كتاب النظرات أسرار مدفونة تحت رمال الزمن المنسي
المنفلوطي بحر من العلم والمعرفة والإبداع
صافيناز علاء الدين
عندما تقرأ كتاب ما، فإنه لابد وأن يغير فيك شيئا. مهما كان هذا الشيء بسيط، ومهما كان التغيير طفيفا، فمرة عن مرة يضحى الشيء البسيط، رائعا وعظيما.
وكتاب ( النظرات ) للكاتب الكبير مصطفى لطفي المنفلوطي، دفعني لأن أكتب هذه الكلمات البسيطة المتواضعة فأقول :
“ولما تبسم الثغر فرحا بزهو الإبحار، ترقرق الدمع في المقلتين، فاللنظرات فضائلها العظام، تعلو بشمائلها الكرام “.
* المنفلوطي بحر من العلم والمعرفة والإبداع
مصطفى لطفي المنفلوطي، هو بحر من العلم والمعرفة والإبداع الثقافي والمعرفي، في كتابه (النظرات) يجعلنا نغوص في أعماق الكلمة والحرف، ونستخرج منه أسرار الحياة التي هي مدفونة تحت رمال الزمن المنسي، لم تكن صدأة بل تجدها تلمع وتبرق وتشع نورا وضياء، وتجد نفسك وأنت تقرأ كتاب (النظرات) تعوم وتتوسط أمواجه الغاضبة حينا والهادئة حينا آخر، كما وتعلو أنت وتنخفض بأرتفاعاتها وإنخفاضاتها متماهيا معها، وهو يجيبك عن كل التساؤلات التي تطوف في رأسك عن الحياة وأنت الحائر الدائم تبحث عن أجوبة (لتنجو من، أو لتتلافى ) رزايا الحياة وأشكالياتها التي كنت قد مررت بها او لربما ما ستمر به. فهو يرشدك ويوبخك في آن واحد حينما تفقد بوصلتك بالطريق الذي تسلكه، لايتركك عند رؤية معينة محددة، ولا عند فكرة لم يكتمل مقصدها أو مغزاها بل يفتح لك بصيرتك على كل الرؤى فتجد نفسك غنيا ومليئا ومتسلحا بالأفكار الموزونة وبالقيم العظيمة والمفاهيم الصحيحة وبالدروس التي تستنبطها من نظراته تلك لتتمكن من خوض غمار جديد في الحياة لم يسبق لك أن خضته وأن تسلك طريقا آخر غير الطريق الذي كنت تسلكه ولربما تجد أن لديك مفاهيم قد تغيرت عما كانت لديك في السابق. نظراته تلك ترسم لك خارطة الثقافة والمعرفة والعلم والتي عليك أن تسير على مسارها الصحيح وإن لم يكن في خاطرك هدف ما فنظراته تضع لك هدفا تسعى الى تحقيقه لتكون إنسانا فاعلا ومهما ومؤثرا في حياتك وفي حياة الآخرين.
* فحوى كتاب النظرات
يوجه، يرشد، ينصح، ويدعو الى إتباع الفضائل في الحياة وإظهار مساوئ الرذائل لتجنبها وتحاشيها من الوقوع في براثنها وذلك من خلال قصص وحكايات ونظرات ورسائل يكتبها وكذلك يسلط الضوء على دول الغرب وكتابها وعلمائها في الأدب والسياسة والدين، وكان لفولتير عنوانا مهما في كتاب النظرات حيث كتب المنفلوطي عنه في ( تأبين فولتير ) فيقول في ذكرى مرور مائة عام على وفاته : “مات فولتير مرذولا مح*بو-با في آن واحد، يبغضه الماضي لأنه يجهله ويحبه الحاضر لأنه عرفه ” ويضيف المنفلوطي ” أنتصر فولتير بعد أن وقف وحده تلك المواقف المشهودة، فولتير أدار وحده رحى تلك الحروب الهائلة حرب العلم والجهل والعدل والظلم والعقل والهوى والصلاح والفساد فتم على يديه الغلب للخير على الشر وفاز فوزا مبينا “.
*اللغة العربية في حياة المنفلوطي
يشدد المنفلوطي كثيرا على اللغة العربية فيقول : ” ماأصيب البيان العربي بما أصيب به الا من ناحية الجهل بأساليب اللغة العربية ولا أدري كيف يستطيع الكاتب أن يكون كاتبا عربيا قبل أن يطلع على أساليب العرب في أوصافهم ونعوتهم ومدحهم وهجوهم ومحاوراتهم ومساجلاتهم وقبل أن يعرف كيف كانوا يعاتبون ويؤنبون ويعظون وينصحون ويتغزلون وينسبون ويستعطفون ويسترحمون ؟! وبأي لغة يحاول أن يكتب مايريد إن لم يستمد تلك الروح العربية أستمدادا يملأ مابين جوانحه حتى يتدفق مع المداد من أنبوب يراعه على صفحات قرطاسه.
أني لأقرأ ماكتبه الجاحظ وابن المقفع والصاحب والصابي والهمذاني والخوارزمي وأمثالهم من كتاب العربية الأولى ثم أقرأ ماخطه هؤلاء الكاتبون في هذه الصحف والأسفار فأشعر مايشعر به المنتقل دفعة واحدة من غرفة محكمة نوافذها مسبلة ستورها الى جو يسيل قرا وصرا ويترقرق ثلجا وبردا”.
فالمنفلوطي هو عالم في ميدانه حكيم في نظراته ومبدع في اللغة العربية فهو يناصرها وينصرها، وها هنا يشير اليها في كلماته الرائعة أعلاه في كتابه (النظرات)، وفيما حث على قراءة كل مايخص اللغة العربية ودراسته من بيانها ونحوها وإعرابها وأتقان أملائها وفهم معاني كلماتها ومفرداتها .
و ( النظرات ) هو كتاب ينهل منه الأنسان الثراء الأدبي من الحكمة وغنى مفرداته التي تجعلك تتعلق باللغة العربية وتحبها وفيه يكمن مفاتيح الأبواب المغلقة لمن تاه في عالم الكتابة فلم يجد طريقه الصحيح ولابابها المفتوح أمامه.
الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب فقط، ولا تعكس آراء الموقع. الموقع غير مسؤول على المعلومات الواردة في هذا المقال.