المسيحون العراقيون (5)
الكاتب: عبدالله النوفلي
المسيحيون العراقيون
الواقع وآفاق المستقبل في العراق (5)
نوهنا في أربع حلقات سبقت هذه بالكثير من المشاكل والسلبيات التي يعيشها أو يعاني منها شعبنا المسيحي، منها ما هو كشعب السبب فيها ومنها ماهو بتأثير قوى خارجية سواء من الكتل السياسية أو الأحزاب او التنظيمات وحتى منها المجاميع الار*ها*بية التي تعيث في أرض العراق فسادا، وجعلت من شعبنا ينطوي على نفسه وأحيانا لا يعرف ما يريد وإن حدد سقف مطالبه مثلا كما حدث في مؤتمر عينكاوا 2007 نجد الكثير من أبناء شعبنا من وقف بالضد ونعت هذا المؤتمر بالعمالة لهذه الجهة أو تلك ولسان قوله أن مقررات المؤتمر لم تكن للذين حضروا وناقشوا وقرروا بل أنها كانت معدة سلفا وما على الحاضرين سوى أقرارها.
إذا شعبنا لم يقف مكتوف الأيدي وكانت هناك قوى تعمل وتفكر بغية إيجاد الحلول، فقد عشنا بعدما حدث للعراق في 2003 في دوامة لا نعرف ماذا نريد، وأصبحنا نذهب عند هذا المسؤول أو ذاك كل على حدة وكل منا له مطاليب تختلف عن غيره، بحيث احتار المسؤولين بنا وحيرناهم على أمرنا وكم من مرة قالوا لمن زارهم اذهبوا ووحدوا مطاليبكم وعودوا الينا كي نرى شأن ما تريدون، وسياسيونا بقوا في وادٍ ومرجعيات دينية وعلمانية بقيت كل في وادٍ يخصها ولا يوجد من ينسق أعمالها أو يعمل بأخلاص نية كي يوحد مطاليبها ويقرب في وجهات نظرها كي نبدو على الأقل أمة متحضرة أمام غيرنا من العراقيين على الأقل وأمام الأجانب من جهة أخرى، وأزاء ذلك كان بعض رجالات الدين ينادي باسم دون غيره، وأنا حضرت مراسيم دينية لأحدهم في بغداد في ظل ضروف أمنية مشددة آنذاك وخلال كرازته ذكر أسم أمته ربما أكثر مما ذكر أسم ربنا يسوع المسيح له المجد؟ وليس هذا فقط وإنما يوما كنت في جلسة في حديقة داري وكانت أحداث 2003 طرية بعد، وفي تلك الجلسة جمعتني مع أحد رجالات الدين الذي بعد ذلك عرفت أنه يقدس أسم أمته أكثر من أي شيء رغم كونه رجل دين من كثرة ما ردد الأسم الذي يحبه على مسامعي، اضطررت حينها وقلت له: رابي أنك رجل دين وعليك أن تتكلم عن المسيح أكثر مما تتكلم عن الأسم الذي تذكره دوما رغم أعتزازنا به، وبدلا من يوافقني القول قال لي بالحرف الواحد: لا يا شماس، أومتا أومتا …!!!
فإن كان رجالات الدين يقدمون الأمة على المعتقد الذي ضحى من أجله المسيح بنفسه على عود الصليب، فما بالنا بالناس البسطاء أو بالسياسيين الذين تحركهم المصالح المادية البحتة!!! إنها حقيقة مأساة ربما نحتاج لعمل دؤوب ومتعب كثيرا كي نعيد الأمور لمسارها ويبقى المسيح لرجالات الدين كي يقدموه بأبهى صورة للمؤمنين به ولغيرهم وتبقى الأمة للعلمانيين والسياسيين كي يعيدوا أمجاد من سبقوهم وجعلوا للأمة أسما شغل العالم يوما وبنى حضارة عظيمة على أرض ما بين النهرين الخالدة.
وعلى كل منا أن لا يخلط الأمور على هواه فليس المسيح حكرا على شعب دون غيره وليست العذراء هي الأخرى حكرا على شعب دون غيره لأن المسيح قال للتلميذ الذي يحبه هذه أمك، ولها قال هذا ابنك ولم يقول لها هذا يوحنا ابنك، كي نقول جميعا أنه أعطانا كلنا أياها، وعندها ستكون العذراء سيدة على الكلدان وسيدة على الآثوريين وعلى جميع البشر لأنها سيدة نساء العالمين وبدلا من يُسيس رجال الدين اسمها كونها مختصة بأمة دون أخرى لنجعل منها أمة لجميعنا ونقدسها ونحترمها ونطلب شفاعتها كي ينجّي الله شعبنا المسيحي من كل هذه الويلات التي عانى وما زال يعاني.
كما وسبق أن نوهت في مقالة سابقة لي عن خطأ تسمية كنيسة بشعب معين كما هو حال كنائس العراق حاليا، بقولنا: كنيسة الكلدان .. كنيسة المشرق الآشورية … وغيرها من التسميات التي تحصر المسيح وكنيسته بشعب صغير نسبيا قياسا بالسبعة مليارات من البشر الرقم الذي وصل إليه سكان الأرض مؤخرا، لأن المسيح لم يأتي للكلدان دون غيرهم ولا للآشوريين بل قال لتلاميذه اذهبوا وتلمذوا كل البشر وعمدوهم باسم الآب والابن والروح القدس.
واليوم أيضا نجد من أبناء شعبنا من ينحاز لجهة دون أخرى وهذه خسارة ما بعدها خسارة خاصة إذا كان الانحياز إلى قوى خارجية متوهمين أنهم يقدمون لشعبنا المسيحي الحماية !!!!، لكن لو لجأنا إلى أبناء بيتنا وتفاهمنا معهم بعقلانية ومحاورة حكيمة وبمطالب وطنية واضحة، وربما نحتاج للأصدقاء من هنا او هناك كي يكونوا الضامنين لحقنا وأبداء المشورة كي نصل إلى الرأي السديد وننجح في بناء بيتنا المسيحي الآمن ونوقف كل أشكال النزيف من شعبنا رغم ما يوجد على الأرض من دلائل وممارسات كلها لا تبشر بخير، لكن حماية الأجنبي لا تدوم إلى ما لا نهاية كما أن الأجنبي لا يقدم شيئا لغيره دون وجود مصالح أو مكاسب من ذلك، وإن كنا اليوم نشعر في بلدنا كوننا مواطنين من الدرجات الدنيا فمع سلطة الأجنبي سنصبح مواطنين لكن بدون كيان لأن الأجنبي متى ما قدم لنا الدعم فإنه سيوفر لنفسه الضمانات التي أقل ما يقال عنها أذلال الشعب الخاضع تحت حمايته، وعلينا التفكير أن هذه الحماية أو الوصاية سوف لن تدوم إلى الأبد وعلينا ترتيب أوراقنا مع من هم حولنا لكي نستمر بالعيش، وإلا سنقول يوما مع الحكيم العربي: لات ساعة مندمٍ.
وللحديث صلة
عبدالله النوفلي
..