مقالات دينية

الطوباوي ربان باباي الملفان

الكاتب: وردا اسحاق

الطوباوي ربان باباي الملفان

إعداد / وردا أسحاق قلّو

سمي الطوباوي ربان باباي بالملفان لكونه رجلاً نيّر العقل ، قوي الشكيمة ، سليم البنية ، متناسق التركيب ، ويقال أن صوته كان عذباً وعالياً مثل البوق .كما كان متحلياً بالعفة والطهارة والمحبة واللطف والوداعة والتواضع العميق . ولهذه المحاسن برز في الأزمنة الأخيرة مثل ملافنة الأجيال الأولى ، وكانت كثرة فضائله تشيد باسمه ، وهو الذي جدد كل القوانين والأنظمة المدرسية التي كانت قد انحطت من جراء الأنحلال والأهمال ، فأعاد إليها مجدها التليد .

 مار باباي ليس باباي الكبير الذي ولد في بيث عيناثا سنة 553، بل ولد في مدينة جبيلتا أو جبيلة الواقعة في مقاطعة بيث كرماي شرق تكريت ، وقد استملك الخليفة المتوكل جبيلتا لغرض إنجاز مشروع النهر الجعفري سنة 860م ، أي أقل من عشر سنوات من تأليف كتاب الرؤساء من قبل مار توما أسقف المرج . قام مار باباي أولاً في تلك المدينة بعمل روحي وهذب أولاداً نشيطين يسيرون في أثر أبيهم الروحي ، فأصبحوا خير ورثة لهذا الأب الحكيم . عاش الربان باباي في عهد صليبا زخا الجاثليق . وتشهد في ذلك الأسئلة التي وجهها إلى الجاثليق تتناول مواضيع مختلفة .

قام مار باباي بإعادة تنظيم الطقوس والتراتيل ترتيباً متناسقاً مع أنغام وألحان عذبة المنسجمة مع الفن الموسيقي فصار في أمور عدة أباً للمعلمين ومعلماً للحكماء . ثم ترك جبيلتا ومدرستها لتلاميذ نشيطين لكي يذهب إلى حدياب ( أربيل ) ويؤسس فيها مدرسة كبيرة وشهيرة في كفر عوزيل ( على الأرجح قرية ” سريس عزيز ” ) فأسس فيها أربعاً وعشرون مدرسة ، وهذه المدارس مذكورة بأسمائها ومواقعها في كتاب الرؤساء ص 127- 128 .

كان لمار باباي مقالات وتعاليم كثيرة تبرهن على أنه كان وافر المعرفة ، ومتبحراً في النظريات ، وله أثنان وعشرون ترجاماً مرتباً على الحروف الأبجدية يقولها الصبيان في عيد السعانين . وتعازٍ وبركات مرتبة على الألفباء . ورسائل كثيرة موجهة إلى أشخاص عديدين  . وبركات مسهبة تقال على الأختان والعرائس . لأنه كان معتاداً أن يحضر مراسيم تذكار القديس مار يعقوب مؤسس دير بيث عابي ، فقد ألف في مدح هذا الشخص أثنين وعشرون أنشودة مرتبة على لحن ” السر العظيم “ وعمل فرعاً بديلاً لأنشودة ” أيامي قد طارت ” و ” هوذا للموتى “ بأثني عشر أغنية ، وأخرى في مدح مار نسطوريس مطلعها ” في سبيل الأبرار ” هذا عدا تأليفات أخرى كتبها الملفان الطوباوي  .

ترك تلك المنطقة وذهب إلى مدينته الجبيلتا وهناك بشيخةٍ عميقة استراح من أتعابه وهو مزدان بكل الأعمال الإلهية المُرضية لربه . فرقد في تربة أبائه ودفن جثمانه الطاهر الزكي في الكنيسة التي تعلم وعلم . وقد حفظت له مكافأة مجيدة في يوم ظهور ربنا مع قيورا ( تلميذ القديس مار أفرام السرياني ، الملفان الكبير )  ومع نرساي ويوحنان وأبراهام الذين أستنار بتعليمهم وأنار وعلى نهجهم سار . ويروي عنه إنه حيثما كان معلماً في كفرعوزيل جاءته أم أبراهام الأعرج من بيث صيداي وهي حاملة ابنها ، وأخذت تبكي أمامه قائلة ” يا سيدي صلي على هذا نصف إنسان الذي ولدته ” وحينما وضع عليه يده ، قال ( إن هذا ليس نصف إنسان ، إنما سيصبح أبا الآباء ورئيس الملافنة وينشر اسمه وعلمه في المشرق كله ) وقد تحقق ذلك كما يغرف الجميع . وفي زمان شيخوخته عندما ذهب غلى مدينته ، القى سؤالاً على الطلاب المتجمهرين حوله ، ولا نعرف ماذا كان السؤال ، ولم يقدر أحد منهم أن يعطي له حلاً . فشرع باباي يبكي ويلطم على وجهه وينتف شعر رأسه ويصرخ قائلاً : ( ألويل لي أنا أعمى الخطيئة . لقد ظننت أني خلفت ورثة فاضلين في الكنيسة ، ولكن كمثل ذلك الذي زرع وليحصد ، هكذا حدث لي أنا الشقي والغبي لأني لم أفرح بعملي ) .

كان أمام القديس صبي نابه جداً أسمه كوريا . ولأن النعمة الإلهية معتادة أن تسبق ذويها وأن تفرز طالبي الحكمة الروحية . فقد تملكت هذا الصبي ، فقال لربان بابان : ( لعل السؤال الذي سألته هو هكذا سيدي ؟ ) ، فأجاب الشيخ وهو يطرب فرحاً وقال : ( آه من هذا ؟ ) فقالوا له إنه كوريا ( ومعنى اسمه بالسريانية ” الجرو ” ) فأمر أن يدنو منه ، فوضع يديهِ وفمه على رأس الصبي وقال جذلاً : ( صلوا لأجل هذا الجرو فأنه سيصير كلباً كبيراً ) . وقد تحقق هذا أيضاً له ، حسب قول الشيخ المبارك , فبعد موت ربان باباي صار كوريا معلماً خلفاً له وأقتدى أثر معلمه في تعليمه وسيرته ، وكلا جسديهما موضوعان في تلك الكنيسة المقدسة .

ليكن ذكرهما للبركة ولتساعدنا صلواتهما ، آمين.

 

مقالات ذات صلة

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
التقيمات المضمنة
عرض جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!