*منسيّو الوطن صرخة أهالي أطفال التوحد ومتلازمة
*الحقوقية انوار داود الخفاجي*
في عمق المجتمع العراقي، تعيش آلاف الأسر معاناة قاسية لا تُرى، ولا تُسمع، ولا تُحكى كثيرًا، لكنها تنهش قلوب الأمهات والآباء يومًا بعد يوم. إنها المعاناة الصامتة لأهالي الأطفال من ذوي اضطراب طيف التوحد ومتلازمة داون، في بلدٍ يكاد يخلو من أي دعم رسمي حقيقي، وتغيب فيه الرعاية الصحية والنفسية والتربوية، وسط صمت حكومي ثقيل، وتجاهل مجتمعي مؤلم.
هذه العائلات تخوض معارك يومية على كافة الأصعدة؛ تبدأ من رحلة التشخيص التي قد تستغرق سنوات بسبب قلة الأطباء المتخصصين، أو بسبب جهل العائلة والمجتمع بهذه الحالات، إلى الصدمات النفسية التي يعيشها الأهل، ومن ثم رحلة البحث عن التعليم أو التأهيل أو العلاج، وكلها شبه معدومة في المؤسسات الحكومية.
الواقع يشير إلى فشل واضح في شمول هذه الفئة بخطط الدولة الصحية والتربوية. فلا توجد مراكز متخصصة كافية، ولا كوادر مؤهلة في المدارس الحكومية، ولا دعم مالي للعوائل ذات الدخل المحدود سوى راتب الرعاية المحدود ، ولا قوانين تُلزم الجهات المعنية بتوفير حقوق هذه الفئة. يتكفل الأهل وحدهم برعاية أبنائهم، من دون دعم نفسي أو مادي كافي ، فيضطر البعض إلى ترك العمل أو بيع الممتلكات أو الاستدانة لتوفير العلاج أو التعليم في مراكز خاصة، لا تتوفر إلا في بعض المدن الكبرى.
وعلى الرغم من الجهود الخجولة لبعض منظمات المجتمع المدني، والمشاريع الفردية لأشخاص مبادرين يملكون حسًا إنسانيًا عاليًا، إلا أن تلك الجهود تبقى محدودة وضعيفة، وغير قادرة على تغطية الكم الهائل من الحالات المنتشرة في أنحاء العراق. هذه المبادرات، رغم أهميتها، لا تُعفي الدولة من مسؤولياتها الدستورية والأخلاقية.
التوحد ومتلازمة داون حالتان تحتاجان إلى خطط شاملة متعددة الأبعاد تشمل الدعم الصحي والتربوي والاجتماعي والتشريعي. هؤلاء الأطفال قادرون على التعلم والعمل والاندماج في المجتمع إذا توفرت لهم البيئة المناسبة، لكن من دون رعاية ودعم، فهم وعائلاتهم يُدفعون إلى الهامش، وكأنهم خارج الحسابات الوطنية.
ان دور الحكومة في المستقبل يجب أن يتغير جذريًا، يبدأ من الاعتراف الرسمي بحقوق ذوي الاحتياجات الخاصة في التعليم والرعاية الصحية والتوظيف والاندماج المجتمعي، من خلال ؛
• إنشاء مراكز تأهيل وعلاج متخصصة في كل محافظة.
• إدماج الأطفال من ذوي التوحد ومتلازمة داون في المدارس عبر كوادر تربوية مدرّبة.
• تخصيص إعانات مالية شهرية لعائلاتهم.
• سنّ قوانين لحمايتهم من التمييز والإهمال.
• إطلاق حملات توعوية شاملة لتغيير النظرة المجتمعية تجاههم.
ختاما هؤلاء الأطفال ليسوا عبئًا، بل طاقة محبة وإنسانية قادرة على إحداث فرق حقيقي في المجتمع. إنهم (منسيّو الوطن) الذين آن الأوان لنعيدهم إلى دائرة الاهتمام، ليس منّة، بل حقًا أصيلًا لهم ولكل من يحمل قلبًا في هذا البلد الجريح.
الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب فقط، ولا تعكس آراء الموقع. الموقع غير مسؤول على المعلومات الواردة في هذا المقال.