آراء متنوعة

رؤية اقتصادية أكاديمية لإعادة بناء العراق ما بعد

الباحث:
مصطفى الثرواني – باحث دكتوراه في المحاسبة والاقتصاد، متخصص في المحاسبة القانونية والتدقيق

المقدمة

يعاني العراق منذ عقود من أزمات اقتصادية متراكمة نتجت عن الحروب والفساد والصراعات السياسية، وقد أفرز هذا الواقع اقتصادًا هشًا يعتمد على الريع النفطي ويعاني من تراجع في الإنتاجية وتآكل في مؤسسات الدولة المالية. وتأتي هذه الدراسة لتسليط الضوء على رؤية أكاديمية تسعى إلى الخروج من هذا الواقع، من خلال بناء نموذج اقتصادي يقوم على الحوكمة، والمحاسبة، والرقابة، والتخطيط العلمي.

مشكلة البحث

يعاني العراق من فوضى اقتصادية مزمنة، تتجسد في غياب التخطيط المالي السليم، وانتشار الفساد الإداري، واعتماد الدولة على النفط كمصدر وحيد للدخل، في ظل غياب دور فعّال للخبرات الأكاديمية في عملية صنع القرار الاقتصادي.

فرضية البحث

إن بناء اقتصاد عراقي سليم لا يتحقق إلا من خلال إصلاح جذري للبنية الرقابية والمالية للدولة، ودمج العقل الأكاديمي في رسم السياسات الاقتصادية الوطنية.

أهداف البحث
1. تقديم رؤية اقتصادية حديثة تعتمد على التخطيط العلمي.
2. اقتراح آليات رقابية فعالة ومستقلة لتعزيز الشفافية.
3. بيان دور الأكاديميين في قيادة الإصلاح الاقتصادي.

أولاً: تشخيص الواقع الاقتصادي العراقي

رغم الثروات الطبيعية والبشرية التي يمتلكها العراق، إلا أن اقتصاده يعاني من:

• الاعتماد الكلي على النفط.
• انهيار شبه تام للقطاعات الإنتاجية (الزراعة والصناعة).
• غياب سياسات تنموية مستدامة.
• ضعف في الأداء المؤسسي والرقابي.

وتُظهر المؤشرات الاقتصادية هشاشة واضحة في هيكل الاقتصاد الوطني، نتيجة السياسات المرتجلة وغياب الرؤية الاستراتيجية.

ثانيًا: ملامح رؤية اقتصادية عراقية حديثة

ترتكز هذه الرؤية على عدة محاور إصلاحية، أبرزها:
• هيكلة المؤسسات المالية من خلال الرقمنة وتقليل الاعتماد على الورق للحد من الفساد.
• إصلاح النظام المحاسبي الحكومي، وتدريب الموظفين على المعايير المحاسبية الدولية.
• تفعيل الرقابة المالية، خاصة عبر ديوان الرقابة المالية وأجهزة التفتيش المستقلة.
• تعزيز الاستثمار المحلي بدلاً من الاستثمارات المرتبطة بالمصالح السياسية.
• تحديث المناهج التعليمية في الاقتصاد والمحاسبة لتكون أكثر انسجامًا مع الواقع العراقي.

ثالثًا: مقترح إنشاء “المجلس الوطني للرقابة المالية والإدارية”

أهداف المجلس:
• مواجهة الفساد الإداري والمالي.
• كسر احتكار الأحزاب للمؤسسات الرقابية.

هيكلية المجلس المقترحة:
• خبراء مستقلون من الداخل والخارج.
• ممثلون عن الجامعات العراقية والمؤسسات العلمية.
• مراقبون دوليون من منظمات الشفافية المعترف بها.

المهام الأساسية للمجلس:
• مراجعة العقود والموازنات قبل التنفيذ.
• مراقبة الأداء المالي لجميع الوزارات والهيئات.
• إصدار تقارير دورية (ربع سنوية) تُنشر للرأي العام.
• إطلاق منصة إلكترونية للرقابة المجتمعية “Public Accountability Platform”.

رابعًا: نحو اقتصاد قائم على الحوكمة والشفافية

لا يمكن الحديث عن تنمية اقتصادية دون ترسيخ مفاهيم الحوكمة الرشيدة، وتعزيز الشفافية، وفصل السياسة عن الاقتصاد. ويكمن الحل في تحويل المبادئ النظرية إلى مؤسسات حقيقية تراقب وتحاسب وتُشرك المواطن في صناعة القرار الاقتصادي.

الخاتمة

إن إعادة بناء العراق لا تبدأ من تغيير الأفراد فقط، بل من إعادة هندسة البنية المؤسسية والرقابية للدولة، على أساس علمي ومهني. ويمتلك العراق طاقات أكاديمية هائلة يجب أن تُفعّل وتُعطى الدور القيادي في وضع الخطط والسياسات. ومن هذا المنطلق، فإن الإصلاح الاقتصادي الحقيقي يجب أن ينطلق من مشروع وطني مستقل، غير مرتبط بالأجندات الحزبية أو الخارجية، يقوده جيل أكاديمي مؤمن بالإصلاح والعدالة والشفافية.

التوصيات
1. تبنّي فكرة المجلس الوطني للرقابة المالية والإدارية.
2. إشراك الجامعات والمراكز البحثية في وضع الموازنات والسياسات.
3. تدريب كوادر الدولة على الأنظمة المحاسبية الحديثة.
4. نشر ثقافة الرقابة المجتمعية عبر منصات إلكترونية شفافة.
5. إعطاء الأولوية لتحديث المناهج الاقتصادية بما يتماشى مع تحديات المرحلة.

 

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب فقط، ولا تعكس آراء الموقع. الموقع غير مسؤول على المعلومات الواردة في هذا المقال.

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
Oldest
Newest Most Voted
التقيمات المضمنة
عرض جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!