نسب إنجاز المشاريع: تطور حقيقي أم ذر الرماد في العيون؟
كثيرا ما ينشر ويعلن في وسائل الإعلام العراقية في هذه المدة، تصريحات لمسؤولين حكوميين عن نسب انجاز المشاريع.
والمفارقة التي تحدث بحسب ما يقوله المراقبون، ان نسب الانجاز التي يجري الترويج لها، كثير منها متدن جدا ولا ينبغي التفاخر بها، الا بعد انجاز الجزء الاعظم من المشروع بحسب قولهم.
وعلى سبيل المثال تقول المعاون الفني لمحافظ بغداد هدى عبد الأمير في تصريح لها في أيار 2025، إن مشاريع المجاري الخمسة الكبرى، مشروع مجاري أبو غريب، وصلت نسبة التنفيذ فيه الى 40%، مشاريع مجاري النهروان وصلت إلى 8%، والوحدة 20%، وسبع البور 5%، والراشدية 6%”.
وأرجعت المسؤولة التفاوت في الأرقام إلى تواجد “تجاوزات متمثلة بوجود التصميم كون التصميم قديم منذ العام 2014، بالتالي كان هناك تحديث اعتمادا على التغيرات التي حصلت في المنطقة من حيث وجود متجاوزين وأراض، وأن عدة نواحي دخلت على هذا الموضوع”، واضافت سببا آخر الى التلكوء هو “التلول الأثرية والتقاطعات مع محرمات الطرق والجسور، وشبكات ماء صافي تم مدها قبل هذه المشاريع أخرت عملية مد الخطوط الناقلة، وتم حل هذه المعوقات مع الدوائر المعنية”، بحسب قولها.
واستنادا لتصريحها، فان الدائرة اضطررت إلى تحديث التصاميم المتواجدة وفق التغييرات، وزيادة السكان التي حدثت بالمنطقة “حتى نصل الى الشيء الصحيح الذي يخدم مناطقنا، وهذا كان يتطلب التنسيق العام ما بين دوائر الماء والمجاري وبقية الدوائر بخصوص شبكات الماء المنفذة والتجاوزات الموجودة”، مبينة أن “كل الأمور الفنية تم حلها، وحاليا العمل انطلق، وأن السقوف الزمنية للإنجاز بمشاريع ومحطات المعالجة ومحطات الرفع هي ضمن الفترات المحددة لها، وهي سنتان الى سنتين ونصف السنة”.
وبحسب نتائج الابحاث المتوفرة لدينا من تجارب عالمية فان اعلان نسب انجاز المشاريع يعد نقطة حساسة في تقويم أداء الحكومات وتنفيذ المشاريع، وتبين تجارب البلدان، ان الإعلان عن نسب الإنجار ليس إجراء غريبا بحد ذاته، ويستعمل في دول عدة حول العالم، لكن طريقة الإعلان عنه وتوقيته هما ما يثير الشكوك أحيانا، كما ان الدول المتقدمة، لا تعلن عن نسب الانجاز وكثيرا ما تجري الأعمال بصمت الى حين الوصول الى الانجاز الكامل بنسبة 100%، وهذا ما تفعله حتى دول في منطقتنا بخاصة الدول الخليجية التي تكثر فيها المشاريع الخدمية وتنبثق نتائجها فجأة من دون حديث مسبق عنها، كما في انجاز قطارات الانفاق “المترو”، التي تتكاثر لديهم برغم قلة عدد السكان في تلك الدول.
ومع هذا فان الإعلان عن نسب الإنجاز إجراء متعارف عليه ومفيد في سياق المتابعة الدورية والشفافية، عندما تعلن الحكومة بشكل منتظم عن نسب الإنجاز لشتى المشاريع، ولكن بشرط توضيح المراحل المنجزة والتحديات التي تواجهها لإطلاع الجمهور على سير العمل.
وبالتحديد، يجب أن تكون النسب المعلنة مدعومة ببيانات ومعايير واضحة لضمان الدقة والشفافية، و يجب أن تُستعمل هذه النسب كأداة لتحسين إدارة المشاريع وزيادة المساءلة، وليس فقط لتقديم معلومات عامة؛ و قد تختلف ممارسات الإعلان عن نسب الإنجاز بين الدول والقطاعات، وقد تكون هناك أساليب أخرى أكثر فعالية من اعلان النسب في كثير من الحالات. بشكل عام، يمكن أن تكون نسب الإنجاز أداة مفيدة إذا جرى استعمالها بشكل صحيح ومدروس.
وإذا كانت نسب الإنجاز مرتبطة بمؤشرات أداء محددة وقابلة للقياس، مثل إنجاز أساسات المبنى، أو اعلان اطوال خطوط أنابيب ماء او مجاري بطول معين، فهذا يعطي صورة أوضح عن التقدم الفعلي، وليست النسبة بحد ذاتها فهي لا تعطي تقويما سليما بحسب المتخصصين.
وفي المقابل عند الوصول الى مراحل متقدمة من المشروع، والإعلان عن نسب إنجاز عالية (مثلا 70% أو 80% او حتى 90%) مع تفصيلات المنجزات، فان ذلك يعطي مؤشرا قويا على قرب انتهاء المشروع.
وبخلاف تلك الشروط يمكن أن يكون الإعلان عن نسب الإنجاز مضللا أو تبريرا للإخفاق، بحسب المتخصصين؛ وعادة ما يحدث هذا في المراحل المبكرة جدا، بالإعلان عن نسبة إنجاز صغيرة جدا (مثل 10% أو 15%) بعد مدة طويلة من بدء المشروع فذلك يشير إلى تباطؤ أو تلكؤ في التنفيذ، ويتوجب هنا ان تجري مساءلة ومحاسبة الشركات المنفذة، وكذلك المشرفين الاداريين المسؤولين عن التنفيذ، بسبب التلكؤ.
وإذا أُعلن عن نسبة الإنجاز من دون تفصيل للمراحل المنجزة فعليا، يصبح الرقم بلا معنى حقيقي وقد يستعمل لتجميل صورة بطيئة للتنفيذ، او لتنفيذ اغراض سياسية من المفترض ان تكون بعيدة عن اهداف الخدمات المنفذة.
وعندما لا يواكب الإعلان تحسن ملموس على أرض الواقع، حين يسمع الناس عن نسب إنجاز متزايدة لكنهم لا يرون تقدما حقيقيا في المشروع، فإن ذلك يثير الشكوك بشأن مصداقية هذه النسب.
وإذا كانت الحكومة تركز على إبراز نسب إنجاز لمشاريع قليلة نسبيا فيما تتجاهل المشاريع المتعثرة، فهذا يشير إلى محاولة لتغطية الإخفاقات.
وفي الحالة العراقية تحديدا، مع الأسف، في كثير من الأحيان، تظهر الإعلانات عن نسب إنجاز المشاريع في البلد وكأنها محاولة لذر الرماد في العيون، قد تعلن نسب مئوية من دون تفصيل حقيقي للعمل المنجز، أو بعد مدد طويلة جدا من بدء المشروع، او حتى بعد احياء مشاريع ميتة جرى رد الاعتبار لها بنسبة انجاز متواضعة، مما يجعلها تظهر كتسويغ للتأخير وعدم الكفاءة في التنفيذ.
وخلاصة القول ان الإعلان عن نسب إنجاز المشاريع ليس خطأ بحد ذاته، بل هو أداة مهمة للشفافية والمساءلة إذا استعملت بشكل صحيح وشفاف؛ لكن في السياق العراقي الحالي، ومع كثرة التأخيرات والإخفاقات في تنفيذ المشاريع، فإن الإعلان عن نسب إنجاز متدنية في مراحل متأخرة من عمر المشروع، أو من دون تفاصيل واضحة، يثير الشكوك ويحتمل أن يكون محاولة لتبرير الإخفاق أكثر من كونه مؤشرا حقيقيا على التقدم.
ومن المعلوم ان مجلس الوزراء الاتحادي، اقر في جلسته الثانية والثلاثين برئاسة رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني، تكليف الوزراء ورؤساء فرق اللجان الفرعية للوزارات بتقديم خطة عمل فورية لمعالجة التوقفات للمشروعات التي تقل نسبة الإنجاز فيها عن (50%)، وعرضها على مجلس الوزراء، و استكمال واستمرار تزويد وزارة التخطيط وفريق متابعة تنفيذ البرنامج الحكومي، بالبيانات المطلوبة لمشروعات وخطط البرنامج، بحسب كل وزارة، وفقاً لقرار مجلس الوزراء (24505 لسنة 2024)، وبرغم ذلك فان بعض المسؤولين يتفاخرون حتى الآن بانجاز 5% او 10% او 8% من المشاريع المكلفين بتنفيذها.
الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب فقط، ولا تعكس آراء الموقع. الموقع غير مسؤول على المعلومات الواردة في هذا المقال.