مقالات

العلاقة بين اليهود وحائكي السجاد في رواية بازيريك للماجدي

قبل أن تصدر رواية بازيريك للصديق الشاعر والصحفي عبد الرحمن الماجدي أرسل لي نسخة للاطلاع، للأسف بسبب الترحال وعدم الاستقرار لم اقرأها. وظل احساس بالذنب يلاحقني حول روايته. صدرت الرواية في نهاية عام 2021 بـ 228 صفحة بالقطع الكبير، عن دار مخطوطات، بهولندا. عدت وطلبت منه النسخة الصادرة وأكرمني بنسخة رقمية.

الكاتب، أي الصديق الماجدي شاعر مقل، ليس فقط شاعراً مقلاً بل شاعر قصيدة نثر في عمومها قصيرة، أخذه العمل الصحفي لفترة طويلة، وها هو يأتي الى عالم الرواية الذي يطلب رواية حكاية أو حكايات وهو إضافة لما ذكرت شخص قليل الكلام.
لم يخطر في بالي إلى ما يشير اسم الرواية الغريب لكني توقعت أنه فارسي، فقد حدثني مرات عدة عن رحلته، وربما أكثر من مرة، لبلاد فارس.

تبدأ الرواية من هولندا، حيث يقيم الكاتب وبطل الرواية وتذهب إلى إيران ثم تعود أحداثها إلى هولندا.. وحكايتها تبدأ من اعلان يأتي لبيت الراوي في مدينة إيدي الهولندية يعلن عن تخفيضات في محل سجاد في المدينة اسمه بازيريك.
ومن هنا يبدأ تعرفه على المحل وصاحبه الإيراني الذي جاء لاجئا إنسانيا لهولندا ولم شمل عائلته لاحقا. زوج ابنته لابن أخيه رضا الذي سيكون شخصا رئيسيا في الرواية. نتعرف من خلال محل السجاد على الموظفة السورينامية التي تعمل فيه وظني أن اختيار هذه الشخصية كان مقصوداً لإظهار العلاقة الاستعمارية بين هولندا وسورينام التي تعتبر أصغر دولة في أمريكا الجنوبية ومن أكثر الدول فقراً ويتحدث سكانها الهولندية وظلت هناك علاقة قانونية بين سكانها والبلد المستعمر لفترة طويلة.
من خلال زيارات الراوي لمحل السجاد، يعرفنا على أنواع السجاد الفارسي ونعرف خلال ذلك أن بازيريك سجادة مشهورة ومعروفة وتنسج يدويا وتقلد باستمرار. بعد تردد على المحل وقيام علاقة ودية بينه وبين اصحاب المحل يقرر أن يرافق رضا [ابن صاحب المحل] في رحلته إلى إيران، وهو الذي كان ذاهبا لشراء السجاد من أصفهان وشيراز.

لكن كان لافتا منذ البداية تعاقب فصول الرواية بين فصل يتحدث عن احداث يعيشها الراوي وتجري الآن؛ أعني في زمن الرواية، وفصل آخر يتحدث عن نشوء مملكة داوود وشلومو “سليمان” ثم مملكة يهودا وبني إس*رائي*ل بمعلومات توراتية وتاريخية مع قليل من السرد الذي يحتاجه الروائي للربط. هذا الخط الموازي في الرواية يأتي على ذكر سليمان وتسخير الريح له وأساطير طيرانه ثم يتتبع هذا الخط السبي البابلي وفقا للرواية التوراتية الذي ينتهي عند آخر ملوك بابل الملك الحرّاني نابونائيد الذي انتصر على مملكته كورش الأخميني.
اتخذ الروائي من أسطورة بازيريك أو حقيقتها التاريخية معادلاً موضوعياً ليقوم بنا بجولة في تاريخ إيران الحالية وتاريخ بني إس*رائي*ل واليهود. حيث يلتقي التاريخ القديم والحديث في محل الأنتيكة الذي يملكه هارون اليهودي في شيراز.

في نهايات الرواية يكشف الروائي من خلال الراوي لنا و كحيلة تقنية أن من كتب فصول بني إس*رائي*ل ويهودا هو هارون الإيراني اليهودي لتقديم تفسيره وروايته المسندة لحكاية سجادة بازيريك ووجودها في سيبيريا بل إن الرواية تذكر أن السجادة التي كانت في متحف الأرميتاج تمت سرقتها من هناك وإعادتها لإيران بعملية مخابراتية بأمر من الشاه. فهي تعتبر أقدم سجادة وتنسب لما سمي بلاد فارس لاحقا حيث تقول الرواية أنها وجدت في سيبيريا وتعتبر أقدم سجادة وأم السجاد.

الرواية تقدم معلومات مختصرة عن تاريخ السجاد ومن خلال تتبع سجادة بازريك تقدم أيضا معلومات عن تاريخ بني إس*رائي*ل. وعندما يأخذنا الراوي معه إلى إيران يقدم لنا معلومات عن إيران الحالية تحت حكم الملالي. لابد إذاً أن تمر على الحرب العراقية الايرانية، من خلال شذرات من الإشارات اللماحة، وعلى علاقة المثقفين غير المتدينين، كي لا نقول اليساريين، بالسلطة القائمة، وترد فيها أيضا نظرة السلطة لهم. يدور الحديث عن العلاقة بين الطرفين من خلال مقهى يدعى “مقهى اليائسين”، السري الذي تعلم به السلطة، ويعتبر ناديا لهؤلاء المثقفين ترتكب فيه الموبقات وفق تعابير الملالي، لكن السلطة لا تعتبر أنهم يشكلون خطرا، فتتركهم وموبقاتهم من خمر وحشيش وجنس طالما لا يتعاطون السياسة. ولا بد لي من ذكر أحد الغرائبيات التي مرت في الرواية حيث تقوم أكاديمية وإعلامية من شخوص الرواية بممارسة الجنس مع ثعبان اسود بشكل مستمر ويتلصص عليها رضا من سطح بيتهم.
لاشيء في الرواية مجاني وهذا أهم الاشياء التي لفتت نظري فما يرد في بدايات الرواية دون أن ندرك تفسيره سنجد أنه سيكون موظفا في أحداث الرواية القادمة بقصدية عالية واشتغال على التفاصيل. كما استخدم الكاتب تقنية الأحلام في تقديم بعض أحداثها.
اللغة كانت هادئة بسيطة لا تخلو من مجاز في بعض الأحيان لكنه مجاز سهل مجاز غير شعري مجاز الناس العاديين حتى وهو يتلى على لسان الراوي الصحفي.

لكن أهم ملاحظة لي على الرواية هي فائضية الفصل الأخير عن الحاجة، حيث يعود الراوي ولا يجد المحل الذي كان يزوره لنكتشف أنها كانت رحلة عبر الزمن للوراء. فلم أجد مبررا تقنيا لهذا الفصل.

الرواية، وهذا أحد معاييري في قراءة الكتب، متدفقة، لا يثقلها الكاتب برؤيتها للحياة ومواضيعها ومساربها من خلال وضع هذه التصورات على لسان وفي أدمغة شخوص روايته؛ فقد كانت الشخصيات تتحرك وتتحدث وفقاً لمسار وعيها وممكناته..

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب فقط، ولا تعكس آراء الموقع. الموقع غير مسؤول على المعلومات الواردة في هذا المقال.

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
التقيمات المضمنة
عرض جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!