رسالة إلى رؤساء الأحزاب الكوردية
الكاتب: د. محمود عباس
رسالة إلى رؤساء الأحزاب الكوردية
د. محمود عباس
نرجو من الذين يجيدون القراءة أن يخبروا الذين لا يجيدونها أو لا يقرأون.
ولعلمنا المسبق أن الظروف القاهرة المفروضة عليكم فتحت المجال لنا توجيه سيلٍ من الانتقادات إليكم حول ما يجري على ساحة غرب كردستان!
كتبنا وكتبت جميع الأقلام الكردية عن خلافاتكم الحزبية، ومدى تغلغل السلطة الشمولية في أجسام أحزابكم، وكيف تدار من قبلها، وتدرك الأغلبية أنها أحزاب فرضت عليها قوى متسلطة، عدوة وصديقة، أن تكون شبه ميتة في كثيره، لكن وللأسف هناك من يحرك هذه الجثث ليستفيد منها، وكم من الجثث تستفاد منها في المشرحة، ومن ضمن المستفيدين القوى الكردستانية أيضا، حتى ولو كانوا بذاتهم تابعين لقوى خارجية، مع ذلك نوجه ندائنا على أمل أن نحيي أشباه الأموات، ونوقظ الغارقين من السبات الشتوي، والكل يعلم كيف ومن أوقظ البعض منكم فأصبح ماردا بين ليلة وضحاها، والبعض تحرك بعد موت سريري، رغمها، سنوجه الكلام إليكم كحركة سياسية لغرب كردستان لا تزال فيها أمل. فمن حظ الشعب الكردي العاثر أنه أعدم كل بدائلكم.
لا شك أنكم تدركون أن الإشكالية ليست في نسبة التمثيل، في المجلس الوطني الكردي والذي بدوره سيمثل أقل من النصف في الإدارة الذاتية، أي عمليا بدون هيبة، بل في القوة التي تفرض عليكم بعدم الاتفاق على شيء.
ندعوكم، إلى التحرر الذاتي قبل كل شيء، ومن ثم إلى مراجعة الخلاف على النسبة التي كانت بينكم وبين أل ب ي د قبل ثلاث سنوات، حينها لم توافقوا على أن يحصل أل ب ي د على نسبة أعلى ب 15% من نسبة أحد الأحزاب التي لا تتعدى أشخاصها إطار القيادة، واليوم جميع الأحزاب تطالب أن تشترك (مجرد اشتراك) في الإدارة الذاتية ضمن الكانتونات التي رفضتموها على مدار السنتين الماضيتين، وبألف حجة، ورغم ذلك من الجميل أن يكون هناك أتفاق على الأبواب.
نطالبكم أن يعلوا لديكم الوعي الوطني، لتتجاوزوا البعد الحزبي، والأهمية تكمن بحضور المجلس، مادامت لا توجد انتخابات شعبية أو بين أعضاء الأحزاب، فالتمثيل بكليته شكلي، ولا يختلف إن كان بشخص أو بخمسين شخص، فالرأي سيكون مفروضا حسب القوة المهيمنة الحقيقية على الأرض، وهي خارج إطار الأغلبية أو الأقلية. وكلكم تعرفون هذا، وثقلكم الحزبي لا يأتي من خلال التمثيل بل بمدى شعبيتكم، واستقلالية الرأي، واعتراف الشعب بكم وما تقدمونه من خدمات له.
حريِ بكم البحث عن حلقات الربط مع القوة الحقيقية المستخدمة ركيزتها العسكرية على الأرض، ونقصد أل ب ي د والتي بيدها الإدارة، فخلافاتكم أصبحت تفوح منها الكثير، مثلها مثل استراتيجية ألـ ب ي د التابعة للهلال الشيعي، وهي أدنى من أن يبتلعها الشعب، فيما إذا كان لديكم اعتبار للأخير، فحتى الأن لا تظهر سوى التباهي المبني على اللاشيء، بذاتكم على أنكم ماهية وتمثلون سياسة! والنجاحات الجارية الضئيلة بهذه النوعية من التعامل والتقاربات السياسية، ستثبت آنيتها مستقبلاً، ولا تؤكد على انتصار قادم.
أعزائي رؤساء الأحزاب المختلفون على المناصب الوهمية.
كوباني على المحك ولا تزال المعركة جارية ولم تنتهي، والشهداء يتساقطون من الكل الكردستاني، ويخر لدمائهم وتضحياتهم الشعب بكليته متناسين الأبعاد السياسية والاختلافات الدونية، المنطقة كلها بيد الأشرار، والباقية ربما ثلثي المدينة، ويقال إن القرى تباع لمستقدمين. وعفرين يخططون لها، وشنكال بإيزيدييها في غياهب الدجى، وكردستان تحت مؤامرة لا تزال قائمة، أكبر من أن تقف عند حدود سجالاتكم السفسطائية، وخلافاتكم مع أل ب ي د والتي ستكون في أشده في الفترة القادمة. وأول الأسباب: هي الأجندات الخارجية قبل الكردستانية.
بدون التعمق في التأويلات، عادة منطق المحاصصة بين القوى السياسية، تؤخذ في الاعتبار، القاعدة الجماهيرية، والتي هي ضحلة بالنسبة لجميع الأحزاب المختلفة والموجودة على ساحة غرب كردستان، رغم ما يبان من ضجيج مفتعل لإبرازهم، فوجودكم حضور لا حول له، وسببه عدم وجود البديل الذي فرضكم السلطة الشمولية وبهذه النوعية، وأعدمت كل بديل ممكن، فوجود الأحزاب الحاضرة، كعدم وجود البديل للسلطة السورية والتي تستخدمها الدول الكبرى ذريعة مقنعة لبقاء بشار الأسد حتى اليوم.
لا يمكن من خلال كل الاعتبارات، أن تكون حصة الديمقراطي الكردستاني كحصة الأحزاب التي لا وجود لهم إلا من خلال رئيسهم فقط. ونترفع عن ذكر الأسماء….وقد تعيدون تاريخ المحاصصة المذكورة سابقا.
فإذا كانت النية وطنية والغاية صادقة، فالخلافات يجب تجاوزها، وبعض الأحزاب لا يحق لها سوى أن تكون تابعة، نعم تابعة أو تحل ذاتها وتنضم إلى الأقرب إليها، إذا كانت الغاية فكرية وطنية، وليست أنانية وحب الذات، هؤلاء لا يحق لهم المساواة بالحزبين الديمقراطي واليكيتي، والكل يعلم أحجام الأحزاب والبنية الجماهيرية على الأقل بأبعادها التقريبية.
لكن وبناءً على ما يجري، لا نستبعد أيادي خارجية في تفعيل الخلافات وعدم بلوغ اتفاق.
ومن القوى الخارجية، تلك التي كانت قبل سنوات سببا في ظهور كل الانشقاقات والانشطارات، نستثني منها الفكرية، إن كانت موجودة! والتي خلقت ثقافة الخلافات والأنا، ورسختها لتظهر في كل محفل وطني.
وبالمناسبة، كل ما سيحصل وينتج عن هذه التركيبة، هي تشكيل هيئة ضمن الإدارة الذاتية، التي كان الكل ضدها قبل شهور، البعض يدرجونها على أنها ستمثل القوة في إعطاء القرارات القادمة، ونقولها بينوا لنا قرارا واحدا خرج من لدن الأحزاب بدون أن تكون مخططة من الخارج ومقررة نيابة عنهم ومفروضة بأجندات غير كردية، أنه تمثيل مشابه في كثيره لتمثيل الأحزاب التي كانت تشكل الجبهة الوطنية التقدمية في زمن المقبور حافظ الأسد، وجود كعدمه.
نتمنى من الجميع الاستيقاظ من سباتهم، فالشعب استيقظ منذ سنوات، والثورات المتكررة نبههم على كل ما يحصل، وقريبا ستشملكم الاجتياح الثوري إذا لم تتداركوا أوضاعكم وخلافاتكم وسياستكم المهترئة.
بالمناسبة، أين بقيت الفيدرالية التي كنتم تطالبون بها، وتصارعتم من أجلها مع المعارضة العربية وقدمتموها كبنود لا محيد عنها في الأروقة الدبلوماسية العالمية التي وصلتم إليها يوما ما بفضل البعض، وهل ما يجري هي أجندات مفروضة لتخليكم عن هذا المطلب الكردي؟
طعم بسيط في الشراكة ضمن كانتونات لا تؤمنون بها أنساكم المطلب الكردي، وتعلمون أن الكانتونات كما يعلن عنها الإخوة في أل ب ي د ليست كردية، وهي أممية وتشمل العرب والسريان وغيرهم من الشرائح المتواجدة في غرب كردستان، وهي بحد ذاتها وثيقة مؤكدة على أننا وافدون إلى المنطقة كما تدعي السلطة في دمشق والمعارضة العروبية، وهذا هو المبتغى من قبل أعداء الكرد. فإلى جانب نسبتكم ستكون نسبة مماثلة من الأخرين، بما معناه تبنى منطقة أممية وليست قومية كردية ولا وطنية، فمشاركتكم للإدارة هي مشاركة غير مباشرة لسلطة تابعة لدمشق.
ورغم كل هذا، فالشعب ينتظر منكم خطوة قادمة وطنية، خارج الغايات الذاتية الحزبية، لتبدأوا بالخطوة التالية والأهم، وهي تشكيل شراكة في الإدارة الذاتية رغم كل الانتقادات.
آملين من ورائها ظهور قوة كردية تمثل الشعب وليست الأحزاب للدفاع عن الوطن ضد الار*ها*بين التكفيريين والسلطة الشمولية.
د. محمود عباس
الولايات المتحدة الأمريكية
[email protected]..