في البداية، يسوع هو مجرد انسان: “الرجل الذي أسمه يسوع” (يوحنا 9/ 11). ولكن بعده بقليل يسأل الاعمى نفس السؤال: “فمن تقول عن الذي شفاك؟ من هو؟” يجيب الاعمى: “أنه نبي” (عدد 17). وهنا نحن أمام تقدم: لقد فهم بان يسوع هو مرسل من الله، يتكلم باسمه ويعمل اعماله. وفي النهاية يلتقي الاعمى بيسوع ويعلن: “أنا أومن يا سيد، وسجد له”. يعترف بالمسيح رباً وإلهاً. أريد أن اقرأ هذا النص على انه دعوة من الانجيلي الى كلّ واحد منّا: “أين أنت من مسيرة الايمان؟” “مَن هو يسوع الناصري بالنسبة لك؟”. ففان يكون يسوع انسان حقيقة لا يمكن أحد أن ينكرها. وأن يكون يسوع نبي مرسل من الله، حقيقة لا يمكن لأحد أن يتجاهلها ومقبولة من الجميع. والعديد يقفون عند هذا الحدّ. المسلمون أيضاً يؤمنون بان المسيح هو نبي، فهو مكتوب في القرآن. ولكن هذا لا يكفي لكي ما يكون الانسان مسيحياً. القفزة النوعية التي بواسطتها يصير الانسان مسيحياً عندما يعلن المسيح، مثلما أعلن المولود أعمى، بان المسيح هو الرب الاله. فالايمان المسيحي ليس مجرد اعتقاد بوجود الله، الخوف من قدرته. الايمان المسيحي هو ايمان بشخص. لا توجد قائمة بالاشياء التي يجب ان نؤمن بها. يوجد فقط ما قاله يسوع لنا: “أمنوا بالله وأمنوا بي” (يوحنا 14/ 1). لنا نحن المسيحيين، الايمان هو ايمان بيسوع المسيح. منه تأتينا الرؤية الجديدة والمنطق الجديد في عيش ومحبة الآخرين..