الكادر الفني الوسطي
الكاتب: نزار ملاخا
الكادر الفني الوسطي في العراق وآفاق المستقبل
نزار ملاخا
مما لا شك فيه أن الدراسة في الوطن العربي قاطبة لم تكن بمستوى الطموح ، وهي بدرجاتها القصوى أدنى من اية دراسة في بلدان أوروبا أو أمريكا، عدا الدول مثل تركيا و رومانيا وبلغاريا ويوغوسلافيا وجيكوسلوفاكيا قبل الإنشطار أيضاً و روسيا وغيرها، حيث كان الحاصل على شهادة في اي أختصاص من جامعات هذه الدول محل تندر وعدم أهتمام في العراق وذلك لضعف الدراسة فيها ولربما شراء الشهادة بدون أية معلومات ، ومع كل هذا لم نكن نلاحظ إقبال الطلاب الأوروبيين والأمريكان على جامعات الدول العربية وبضمنها العراق ، لا بل أن طلاب الدول العربية كانوا ومازالوا يفتخرون بحصولهم على الشهادات الجامعية الأولية أو حتى الدراسات العليا من أوروبا او امريكا ، وكان المتخرج وأهله يفتخرون بذلك ، كما كان أصدقاء المتخرج يفتخرون به ايضاً وحتى من يعمل معه ، كأن يقول أن ولدي خريج امريكا ، او صديقي متخرج من المانيا أو ذهبتُ إلى طبيب فاهم جداً لأنه خريج لندن ، وما حالات العلاج خارج القطر إلا واحدة من هذه .
العراق وحسب تقديري كان على رأس قائمة الدول العربية من حيث العلم والمعرفة وقوة الشهادة الجامعية ، ومن حيث الضبط المدرسي والتعليمي ، فكانت الجامعات العراقية اشهر من نار على علم في الدول العربية وبعض الدول الأوروبية وكانت لا تقبل طلاباً إلا وفق معدل عالٍ جداً، فعلى سبيل المثال كليات الطب في العراق كانت تحدد معدلات القبول فوق تسعين بالمائة ، بينما كليات الهندسة كان معدل القبول فيها كل طالب يتجاوز معدله أكثر من خمس وسبعين بالمائة، كما كان المعلمين والمدرسين والأساتذة الجامعيين العراقيين معروفين بشدة إلتزامهم التام بإيصال العلم والمعرفة للطلاب ومنح المستحق منهم درجة النجاح، ولم تكن هناك استثناءات كتأثير السلطة أو الرشوة أو غيرها، لقد كان ضمير الأستاذ هو الحَكَم .
وكانت الجامعات العراقية تُخرّج طُلاباً يُشار إليهم بالبنان، وكان خريجوا الجامعات العراقية من الطلاب العرب يفتخرون بتخرجهم من جامعات بغداد ، وهناك عدد من المتخرجين من الجامعات العراقية أو الكلية العسكرية العراقية أو كلية القوة الجوية العراقية أصبحوا رؤساء جمهوريات في بلدانهم ، وقد وصلت قدرة الطبيب العراقي وشهرته طبقت الآفاق ، بحيث أنه في عدد من الحالات التي يسافر فيها بعض المرضى للعلاج وخصوصاً إلى لندن كانوا يسألونه عن سبب القدوم من بغداد وعندهم أطباء ، وكانوا يذكرونهم بالأسماء أمثال الدكتور المرحوم فؤاد أودو أخصائي القلبية والدكتور لبيب حسو والدكتور رافد صبحي أديب والدكتور وليد غزالة وشوقي غزالة وغيرهم كُثر . لذلك كان التعليم في العراق في أعلى الدرجات قياساً إلى الدول العربية قاطبة وبعض الدول الأخرى التي ذكرناها سابقاً ،
أما عن حال الطلبة غير المقبولين في الجامعات العراقية فكان مصيرهم التوجه إلى المعاهد ومؤسسة المعاهد الفنية ، ومن كانت لديه القدرة المالية كان يسافر إلى مصر أو روسيا أو بلغاريا أو تركيا وغيرها للدراسة هناك وعلى نفقته الخاصة أو على نفقة بعض الأحزاب ممن لديهم مقاعد مخصصة في جامعات هذه الدول كالحزب الشيوعي العراقي .واليوم وبعد الأحتلال وتنامي قدرة الار*ها*ب في العراق حيث طالت يد الغدر والظلم جميع الكوادر العراقية بدون أستثناء وفي كل التخصصات ، هرب من اسعفهم الحظ من الأطباء والتدريسيين والمهندسين وذوي الكفاءات خارج القطرخوفاً من التصفية والأغتيال ، وقد أُهين العْلم والعُلماء في العراق وأستُبيحت دمائهم ،لذلك نرى الكثير من جامعات العالم العربية والأجنبية قد فتحت ابوابها وذراعيها لأستقبال هذا الكادر النادر ، ومن خلالهم أرتفعت نسبة التعليم والكفاءات والثقة في البلدان التي توجهوا إليها، فقمنا نسمع عن إجراء عمليات جراحية معقدة في البلد الفلاني أو المستشفى الملكي الفلاني، أو رُقي في معلومات الجامعة العربية الفلانية، وعند التأكد نرى أن غالبية الكادر هو عراقي صرف وهناك جامعات عربية كادرها مائة بالمائة عراقي صرف ، كما أن هناك جامعات، كالجامعة العربية المفتوحة في شمال أمريكا وكندا وجامعة لاهاي كادرها التدريسي هم من الفلاسفة العراقيين، أمثال البروفسور عبدالله مرقس رابي والدكتور تيسير الآلوسي وغيرهم الكثيرين ، وبذلك أرتفعت نسبة الثقة بهذه الجامعات بعد أنتماء الفلاسفة والعلماء والتدريسيين العراقيين إليها .
من هذه المقدمة المختصرة نود الولوج إلى موضوع الطلبة في العراق الذين لم يسعفهم الحظ في ثلاث : ـــ
1 – عدم حصولهم على المعدل الكافي للقبول في الكليات في تلك السنة أي سنة تخرجهم ، حيث كانت المعدلات عرضة للتذبذب حسب أستيعاب الكليات والحاجة و نسبة المتخرجين من الدراسات الإعدادية بفروعها المختلفة ( العلمي ، الأدبي ، التجاري ، الصناعي والزراعي )
2 – ممن ليس لديهم القدرة المالية للسفر خارج العراق أو الدراسة على نفقتهم الخاصة ، خاصة في تلك الحقبة حيث لم تكن هناك جامعات أهلية عراقية قد تأسست بعد .
3- ممن لم ينتمِ إلى اي حزب سياسي ولم يحصل على مقعد دراسي على حساب تلك الأحزاب .
فآمنوا بما قسم لهم وفُتحت أمامهم فرصة القبول في ما سمي بالمعاهد الفنية .
وقد تبعت هذه الدراسة في قسم منها ( واعتقد أن معهد الصحة العالي والمعهد الطبي الفني لم يكونا ضمن هذه المؤسسة ) إلى مؤسسة سميت بمؤسسة المعاهد الفنية وكانت الدراسة فيها على شكلين أما ثلاث سنوات دراسية أو سنتين تقويميتين والتي تعادل ثلاث سنوات دراسية ، بينما الدراسة الجامعية كانت تبتدئ بأربع سنوات دراسية وليس تقويمية .( وفاتنا أن نذكر أنه كان هناك معهد بأسم معهد الهندسة التطبيقية العالي تخرج منه الطلبة بعد ذلك فتحت لهم نقابة المهندسين العراقية دورة خاصة في كلية الهندسة أمدها سنتان تخرجوا بصفة مهندس ولم تتكرر هذه الحالة ثانية )
بعد أن تخرج كادر هائل من هذه المعاهد سمي بالكادر الفني الوسطي وتم قبولهم في مؤسسات الدولة وكانوا يُمنحون درجات وظيفية خاصة تبتدئ ب معاون ملاحظ ، وتأسست لهم نقابة سميت ب ( نقابة ذوي المهن الهندسية الفنية ) ثم ما لبثت ان أُلغيت ، فكان مصير هذا الكادر الضياع حيث لا هو من الناحية العملية ضمن النقابات العمالية ولا هو من الناحية العلمية ضمن نقابة المهندسين العراقية ، فأصبح كادر مُهمَل وهو يتحمل أعباء ومسؤوليات جسام في إدارة دفة العمل، كما أستلم زمام القيادة في الكثير من المواقع العملية والمصانع والمؤسسات، ومن الجدير بالذكر أن الكثير من الدول العربية وبعض الدول الأوروبية قد أنصفت هذه الشريحة من الخريجين، وذلك بعد دراسات مستفيضة توصلت إلى قناعات منها فترة الدراسة وعدد السنين وتقاربها من الدراسة الجامعية وتقارب المواد المنهجية ، بينما كان القبول في الجامعات العراقية يتذبذب بين عدد خريجي الدراسة الإعداية لتلك السنة، وكانت شروط القبول تخضع لعدة أعتبارات تضعها الكلية أو الجامعة على أن لا تخرج عن الخط العام للدولة أو بتدخل السلطة والحكومة، ويمكن أن يكون هناك استثناءاً لهذه القاعدة، كأن يكون ابن شهيد أو والده بدرجة حزبية عالية أو يحصل على تزكية من مسؤول كبير في الدولة أو توصية بقبوله بغض النظر عن المعدل ، فكان هناك من يجمع نقاط ويحصل على معدل يبلغ مائة وعشرين بالمائة او أكثر من ذلك ،
في الواقع إن هذه الشريحة من الكادر الفني الوسطي لم ينل حقه بالكامل ، فهناك قسمان : ـــ
1- منهم في العراق فقد معظم هؤلاء الخريجين حظهم في التقييم الحقيقي وتناسوا أتعابهم والسنين الطويلة التي أمضوها في الدراسة وندبوا سوء حظهم لعدم قبولهم في الكليات العلمية وذلك بفارق نقطة أو نقطتين في المعدل ، وبدأوا يطرقون ابواب مؤسسات الدولة للتعيين ، وهناك صعوبات كثيرة في ذلك يعاني منها الطالب للتعيين، كان يكون من القومية الفلانية أو المذهب الفلاني أو الدين الفلاني أو الحزب الفلاني ، وكأن تكون كلية العلوم أو الهندسة أو الطب مغلقة لصالح الحزب الفلاني ، أو ان لا يتم قبول هؤلاء الخريجين في المحافظة الفلانية لكونها تخضع إلى نسبة تواجد القوميات فيها ، أو كان ما يسمى بتعريب المحافظة ، ومن يجد له فرصة عمل كمن وجد له بيتاً في الجنة ، وكانت التعيينات في الدوائر النفطية في المحافظات الشمالية لغير العرب فرصة تاريخية نادرة جداً ولا يحظى بها إلا القلة القليلة النادرة وبقدرة قادر وبتزكيات وتوصيات وشق الأنفس .
2- في الدول الأوروبية وبعض الدول العربية : ــ أخذ هؤلاء الخريجين فرصتهم كاملة ونالوا حقوقهم بالكامل ، حيث مُنحوا لقب ” مهندس ” ايضاً إسوة بخريجي الكليات الهندسية ، ولكن برواتب تختلف ومسؤوليات تختلف وتسمية مختلفة ، حيث يحمل خريج المعهد لقب ” مهندس دبلوم ” ويعاملونه معاملة تليق بدراسته وشهادته ، فالمهندس يختلف عن المهندس الآخر وكل له مواصفات عمله وحدود مسؤولياته معتمدين في تقييم ذلك على عدد السنين التي قضاها في الدراسة معتبرين كل دراسة بعد الإعدادية هي دراسة جامعية .وقد أستوفى خريجي هذه المعاهد حقهم في التعيين والتقييم والأعتبار .وهذه جارية لحد الآن في الكثير من الدول العربية وحتى الأوروبية .يستغرب خريجي المعاهد العراقية عندما طافوا بلدان العالم هرباً من جحيم الار*ها*ب الذي طال العراق ، وكلهم طاقة ومقدرة وكفاءة، ولمسوا حجم المعاملة الحقيقية عندما تمت معاملتهم كمهندسن دبلوم وتعيينهم وفق تلك الضوابط ، فندبوا حضهم وتأسفوا على تلك السنين التي ضاعت هباءاً وميّزوا بين سنوات الضياع التي قضوها في العراق وبين العيش بكامل الحقوق التي يقضونها في هذه البلدان ، وسؤال بسيط لمقدار الراتب الذي كان يتقاضاه هذا المتخرج في ليبيا أو الجزائر أو السعودية أو الإمارات مقارنة لما كان يتقاضاه في العراق سيصاب الإنسان بالذهول ولن يصدق مطلقاً لأن النسبة تكاد تصل أو تفوق الألف بالمائة
3- المهم في ذلك نداء موجه إلى جامعات العراق ، إلى متى تنصفون هذه الشريحة ومتى ينالون حقوقهم كاملةً، ومتى يحق لهم حمل لقب مهندس بين قوسين دبلوم إسوة بالدول التي تمنح هذا اللقب، ولكي يستريحوا بعد جهد من الدراسة أو ان يتم إلغاء مؤسسة المعاهد الفنية والمعاهد ككل ليتم القبول في الكليات فقط
4- من سيكون المبادر الأول ويستغل فرصة السبق ؟ جامعات الأقليم أم جامعات المركز ؟
5- كان القبول في هذه المعاهد يتم على اساس المعدل وكان أدنى معدل للقبول هو أعلى من معدلات القبول في الكليات مثل كلية الحقوق والإدارة والإقتصاد وغيرها ،
ولنا موقف مع الجامعات الأهلية مستقبلاً
..