مقالات دينية

ܡܹܠ ܡܹܠܵܦ̮ܐ ميل ميلافا فرح الأطفال في عيد الميلاد

ܡܹܠ ܡܹܠܵܦ̮ܐ ميل ميلافا فرح الأطفال في عيد الميلاد

بقلم / وردا إسحاق قلّو

  كل عام نحيا ونعيش حدث ميلاد المسيح في العالم . ففي يوم ميلاده نتذكر حدث الخلاص للبشرية . بميلاده أنقسم التاريخ إلى ما قبله وما بعده ، بل بدأ تاريخ وتقويم جديد يعمل به العالم كله . أما في مانكيش فالأطفال يسبقون عيد ميلاد مخلصهم بتقليد خاص موروث يعيشون ساعات ليلة الميلاد في فرح وبهجة عندما يطوفون الشوارع وأزقة مانكيش حاملين بأيديهم أكياساً لجَمع الهدايا ، ففي عيد ميلاد الطفل يسوع يفرحون الأطفال أكثر من عيد الفصح الذي به يلعبون الكبار فقط بلعبة البيض الملون رجالاً ونِساءً . يبدأ تطواف الأطفال في القرية بعد غروب الشمس ، فكل مجموعة تقف عند الباب الخارجي للبيت قائلين لأهل البيت بصوت مرتفع فيه الفرح والبسمة ( ميل ميلافا ” فلان ” زافا ميل ميلوكي ذا مكو ماثا بوكي ) والمقصود هو الدعاء لزواج الإبن البكر في العائلة من أحدى بنات القرية . وأن كان للعائلة أبن متزوج حديثاً فالعبارة المستخدمة تختلف ، فيقولون ( هي كي كانا تاويلي ” فلان ” خا يكانا شاقلي وزامطلي لخا دكانا ) ” المقصود بدكانا هو دكنتا ” والغاية من العبارة الأخيرة هو الدعاء لكي يرزق الله العريسين الجديدين بالإبن البكر . يقولون خا يكانا ولم يقولوا ذا يكنتا ، وذلك لرغبة الجميع بأن يكون المولود البكر ذكراً .

لماذا أستخدمت الكلمات الكردية في الدعاء الأول خاصة ، ليس في مانكيش فقط بل مسيحيي دهوك أيضاً ؟ فالعبارات التي يستخدموها هي ( ميل ميلافا ميل ميلافا خودي ” فلان ” كتا زافا ، دي جتا كلي كرمافا ) ، يقولون للبنت أيضاً إذا لم يكن للعائلة ولد ( ميل ميلوكي .. ميل ميلكوكي ، خودي ” فلانة ” كتا بوكي ، دي جتا سري سوكي ) وهناك أيضاً يذهبون إلى دير الراهبات لكي يقولوا ( توثي توثي ، ماسير ” فلانة ” زالا لملكوثيه ) .. الجواب لسؤالنا لماذا النصوص باللغة الكردية ؟

هل هذه العادة كانت لمسيحيين أكراد كانوا يستخدمونها ليلة عيد الميلاد لنفس الغاية ، وفي العراق مسيحيين أكراد فعلاً في محافظة السليمانية ومنهم في مدينة زاخو أيضاً لغتهم كردية أي لا يعرفون اللغة السريانية . كما علينا أن لا ننسى بأن أكراد إيران المسيحيين في شمال إيران كانوا وما يزالوا تابعين إلى بطريركيات ما بين النهرين ، نشرت مقالين في موقع مانكيش عن الأساقفة الذين عينهم الجاثليق مار طيمثاوس لأولئك المسيحيين في بلاد فارس ، تلك المناطق الواقعة في شمال إيران والتي تمتد إلى بحر قزوين على مناطق جيلان وديلم ومنهم الأساقفة ( مار شوحا ليشوع ومار يهبالاها ومار قرداغ ) وما تزال المسيحية موجودة في شمال إيران ، عدا الكلدان والآشوريين الموجودين في منطقة أورمي غرب إيران القريبة من حدود السليمانية . هذا هو الأحتمال الأول . أما الأحتمال الثاني فقد يكون أصل هذه الممارسات للأخوة الأكراد المسلمين كانوا يمارسوها في أعيادهم ، لأننا لا نجد في نصوصها أي علاقة بميلاد المسيح ولا بالمسيحية ، ولا نعرف أيضا تاريخ بداية تطبيقها .

نعود إلى شرح التفاصيل . بعد سماع أهل الدار الدعاء كانت ربة البيت تفتح لهم الباب  لكي ترحب بضيوفها الصغار ، ثم تقدم لهم الهدايا بكل فرح . و ما هي الهدايا التي كانت تقدم للأطفال ؟ قبل منتصف الستينات كانت الهدايا تقتصر على ثمار المنتوجات الزراعية ، مثل ( الجوز واللوز والزبيب والتين اليابس ، والرمان للطفل القريب ) أما ما بعد منتصف الستينات وبعد السبعينات فبدأ الطفل يحصل إلى جانب تلك الهدايا على الحلوى التي كانت تشترى من دكاكين القرية ، مثل ( الجكليت والحامض حلو وبطرياثا دلبا أي ” نعناع ” وغيرها ) . الحلويات كانت المرغوبة لدى الأطفال ، أما الزبيب فكان يثير غضبهم على أهل البيت لكثرته في كل بيت بنوعيه الأبيض والأسود ، لهذا كانوا يقذفون به أمام البيت كعلامة لعدم الرضى أو شبه إنتقام . هذه المناسبة الجميلة التي كانت أزقة مانكيش تستقبل الأطفال وآذان الكبار تفرح بأصواتهم عندما يسمعون تلك الكلمات التي تطلب لأولادهم وبناتهم الزواج لكي يرزقهم الله بالأحفاد فكان فرح العيد يبدأ من تلك اللحظات . عَبّرَ الدكتور عبدالله رابي في كتابه ( منكيش بين الماضي والحاضر ) عن هذه الممارسة فوصفها بالأهزوجة التي تدل على البشرى لميلاد المسيح . وهكذا كنا نفهم هذه الممارسة . .

أما الأهل فكانوا يستعدون للحضور إلى قداس العيد في فجر اليوم التالي . أستمرت هذه المناسبة لحد منتصف العقد الأخير ، لكن للأسف السنين الأخيرة بسبب الظروف قل عدد الأطفال المتجولين في الشوارع ، فهل السبب يعود إلى التغير الحاصل في مواقع البيوت عندما توسعت البلدة ، أم السبب يعود إلى بدأ التحرر من العادات والطقوس الموروثة ، علماً بأن هذا التقليد نفسه منتشر في دول الغرب بشكل كبير وواضح وحتى الكبار يشتركون مع الأطفال في التطواف في عيد يسمى ب ( الهالوين ) يدورون على المنازل لجمع الحلوى والنقود ، عندما يصلون إلى باب الدار يضغطون على زر جرس البيت ، فعندما يفتح لهم الباب ، يرددون هذه الجملة لأهل البيت :

(Trck or Ttreat ) والتي تعني ( خدعة أم حلوى )

وبنفس الطريقة المتبعة في مانكيش ، الفرق هنا المتجولون يرتدون ملابس غريبة وأقنعة مخيفة كأنهم اشباح كما يزَينون واجهات البيوت بدمى شيطانية مع وضع اليقطين ( القرع ) أمام واجهات الدور . أساس هذه المناسبة هو عيد جميع القديسين يعود جذوره إلى إيرلندا وأمتد ليصل إلى دول الغرب لكن أعداء الإيمان حولوه من عيد القديسين إلى عيد الشياطين . لكن الكنائس في أميركا وكندا أخذت تقاوم هذا التيار بدعوة الأطفال في ذلك اليوم إلى كنائسها لأقامة مهرجان جميل في قاعات الكنائس وساحاتها ، طالبين من الأطفال بأرتداء ملابس جميلة عكس الأطفال التي تتجول في الشوارع ويقدمون لهم الهدايا مع تقديم لوحات فنية وألعاب وتراتيل دينية . سؤالنا من أين وصلت فكرة تجوالهم في الشوارع بطريقة مماثلة لما لدينا في مانكيش .

وفي عيد الميلاد في الغرب يوجد بابا نوئيل يوزع لهدايا للأطفال ،وماذا يعنون ببابا نويل ، هل هو أسطورة أم واقع ؟

ليس لدينا في بلدان الشرق بابا نويل لكنه بدأ يغزو الشرق أيضاً في أعياد الميلاد . بابا نويل يمثلون به القديس ( نيقولاؤس ) التي تعترف به كل الكنائس الرسولية ( الكاثوليكية والأرثوذكسية ) . فمن هو هذا القديس ؟ ولد في مدينة ( مورا ) في آسيا الصغرى ” تركيا حالياً ” من أبويين مسيحيين تقيين وغنيين ، لم يرزقا بولد ليرث غناهما . عندما بلغا سن اليأس تحنن الله عليهما فرزقهما بهذا القديس . منذ حداثته وعِيّ كل تعليم الكنيسة ، فرُسمَ شماساً ، ثم ترهب في دير كان ابن عمه رئيساً عليه ، فعاش في النسك والجهاد والفضيلة حتى رسم كاهناً وهو في التاسعة من عمره وأعطاه الله موهبة عمل الآيات وشفاء المرضى ، حتى ليجل عن الوصف ما أجراه من آيات ، وما كان يقدم من إحسانات وصدقات للمحتاجين . لما تنيح أسقف مورا ظهر ملاك الرب لرئيس الأساقفة ( البطريرك ) في الحلم وأعلمه بأن المختار لهذه الرتبة هو الكاهن ( نيقولاؤس ) وأعلمه بفضائله ، ولما استيقظ أخبر الأساقفة بما رأى فصدقوا الرؤيا ، وعلموا إنها من الرب يسوع ، وأخذوا القديس ورسموه أسقفاً على مورا .

كان في مدينة مورا رجل غني فقد ثروته وصار فقيراً ، وكان له ثلاث بنات قد جاوزن سن الزواج ولم يزوجهن لفقره ، فوسوس له الشيطان ليوجههن للأعمال المهينة ، لكن الرب كشف للقديس ما اعتزمه هذا الرجل ، فأخذ من مال أبويه مائة دينار ، ووضعها في كيس وتسلل ليلاً دون أن يشعر به أحد وألقاها من نافذة منزل الرجل ، وكانت دهشة الرجل عظيمة عندما وجد الكيس وفرح كثيراً واستطاع أن يزوج بهذا المال أبنته الكبرى ، وبعدها كرر القديس العملية وتمكن الرجل من حل مشكلة أبنته الثانية . إلا أن الرجل أشتاق أن يعرف ذلك المُحسن ، فلبث ساهراً يترقب ، وفي المرة الثالثة حالما شعر بسقوط الكيس أسرع إلى خارج المنزل ليرى من الذي ألقاهُ ، فعرف إنه الأسقف الطيب نيقولاؤس فخَرَ عند قدميه وشكره كثيراً لأنه أنقذ بناته من فقر . أما هو فلم يقبل منهم إن شكروه ، بل أمرهم أن يشكروا الله الذي وضع هذه الفكرة في قلبه . في زمن هذا القديس مَلِك الطاغية ديكليديانوس وأثار عبادة الأوثان ، ولما قبض على جماعة المؤمنين بالمسيح عذبهم وألقاهم في السجون ، ولما سمع بالقديس قبض عليه هو أيضاً وعذبه كثيراً عدة سنين ، وكان الرب يسوع يقيمهُ من العذاب سالماً ليكون غصناً كبيراً في شجرة الإيمان . ولما ضجر منه الطاغية ألقاه في السجن . وكان من السجن يكتب إلى رعيته ويشجعهم ويثبتهم في الإيمان . ظل في سجنه إلى أن أهلك الله ديكليديانوس وأقام قسطنطين البار ملكاً ، فأخرج الإخير كل الذين كانوا في السجون من المؤمنين ومنهم القديس نيقولاؤس ، فعاد إلى كرسي أبرشيته ، وحضر مجمع نيقية ، ولما أكمل سعيه إنتقل إلى الرب في مورا .

  فكرة توزيع الهدايا والصدقات بدأها هذا القديس وأنتقلت إلى أوربا وأميركا والعالم ، فلماذا لا ندخل بابا نويل في مظاهراتنا الدينية في مانكيش ، ألسنا نحن الأقرب من تركيا من عالم الغرب ؟

 ختاماً نطلب من الأهل في مانكيش تشجيع الأطفال لأحياء هذه المناسبة لكي لا تختفي لأنها موروث تراثي فعلينا أن نحافظ عليه ، وكذلك أعضاء الكنيسة في مانكيش تستطيع أن تساهم في تشجيع هذه المناسبة لزرع الفرح في قلوب الأطفال بمناسبة مولد يسوع الذي قال:

( دعوا الأطفال يأتوا أليّ ) 

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
Oldest
Newest Most Voted
التقيمات المضمنة
عرض جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!