مقالات

طبيعة الزمكان السوبر خلاّقة – حسن عجمي

تعتبر فرضية الزمكان السوبر خلاّق أنَّ الزمكانات هي البُنَى الأساسية للكون. ولكن ما يوجد في الكون عبارة عن طاقة و كتلة. من هنا، القانون الفيزيائي ضمن فرضية الزمكان السوبر خلاّق هو التالي: الزمكان = الطاقة × الكتلة. هذا يعني أنَّ الزمكان يساوي الطاقة مضروبة رياضياً بالكتلة. لفرضية الزمكان السوبر خلاّق فضائل معرفية عديدة تشير إلى صدقها منها نجاحها في تفسير نشوء الجُسيمات الافتراضية و تَكوُّن الثقوب السوداء.

الكون هندسة الزمكان

بالنسبة إلى فرضية الزمكان السوبر خلاّق، الكون يتكوّن من بُنَى أساسية هي الزمكانات التي على ضوئها تتشكّل الجُسيمات ما دون الذرية والقوى الطبيعية. باختلاف هندسات الزمكان تولد جُسيمات ما دون ذرية مختلفة و قوى طبيعية متنوّعة. بكلامٍ آخر، الجُسيمات ما دون الذرية كالإلكترون والفوتون والقوى الطبيعية كقوة الجاذبية ليست سوى هندسات زمكانية مختلفة. مثل ذلك أنَّ الجاذبية ليست سوى انحناء الزمكان. هكذا تختزل فرضية الزمكان السوبر خلاّق القوى الطبيعية والجُسيمات ما دون الذرية إلى هندسات زمكانية. على ضوء هذه الاعتبارات، الكون هندسات زمكانية.

إن كان الكون هندسة زمكانية و علماً بأنَّ الزمكان مجرّد، فحينئذٍ الكون أيضاً مجرّد رغم تجلّيه المادي. من هنا، الكون مثالي مجرّد و مادي في آن مما يفسّر لماذا تنجح النظريات العلمية المثالية والمادية في تفسير الكون رغم الاختلاف فيما بينها كنجاح النظرية العلمية التي تفسِّر الكون على أنه معلومات مجرّدة ونجاح النظرية العلمية التي تفسِّر الكون على أنه يتكوّن من ذرات مادية. فالكون مجرّد بمجردية الزمكانات التي يتكوّن منها و الكون مادي أيضاً من جراء أنَّ الاختلاف في هندسات الزمكان يؤدي إلى وجود قوى طبيعية و جُسيمات ما دون ذرية مادية كما تؤكِّد فرضية الزمكان السوبر خلاّق.

قدرة تفسيرية ناجحة

الزمكان جمع الزمان و المكان. و الزمكان سوبر خلاّق لأنه أصل الجُسيمات ما دون الذرية والقوى الطبيعية. بكلامٍ آخر، الزمكانات سوبر خلاّقة لأنها فعّالة في إنتاج الجُسيمات ما دون الذرية والقوى الطبيعية. فحين تختلف هندسات الزمكان، تختلف بذلك الجُسيمات والقوى الطبيعية. وتمتلك فرضية الزمكان السوبر خلاّق قدرة تفسيرية ناجحة مما يدلّ على صدقها. فبما أنَّ القوى الطبيعية والجُسيمات ما دون الذرية ليست سوى هندسات زمكانية مختلفة كما تؤكِّد فرضية الزمكان السوبر خلاّق، إذن من الطبيعي أن تكون الجاذبية ليست سوى انحناء الزمكان كما يقول أينشتاين. هكذا تنجح فرضية الزمكان السوبر خلاّق في تفسير لماذا الجاذبية ليست سوى هندسة زمكانية مفادها في نظرية أينشتاين العلمية أنها انحناء الزمكان. و على ضوء هذا النجاح تكتسب فرضية الزمكان السوبر خلاّق صدقها.

هندسات الزمكان و الأكوان المختلفة

هندسة الوجود بهندسات رياضية مختلفة تؤدي إلى نشوء أكوان مختلفة. فإن تغيّرت الهندسة الرياضية لعالَمنا فحينئذٍ سوف يتغيّر عالَمنا و يصبح حائزاً على حقائق وقوانين طبيعية مختلفة عما يسود في عالَمنا الحالي. و هذا لأنَّ الكون يعتمد في تكوّنه على الرياضيات الهندسية السائدة فيه. و بهذا، اختلاف هندسة الكون يحتِّم اختلاف الكون وبذلك الهندسات المتنوّعة للكون تؤدي إلى وجود أكوان مختلفة في حقائقها وأحداثها وقوانينها الطبيعية [1]. الآن، فرضية الزمكان السوبرخلاّق تنجح في التعبير عن الحقيقة العلمية السابقة. بما أنَّ، بالنسبة إلى فرضية الزمكان السوبر خلاّق، القوى الطبيعية والجُسيمات ما دون الذرية المتنوّعة ليست سوى هندسات زمكانية مختلفة، إذن مع اختلاف هندسة الزمكان تنشأ قوى طبيعية و جُسيمات مختلفة. وبذلك مع اختلاف هندسة الزمكان تولد أكوان مختلفة مما يتضمن أنَّ الهندسات الرياضية المختلفة تؤدي إلى أكوان مختلفة. هكذا فرضية الزمكان السوبر خلاّق تنجح في التعبير عن الحقيقة العلمية السابقة مما يدلّ على أنها فرضية صادقة.

الجُسيمات الافتراضية

الجُسيمات الافتراضية، ضمن نظرية ميكانيكا الكمّ العلمية، هي جُسيمات تولد من العدم و من ثمّ تختفي و تستمر صيرورة ولادتها من العدم واختفائها [2]. و فرضية الزمكان السوبر خلاّق تنجح في تفسير وجود الجُسيمات الافتراضية مما يشير إلى صدق هذه الفرضية. فبما أنَّ، بالنسبة إلى فرضية الزمكان السوبر خلاّق، الزمكان = الطاقة × الكتلة، إذن لا يوجد زمكان بلا طاقة و كتلة. وبذلك الزمكان الفارغ لا بدّ من أن يحتوي على جُسيمات ذات طاقة و كتلة كالجُسيمات الافتراضية لكي يراعي قانون عدم وجود زمكان بلا طاقة و كتلة. لذلك توجد الجُسيمات الافتراضية التي تولد من العدم و تتلاشى لتولد من جديد. هكذا تنجح فرضية الزمكان السوبر خلاّق في تفسير نشوء الجُسيمات الافتراضية.

نشوء الكون و الخلق المستمر

تنجح فرضية الزمكان السوبر خلاّق أيضاً في تفسير نشوء الكون. فبما أنَّ الزمكان = الطاقة × الكتلة بينما كلّ ما في الكون يتكوّن من طاقة و كتلة، إذن بمجرّد أن يوجد الزمكان يوجد الكون وبذلك ينشأ الكون من الزمكان. هكذا تنجح هذه الفرضية في تفسير نشوء الكون. و من المنطلق نفسه، الطاقة والكتلة وصفاتهما ليست سوى أبعاد للزمكان. فبمجرّد أن يوجد الزمكان توجد الطاقة والكتلة فيولد الكون. ولكن إن كان بمجرّد أن يوجد الزمكان، و إن كان فارغاً، توجد الطاقة والكتلة فيولد الكون، فحينئذٍ الكون يولد تماماً كما تولد الجُسيمات الافتراضية التي تنشأ من العدم و من ثمّ بسرعة هائلة تفنى وكأنها لم تكن لتنشأ من جديد و تفنى. من هنا، يتصرّف الكون و كأنه جُسيم افتراضي مما يتضمن أنَّ الكون ينشأ و يفنى في أقل من ثانية لينشأ ويفنى من جديد في صيرورة دائمة. هذا هو خلق الكون المستمر. فالكون يُخلَق ويزول في أقل من ثانية ليُخلَق من جديد ويزول في أقل من ثانية في صيرورة مستمرة. كلّ هذا يرينا أنَّ فرضية الزمكان السوبر خلاّق تتضمن الخلق المستمر للكون. وبذلك لا يوجد الكون سوى في صيرورة خلق مستمرة.

الثقوب السوداء

تتصف الثقوب السوداء بابتلاع المعلومات و زوال القوانين الطبيعية فيها و أيّ شيء يدخل في الثقب الأسود يتلاشى. فالثقوب السوداء متصفة بغياب المعلومات [3]. و تنجح فرضية الزمكان السوبر خلاّق في تفسير تَكوُّن الثقوب السوداء. فبما أنَّ، من منظور فرضية الزمكان السوبر خلاّق، الزمكان = الطاقة × الكتلة، إذن حين يزول الزمكان تزول الطاقة والكتلة مما يتضمن زوال المعلومات فزوال القوانين الطبيعية و كلّ ما يدخل في الثقب الأسود فيتكوّن حينها الثقب الأسود. من هنا، تتكوّن الثقوب السوداء من جراء زوال الزمكان الذي يتضمن زوال الطاقة والكتلة فغياب المعلومات كافة. فحين لا يُنتِج الكونُ الزمكانَ، تغيب الطاقة والكتلة فتزول المعلومات و يولد الثقب الأسود. هكذا تنجح فرضية الزمكان السوبر خلاّق في تفسير تَكوُّن الثقوب السوداء مما يُرجِّح صدقها.

فرضية علمية

بما أنَّ، بالنسبة إلى فرضية الزمكان السوبر خلاّق، الزمكان = الطاقة × الكتلة، إذن إذا وُجِد زمكان بلا أن توجد فيه طاقة و كتلة فحينها فرضية الزمكان السوبر خلاّق فرضية كاذبة. وبذلك من الممكن اختبار فرضية الزمكان السوبر خلاّق وقانونها الفيزيائي القائل بأنَّ الزمكان يساوي الطاقة مضروبة رياضياً بالكتلة مما يجعلها فرضية علمية على ضوء أنها قابلة للاختبار. لكن من المُرجَّح أنه لا يوجد زمكان بلا طاقة وكتلة مما يشير إلى صدق فرضية الزمكان السوبر خلاّق وقانونها القائل بأنَّ الزمكان = الطاقة × الكتلة. و لا يوجد زمكان بلا طاقة وكتلة لأنَّ في الزمكانات الفارغة تولد الجُسيمات الافتراضية ذات الطاقة والكتلة و من ثمّ تختفي وتستمر صيرورة ولادتها واختفائها مما يدلّ على عدم وجود زمكان بلا طاقة وكتلة. وجود الجُسيمات الافتراضية في الزمكانات الفارغة دليل على استحالة وجود زمكان بلا طاقة وكتلة تماماً كما تتنبأ بذلك فرضية الزمكان السوبر خلاّق من جراء تأكيدها على أنَّ الزمكان = الطاقة × الكتلة.

المراجع

[1] Shing-Tung Yau and Steve Nadis: The Shape of Inner Space. 2010. Basic Books.

[2] Gordon Kane: “Are Virtual Particles Really Constantly Popping in and out of Existence?´-or-Are They Merely a Mathematical Bookkeeping Device for Quantum Mechanics?” Scientific American, October 9, 2006.

[3] Leonard Susskind (Author) and James Lindesay (Contributor): An Introduction to Black Holes, Information and the String Theory Revolution: The Holographic Universe. 2004. World Scientific Publishing Company.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب فقط، ولا تعكس آراء الموقع. الموقع غير مسؤول على المعلومات الواردة في هذا المقال.

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
Oldest
Newest Most Voted
التقيمات المضمنة
عرض جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!