آراء متنوعة

"مذكرات التفاهم" هل تلبي متطلبات التطور وتؤمن

بدءا يقر الجميع، ان العراقيين يعانون من مشكلات كبيرة على صعيد حياتهم الاقتصادية والخدمية والاجتماعية، ومن ذلك البطالة وارتفاع نسبة الفقر والاقتصاد الريعي وغياب تنويع مصادر الدخل الوطني والفساد الاداري والمالي؛ وضعف الاستثمار والبنية التحتية وندرة المشاريع الصناعية والزراعية و سوء الخدمات.

وكذلك تدهور مستوى التعليم والصحة وانقطاعات الكهرباء المزمنة، ومشكلات توفير ماء الشرب وتدهور النقل ومشكلات في ادارة النفايات والصرف الصحي والاسكان، وغيرها كثير من المعضلات على جميع الأصعدة.

وقد كان العراقيون يأملون لاسيما بعد تغير النظام في 2003 ورفع العقوبات، ان تعالج تلك المشكلات وغيرها بمشاريع واستثمارات فورية وعملية وبخاصة، ان العلاقة بين العراق والدول المتقدمة في اميركا واوروبا قد جرت اعادتها وتحسنت كثيرا؛ ولكن معظم الاتفاقات التي جرى توقيعها بين الحكومات العراقية المتعاقبة والدول والشركات نفذت تحت عنوان “مذكرات التفاهم”، فالى أي مدى يحقق ذلك النوع من الاتفاق طموحات العراقيين في تغيير حياتهم نحو الأحسن؟

أحدث مذكرات التفاهم جرى الإعلان عن توقيعها في الثامن من أيار 2025 بين رئيس مجلس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، و الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، اذ جرت مراسم توقيع 10 مذكرات تفاهم بين البلدين في عدة مجالات “استراتيجية”، تضمنت التعاون في مجالات الصناعات الدفاعية وتبادل الخبرات، و اجراءات التشغيل القياسية للعودة الطوعية للمواطنين العراقيين من تركيا، وفي المجالات العدلية، و مكافحة الاتجار غير المشروع بالمخ*د*رات، وفي إدارة الطوارئ والكوارث وفي مجال التعاون التدريبي لوزارة الداخلية، وغيرها من المجالات.

ان موضوع مذكرات التفاهم مهم جدا ويثير قلقا محقا لدى السكان في العراق.

ان مذكرة التفاهم المعروفة بـالانجليزية (Memorandum of Understanding – MOU) هي وثيقة دولية أو اتفاق بين طرفين أو أكثر (دول، مؤسسات حكومية، منظمات دولية، أو حتى شركات) تعبر عن نوايا مشتركة لتحقيق هدف أو مجموعة من الأهداف، وهي أقل رسمية من المعاهدات والاتفاقيات الدولية.

وبشكل عام، مذكرات التفاهم ليست ملزمة قانونا بشكل مباشر مثل المعاهدات والاتفاقيات، و هي أقرب إلى “إعلان نوايا” أو “اتفاق على المبادئ” الذي يهدف إلى وضع إطار للتعاون المستقبلي، و غالبا ما تكون مذكرات التفاهم بحاجة إلى خطوات لاحقة لتحويلها إلى اتفاقيات أو عقود تفصيلية تكون ملزمة قانونا وقابلة للتنفيذ.

وعادة ما تتضمن تلك التواقيع، تحديد الأطراف اي الجهات المشاركة في المذكرة، و الغايات التي تسعى الأطراف لتحقيقها عن طريق التعاون، و المجالات التي سيتم فيها العمل المشترك (مثل الاقتصاد، الطاقة، الثقافة، التدريب، إلخ)، و آليات التعاون المقترحة، بتحديد الخطوات أو الوسائل التي يمكن بوساطتها تحقيق الأهداف، و المدة الزمنية التي تغطيها المذكرة، و بنودا عامة، مثل كيفية تعديل المذكرة أو تسوية النزاعات.

وبرغم عدم إلزاميتها المباشرة، فإن أهمية مذكرات التفاهم تتمثل في بناء الثقة وتهيئة المناخ للتعاون، اذ تساعد في إرساء أسس إيجابية للعلاقات بين الأطراف واستكشاف مجالات التعاون الممكنة، وتوفر رؤية مشتركة وتوجه الجهود نحو تحقيق غايات متفق عليها.

و تعمل كوثيقة تحضيرية تحدد النقاط الرئيسة التي سيتم التفاوض عليها بشكل أكثر تفصيلا في اتفاقيات لاحقة، وهي تعكس رغبة الحكومات أو المؤسسات في التعاون في مجالات معينة، وهو ما يحمل دلالات سياسية مهمة.

و عادة ما تكون إجراءات إبرام مذكرات التفاهم أسهل وأسرع من المعاهدات والاتفاقيات التي قد تتطلب مصادقة برلمانية وإجراءات قانونية معقدة.

وبالإمكان تنفيذ ما جاء في مذكرات التفاهم، ولكن ليس بشكل مباشر وملزم قانونا في الغالب، اذ يتطلب تنفيذ بنود مذكرة التفاهم عادة اتخاذ خطوات لاحقة، مثل، إبرام الاتفاقيات التفصيلية وتحويل بنود مذكرة التفاهم العامة إلى اتفاقيات أو عقود محددة تتضمن التزامات قانونية واضحة وآليات تنفيذ وجداول زمنية، وهو الأمر الذي لم ينفذ بعد توقيع مذكرات تفاهم كثيرة في العراق، فظلت حبرا على ورق بحسب المراقبين.

وقد يتطلب تنفيذ المشاريع والخدمات المتفق عليها في مذكرة التفاهم تخصيص ميزانيات وموارد مالية من قبل الجهات المعنية، و في بعض الحالات، قد تكون الحكومة بحاجة إلى إصدار قوانين أو قرارات لتفعيل بعض جوانب مذكرة التفاهم، ومن الضروري تواجد آليات لمتابعة تنفيذ بنود مذكرة التفاهم وتقويم التقدم المحرز.

إن قلق السكان في العراق بشأن عدم إلزامية مذكرات التفاهم هو قلق مشروع، ففي ظل الحاجة الماسة للخدمات والتنمية، يرغب العراقيون في رؤية نتائج ملموسة وسريعة للاتفاقيات التي تبرمها الحكومة، لاسيما انهم شهدوا طيلة اكثر من عشرين سنة ماضية توقيع كثير من مذكرات التفاهم مع دول وشركات لاسيما المعنية بشؤون الطاقة من دون ان يتحقق عمل في هذا الجانب، بل ان الطاقة تتدهور باستمرار.

ولتخفيف هذا القلق وتعزيز الثقة، من المهم أن تكون الحكومة شفافة بشأن توضيح طبيعة مذكرات التفاهم وأهدافها وخطوات المتابعة المتوقعة، وان توضح الحكومة الخطط الزمنية لتحويل مذكرات التفاهم الهامة إلى اتفاقيات تنفيذية ملزمة وإنجاز تعهداتها، لا أن ترمى في أدراج النسيان.

وكذلك ان تشرك الجهات المعنية والخبراء في عملية تحويل مذكرات التفاهم إلى مشاريع وخدمات على أرض الواقع، وان تضع آليات واضحة للمساءلة لضمان تنفيذ ما يجري الاتفاق عليه، وعلى الحكومة ان تولي الأولوية للمشاريع والخدمات التي تمس حياة الناس بشكل مباشر.

صحيح، ان مذكرات التفاهم هي أداة مهمة للتعاون الدولي، ولكنها ليست بديلا عن الاتفاقيات الملزمة قانونا عندما يتعلق الأمر بتنفيذ مشاريع وتقديم خدمات ملموسة، و ان متابعة هذه المذكرات بخطوات عملية واضحة وشفافية هي الضمانة لتحقيق الفائدة المرجوة منها للناس.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب فقط، ولا تعكس آراء الموقع. الموقع غير مسؤول على المعلومات الواردة في هذا المقال.

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
Oldest
Newest Most Voted
التقيمات المضمنة
عرض جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!