لماذا اللامركزية – سيامند حسين إبراهيم
على مدار آلاف السنين من تشكل الإمبراطوريات والدول في العصور القديمة كان شكل نظام الحكم مثار جدل ونقاش دائم، حيث إن روما حكمت نصف العالم عن طريق نظام المقاطعات حيث أنها انشئت في كل بقعة مدينة على شكل عاصمة ادارية كما بصرى الشام في سوريا وباريس ولندن والهدف كان تسهيل السيطرة وجلب الموارد بشكل متوازن لروما وباقي المقاطعات، اللامركزية اخذت شكلا اوسع في صدر الاسلام عند تفعيل نظام الولايات والامارات رغم كون الوالي او الأمير معين من المركز ولكن الدولة العباسية استطاعت ادارة مساحات هائلة من الأراضي وحمايتها عن طريق نظام لا مركزي فعال مقابل دفع ضريبة سنوية للمركز والإمداد بالجند والعسكر حين المعارك والحروب، أما دلالة تبعية الولايات للمركز كان الدعاء للخليفة العباسي على المنابر…. في عام ١٨٢٠ ميلادي بعد نجاح الثورة الفرنسية وظهور إرهاصات الثورة تم تفعيل نظام اللامركزية بشكل حقيقي ولسببه الحقيقي وهو تقييد سلطات الحاكم ومنعه من التحول لطاغية عن طريق توزيع الصلاحيات والمهام على عدة مناطق حكم ذاتية، مع انتهاء الحرب العالمية الأولى والثانية وسقوط الانظمة الملكية أدرك الغرب عامة ان نظام الحكم المركزي نظام فاشل في الحكم واتخذوا الانظمة اللامركزية بكل اشكالها (فدرالية، حكومات ذاتية، لا مركزية إدراية جغرافية أو عرقية، أقاليم بعيدة) وذلك للاسباب التالية؛ من الناحية الإدارية، يُعتبر نظام الحكم المركزي نظاماً غير متكافئ في حكم المدن والمناطق حيث يقوم على استنزاف طاقة كافة المناطق والمدن في رفد العاصمة وجعلها مثالية في التعمير والمواصلات والاقتصاد بينما يتم تهميش باقي المدن واطلاق تسمية النائية والنامية والمنكوبة على المناطق الحدودية والبعيدة عن المركز ومعاملة سكانها كأنهم مواطنين من الدرجة الثانية في الوظائف والجامعات وفي مراكز الحكم حيث أنه في سوريا لا تزال المناطق الحدودية والبعيدة عن المركز تعاني من عدم وجود المواصلات أو الخدمات البلدية بينما في النظام اللامركزي يتم إدارة كل منطقة بشكل ذاتي وتوزيع المهام عليها وهكذا تصبح كل منطقة تدير نفسها بنفسها. من الناحية الاقتصادية في النظام المركزي يتم تجميع موارد الدولة في العاصمة أو مدينة كبيرة او اثنتين وانشاء مصانع عملاقة فيها بينما تكون مناطق الإنتاج مهمشة ومهملة ويكون دورها فقط كالبقرة الحلوب أو كما كانت تلقب الجزيرة قبل الثورة في سوريا بسلة غذاء سوريا ولكن تجاهلوا أن يضيفوا عليها كلمة الجائعة وهكذا فإن الدول المركزية يكون الأساس فيها هو شكل العاصمة ومراكز الاقتصاد لأنه اقتصاد دولة ويُنظر على الاقتصاد كائن وطني يجب تقديسه في العاصمة السياسية والاقتصادية بينما في الدول اللامركزية يتم النظر للاقتصاد على أنه الركن الأساسي لخدمة المواطن كفرد أياً كان حيث أن الاقاليم والحكومات الذاتية تتمتع بحرية التصرف بمواردها الخاصة في خدمة مناطقها قبل ارسال حصة المركز وهكذا لا يتم استنزافها وتشغيل سكانها كعمال وخدم للمركز. من الناحية الاجتماعية في الدول المركزية يتم تقسيم المجتمع إلى فئات حيث يتم تعظيم السكان القاطنين في العاصمة ومراكز المدن الكبرى وايضا المدن التي ينحدر من الرؤساء وكأنهم يقطنون بجانب آلهة يونانية مقدسة بينما يتم التعامل مع سكان الأطراف والمدن البعيدة وكأنهم مواطنين من الدرجة الثانية والثالثة وتهميشهم في الوظائف القيادية والحكومية وهذا هو سبب النعرات المناطقية الموجودة في بلدان العالم الثالث والرابع ( الدول المنهارة نتيجة الحروب) أما في الدول اللامركزية فإن الجميع يتساوى بالحقوق والواجبات سواء أكان من العاصمة أو من الاطراف ولا يتم اقصائهم لأن ابناء كل منطقة يحكمون أنفسهم بأنفسهم ولا يتم جلب شخص آخر من مسافة تبعد ألف كيلومتر كي يصبح رئيس بلدية وكأنه لا يوجد مهندس مدني في هذه المدينة أو البلدة كي يخدم مدينته وتبرير الدول المركزية لهذه الظاهرة هو من أجل منع الوساطة والفساد وذلك لأنه لا توجد لديهم قوانين صارمة ورقابة فعالة فيتم اتخاذ النموذج السوفيتي وهو ترقيع الفساد عن طريق تغيير الأشخاص. من الناحية الدينية أو العرقية، أحد اسباب اعتماد الأنظمة اللامركزية كان ترميم الدول المتصارعة المتناحرة داخليا حيث أصبحت الثارات والدماء التي سُفكت بين الناس تمنع جسور التواصل الهشة اساساً لذا كان يتم اختيار اللامركزية حيث لا تتعارض مصالح الطوائف والقوميات ويتم احترام كل قومية وطائفة على أرضها واحترام مقدساتها وطقوسها القومية والدينية بشكل لا يُحدث أي فتنة بين سكان الدولة وهكذا يصبح الجميع مواطنون متساوو الحقوق في جسد الدولة الواحدة دون وجود أي ذرائع للصراع. من الناحية العلمية والتعليمية، يُلاحظ في الدول المركزية بأن أرقى واقوى جامعاتها هي جامعات ومعاهد العاصمة بينما لا توجد جامعات في المحافظات والمدن البعيدة وإن وجدت فتكون غير معترفة ومهمشة لهذا يُطضر عشرات الالوف من سكان هذه المناطق من الفئة الشابة إلى الهجرة إلى العاصمة للدراسة وهذا يشكل عبئا كبيرا عليهم وعلى عوائلهم، بينما في الدول اللامركزية فإن أقوى جامعاتها تكون التي في الأطراف وباقي المدن. من الناحية العسكرية فإن القيادات العسكرية والامنية والفرق العسكرية كلها تكون متمركزة حول العاصمة المركزية وكأنها ملكة النحل وإن سقطت فإن كل تلك الدولة تسقط ببساطة ولهذا يتم تجميع مئات الألوف من الشباب في فرق حول العاصمة ويتم تهميش حماية باقي المدن وجعلهم جنود للخدمة فقط كما كان الحال في سوريا بالنسبة للمنطقة الشرقية، بينما في النظام اللامركزي يكون لكل ولاية أو إقليم جيش لحمايتها ويخضع للمركز ويشارك في الحروب الخارجية والدفاع الذاتي وهكذا تكون الدول كلها قوية ولا تسقط بسقوط جزء منها بل تبقى الحكومة متماسكة وتدخل حال دفاع وتحرير. من ناحية الرقابة والفساد، غالباً ما يكون نظام الحكم المركزي يعاني من الفساد وذلك لابتعاد المناطق عن المركز ووجود الرقابة في المركز وهذا يؤدي إلى الفوضى والفساد في اطراف الدولة بينما في النظم اللامركزية يكون هناك جهازان للرقابة الأول يكون مركزيا وتشديد الرقابة والثاني في الولايات والأقاليم وهكذا يتم تعزيز فرص الرقابة على الحكومات وأما أشد أعداء اللامركزية هم من يتحكمون برقاب الناس وكأنهم أغوات وحكام من العصور الوسطى وتكريس مبدأ الحكم الواحد والقائد الواحد والشعب من أجل الرئيس.
من أمثلة الدول اللامركزية
أمريكا، الأرجنتين، أستراليا، بلجيكا، البرازيل، كندا، المانيا، ماليزيا، سويسرا، الإمارات، روسيا.
في النهاية لا يسع القول إلا إن الإنسان هو غاية الحياة وليس عبداً للدولة والحكومة بل الجميع يجب أن يكون في خدمة الشعب والسكان وليس العكس.
الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب فقط، ولا تعكس آراء الموقع. الموقع غير مسؤول على المعلومات الواردة في هذا المقال.