طو*فا*ن 7 أكتوبر: تحصيل مكاسب أم تقليص الخسائر
طو*فا*ن 7 أكتوبر: تحصيل مكاسب أم تقليص الخسائر
منذ اتفاق أوسلو والأفق السياسي مغلق أمام تحقيق إقامة الدولة ا*لفلس*طينية، وجاءت انتفاضة الأقصى كسبيل لإقامة هذه الدولة وإرضاخ إس*رائي*ل للانسحاب من مناطق احتلتها عام 1967.
نصر ح*ما*س الموهوم
يعد مفهوم الثورة من المفاهيم الزئبقية التي يصعب على الباحث الإمساك بتلابيب خيوطها. فقد استأثر هذا المفهوم باهتمام كبير من لدن الباحثين في علوم وحقول مختلفة وخصوصًا مجالي السياسة والعلوم الإنسانية. تُعرف الثورة بأنها تغيير وضع سيء قائم سواء كان اجتماعيّا أو سياسيا أو اقتصاديا، بالمحصلة تغيير الحالة المتردية إلى وضع أفضل. فالثورة ا*لفلس*طينية منذ أن قامت لتقارع الاحتلال الإ*سر*ائي*لي قبل حوالي 6 عقود، جاءت في فلسفتها لإزالة الظلم الذي وقع على الشعب الفلسطيني والمتمثل في احتلال إس*رائي*ل لأراضيه ومصادرة حريته. إذن، رفع الظلم هو الوضع السيء ونيل الحرية والاستقلال هما ثمرة الثورة التي طال نضوجها.
هنا لا بد من التوقف طويلاً ومطولاً. بعد توقيع اتفاق أوسلو كانت ح*ما*س سباقة لاتهام الطرف الذي وقع الاتفاقية بالخيانة، واعتبرت أوسلو تفريطًا في الحلم الفلسطيني وهو دحر الاحتلال من كل فلسطين التي احتلت عام 1948 وعام 1967. فحصلت سجالات وتبادل التهم بين قطبي الحركات السياسية على الساحة ا*لفلس*طينية، لكن سرعان ما انقلبت ح*ما*س واعترفت ضمنًا بأوسلو، وذلك من خلال مشاركتها في الانتخابات التشريعية الثانية. فرغم عدم الاعتراف علنًا بأوسلو، فإن ح*ما*س اعترفت بأوسلو بطريقة ملتوية، أي التعايش مع إفرازاتها.
إذا أضيف إلى ذلك ما بعد انقلاب ح*ما*س على السلطة ا*لفلس*طينية عام 2007، حيث أرادت السيطرة الكلية على القطاع والاستحواذ عليه تمامًا، فهذا دليل آخر على أن الحركة نظرت إلى اتفاق أوسلو على أنه ثمرة من ثمرات تحقيق الإنجازات السياسية التي حققتها الثورة ا*لفلس*طينية. ولكن تعلم ح*ما*س أو لا تعلم بأن انقلابها الذي أحدثته قبل حوالي عقدين من الزمن شرخ صفوف الكل الفلسطيني، وما زالت تداعياته إلى يومنا هذا. نحن أمام نهجين مختلفين: النهج الأول المتمثل في حركة فتح والمُصر على دولة فلسطينية على حدود السابع من حزيران وعاصمتها القدس الشرقية، والنهج الذي تتبعه ح*ما*س برفض أوسلو في ظل الوضع الحالي، لكنها في المحصلة تسعى إلى أن يكون هو الطريق إلى الدولة ا*لفلس*طينية ولكن باستحياء.
◄ على عكس ما يروج إعلاميًا، لم تكن هناك مكاسب حققتها ح*ما*س التي أخذت من رفع الظلم عن الأسرى والأقصى شعارًا لهجوم 7 أكتوبر، بل زادت الأمور تعقيدًا، وأصبحنا نطالب بالعودة إلى ما قبل الهجوم على الغلاف
نعلم تمامًا أنه منذ توقيع أوسلو قبل ما يزيد عن ثلاثة عقود والأفق السياسي مغلق أمام تحقيق إقامة الدولة ا*لفلس*طينية. فجاءت انتفاضة الأقصى كسبيل لإقامة الدولة وإرضاخ إس*رائي*ل للانسحاب من المناطق التي احتلتها عام 1967، ولكن لم تحقق انتفاضة الأقصى ما يصبو الشعب الفلسطيني إليه، فزادت معاناته في ظل تعنت الحكومات الإ*سر*ائي*لية المتعاقبة وخصوصًا الحكومات التي شكلها رئيس وزراء إس*رائي*ل الحالي بنيامين نتنياهو، وبالأخص الحكومة اليمينية المتطرفة التي تحكم اليوم.
يبدو أن ح*ما*س لم تتعلم الدرس، ولم تتحسس حركة الثورة ا*لفلس*طينية منذ تأسيسها حتى يومنا هذا، التي اصطدمت بتعنت إس*رائي*لي ودعم أميركي غير محدود للقرار الإ*سر*ائي*لي وعالم خجول لا يقدر أن يقول لأميركا كفاك ظلمًا. أقدمت ح*ما*س ومن معها من الفصائل ا*لفلس*طينية الأخرى على اجتياح غلاف غ*ز*ة لمدة سويعات قليلة، وأوهمت نفسها بأنها أحرزت نصرًا يعيد للقضية ا*لفلس*طينية مجدها. بعد صراع طويل امتد لحوالي 15 شهرًا وما حل بأهل غ*ز*ة من تشتيت وترحيل وق*ت*ل وتدمير لبيوتهم، بقيت ورقة الأسرى هي المكسب الوحيد بيد ح*ما*س. فسرعان ما تنتهي هذه الورقة بعد إتمام بنود الصفقة بمراحلها الثلاث، هذا إذا كتب لها النجاح والاستمرار حتى النهاية. ولم يزل الخطر الإ*سر*ائي*لي، والتخوف من معاودة استئناف الحرب في غ*ز*ة وهذا سيناريو محتمل تدرسه إس*رائي*ل بشكل جدي بعد تحرير أسراها إذا لم تنجح قضية التهجير، وهو العودة إلى القتال مجددًا والإجهاز على القطاع بشكل كلي.
ونستنتج بقدر ما هو جلي حتى الآن أن العالم المناصر للقضية ا*لفلس*طينية أمام أخطر مرحلة مرت بها القضية ا*لفلس*طينية، وهي تثبيت وقف إطلاق النار وانسحاب إس*رائي*ل من المحاور التي احتلتها بعد السابع من أكتوبر، والأهم من ذلك وقف تهجير الغزيين من القطاع حسب خطة ترامب. إذن، العالم باستثناء الولايات المتحدة يعمل جاهدًا على إزالة تداعيات السابع من أكتوبر وعودة قطاع غ*ز*ة إلى ما كان عليه قبل ذلك، فالإصرار الأميركي والإ*سر*ائي*لي على ترحيل أهل غ*ز*ة عقبة يصعب تجاوزها في ظل تمسك ترامب بخياره الوحيد والأوحد وهو إخلاء القطاع من سكانه وترحيلهم إلى الأردن ومصر.
على عكس ما يروج إعلاميًا، لم تكن هناك مكاسب حققتها ح*ما*س التي أخذت من رفع الظلم عن الأسرى والأقصى شعارًا لهجوم 7 أكتوبر، بل زادت الأمور تعقيدًا، وأصبحنا نطالب بالعودة إلى ما قبل الهجوم على الغلاف. لهذا علينا أن ندرك بعيدًا عن العواطف أن ما حققته ح*ما*س مؤخرًا لم يحرز تقدمًا في رفع الظلم عن الأسرى، ولم يساعد في تخفيف القيود عن رواد المسجد الأقصى، بل زادت معاناة الأسرى، وحوصر الأقصى، ومُنع المصلون من الوصول إليه بحيث تم تخفيف عددهم بشكل ملحوظ. الخلاصة، أضحت ح*ما*س اليوم تبحث عن تقليل الخسائر، أما المكاسب حسب المثل الشعبي “في علب العرائس”.
فتحي أحمد
كاتب فلسطيني
الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب فقط، ولا تعكس آراء الموقع. الموقع غير مسؤول على المعلومات الواردة في هذا المقال.