مقالات

في العالم الكمومي، حتى وجهات النظر غير مؤكدة (ترجمة إلى

إطارات الإسناد التي ينظر من خلالها المراقبون إلى الأحداث الكمومية يمكن أن توجد في مواقع متعددة في آنٍ واحد – وهو استنتاج قد يحمل تبعات كبيرة.
يمكن للطبيعة الكمومية لإطارات الإسناد أن تؤثر حتى على الترتيب الظاهري للأحداث.

مقال بقلم
أنيل أنانثاسوامي
المُترجم بواسطة: أحمد الجوهري

تخيل أنك تقف على رصيف سكة حديد وتشاهد عربة تمر. تسقط فتاة داخل العربة كرة حمراء لامعة؛ فهي ترى أن الكرة تسقط عموديًا، بينما ترى أنت من على الرصيف الكرة وهي تتخذ مساراً قوسياً قبل أن تضرب أرضية العربة. كلاكما يشاهد نفس الحدث، لكن من إطارين مرجعيين مختلفين: أحدهما مربوط بالعربة والآخر بالرصيف.
لطالما كان مفهوم إطارات الإسناد جزءاً من التاريخ الطويل للفيزياء الكلاسيكية؛ فقد اعتمد عليه إسحاق نيوتن وغاليليو وألبرت أينشتاين في دراساتهم عن الحركة. إذ يُعتبر إطار الإسناد بمثابة نظام إحداثيات (طريقة لتحديد المواقع والأوقات نسبة إلى نقطة صفر أو “الأصل”) قد يكون متحركاً في حد ذاته. استخدم أينشتاين إطارات الإسناد لتطوير نظرياته في النسبية، التي كشفت أن الزمان والمكان ليسا خلفية ثابتة للكون، بل هما كيانات مرنة يمكنها التمدد والانكماش والتشوه.
إلا أن الفيزياء الكمومية طالما أهملت إطارات الإسناد إلى حد بعيد. ففي التجارب الكمومية، يُفترض عادةً أن المراقبين الخياليين “أليس” و”بوب” يتواجدون في مواقع فيزيائية مختلفة، لكن يُعتبر أنهم يشتركون في إطار إسناد مشترك. وهذا الوضع يشهد الآن تغيراً. يدرك الفيزيائيون الكموميون أنه لا يمكن تجاهل حقيقة أن الإطار المرجعي الذي ترتكز عليه “أليس” (المماثل للعربة أو الرصيف) قد يتواجد في عدة مواقع محتملة في آن واحد، أو أن الساعة التي يستخدمها “بوب” لقياس الزمن قد تخضع لعدم اليقين الكمومي.
قال ريناتو رينر، الفيزيائي النظري في المعهد الفدرالي السويسري للتكنولوجيا في زيورخ:
«في العالم الكمومي، يجب أن تُوصف إطارات الإسناد أيضاً باستخدام الصياغة النظرية للفيزياء الكمومية.»
في ورقة بحثية نشرت هذا العام، أظهر الفيزيائي تشاسلاف بروكنر من معهد البصريات الكمومية والمعلومات الكمومية وجامعة فيينا وزملاؤه أن إطارات الإسناد الكمومية تقدم منظوراً جديداً لبعض الظواهر الكمومية التي تمت دراستها منذ زمن طويل مثل التراكب والتشابك. وقد دفعت النتائج رينر للاشتباه في أن إطارات الإسناد الكمومية قد تساعد في حل بعض المفارقات الغريبة التي تنشأ في التجارب الفكرية الكمومية.
وبشكل أكثر طموحاً، يأمل بروكنر وزملاؤه أن يؤدي التفكير المنطقي في إطارات الإسناد الكمومية إلى اكتساب رؤى جديدة حول الجاذبية الكمومية – وهو برنامج بحثي يسعى إلى دمج الجاذبية ضمن الإطار النظري ذاته الذي تشمل به القوى الأساسية الأخرى.
ومع هذه البداية الجديدة في مجال إطارات الإسناد الكمومية، يؤكد رينر:
«نحن في بداية شيء كبير جداً.»
مواقع غير محددة بوضوح
تم تقديم مفهوم إطارات الإسناد الكمومية لأول مرة عام 1984، لكن عدة مجموعات بحثية أعادت إحيائه حوالي عام 2019، مما أدى إلى زيادة ملحوظة في الدراسات الحديثة. تتحدى الحجج المطروحة تفكيرنا حول خاصيتين أساسيتين في الأنظمة الكمومية:
• التراكب: حيث يمكن لجسم ما أن يتواجد في عدة حالات محتملة في آن واحد.
• التشابك: حيث تشترك جسيمات متميزة في حالة كمومية واحدة، بحيث يؤدي قياس أحدها إلى تحديد حالة الآخر على الفور، بغض النظر عن المسافة بينهما.
وللتوضيح، لنفترض وجود إطارين مرجعيين؛ سنرمز لهما بـ “أ” و”ب”. لنقل إن أصل الإطار “أ” مربوط بجسم كمومي له احتمالات للتواجد في مواقع مختلفة. من منظور “ب”، يظهر موقع “أ” وكأنه موزع على منطقة معينة. لكن من منظور “أ”، يبدو أن المسافة إلى “ب” موزعة بشكل غامض، وكأن “ب” نفسها في حالة تراكب.
وتزداد الأمور تعقيداً؛ ماذا لو كان الإطار “ب” أيضاً مربوطاً بجسم كمومي في حالة تراكب لموقعين؟ حينها يصبح حالة “أ” موزعة بطرق مختلفة تبعاً للمواقع المحتملة لـ “ب”. ونظراً لأن تحديد الحالة الكمومية لـ “ب” يحدد حالة “أ”، فإن “أ” و”ب” يصبحان متشابكين.
في المثال السابق، يتبين أن الخاصيتين الأساسيين للأنظمة الكمومية – التراكب والتشابك – يعتمدان على إطار الإسناد المستخدم. وكما أوضحت آن-كاثرين دي لا هاميت، إحدى المشاركات في الدراسة الحديثة:
«الرسالة الأساسية هي أن الكثير من الخصائص التي نعتبرها مهمة للغاية، وبطريقة ما مطلقة، هي في الواقع نسبية أو مرتبطة بالإطار المرجعي.»
حتى ترتيب الأحداث لا ينجو من تأثيرات إطارات الإسناد الكمومية. فعلى سبيل المثال، قد تلاحظ من إطار مرجعي معين أن نقرة كاشف حدثت في وقت محدد. ولكن من إطار مرجعي آخر، قد تبدو هذه النقرة وكأنها في حالة تراكب ما بين حدوثها قبل أو بعد حدث آخر. وبالتالي، فإن تحديد ما إذا كنت ترى النقرة كحدث وقع في وقت معين أو كحالة تراكب لعدة ترتيب زمني يعتمد على اختيار الإطار المرجعي.
خطوة نحو فهم الجاذبية
يأمل الباحثون في استخدام هذه المنظورات الكمومية المتغيرة لفهم طبيعة الجاذبية الغامضة. فتقول النسبية العامة لأينشتاين – وهي نظرية كلاسيكية للجاذبية – إن الجاذبية هي تشوه نسيج الزمكان بفعل جسم ذي كتلة. لكن كيف يمكن للزمكان أن يتشوه إذا كان الجسم ذاته في حالة تراكب لموقعين؟ كما تقول الباحثة في مجموعة بروكنر، فيكتوريا كابل:
«من الصعب جداً الإجابة على هذا السؤال باستخدام الفيزياء الكمومية والجاذبية التقليدية.»
غير أنه عند التحول إلى إطار مرجعي يكون أصله في حالة تراكب، يمكن أن ينتهي الجسم ذو الكتلة إلى موقع محدد، مما يتيح حساب مجال جاذبيته. وتوضح كابل:
«من خلال إيجاد إطار مرجعي كمومي ملائم، نستطيع تحويل مسألة لا نستطيع حلها إلى مسألة يمكننا استخدام الفيزياء المعروفة لحلها.»
يُتوقع أن تكون هذه التغييرات في المنظور مفيدة في تحليل التجارب المستقبلية التي تهدف إلى وضع كتل صغيرة جداً في حالات تراكب. على سبيل المثال، اقترح الفيزيائيان تشيارة مارليتو وفلاتكو فيدرال من جامعة أكسفورد تجربة تقوم بوضع كتل في حالتي تراكب لموقعين، لدراسة تأثير ذلك على مجالاتها الجاذبية. قد تساهم المحاولات المتزايدة لوصف إطارات الإسناد الكمومية رسمياً في فهم هذه التجارب التي تبحث في التفاعل بين الجاذبية والنظرية الكمومية – وهي خطوة أساسية نحو تطوير نظرية للجاذبية الكمومية.
يرى رينر أن إطارات الإسناد الكمومية قد تكون أيضاً مركزية في توضيح أسس الفيزياء الكمومية. قبل بضع سنوات، صمم رينر وزميلته دانييلا فراوشيكر تجربة فكرية كمومية أدت إلى ظهور تناقض منطقي. وتبدو المفارقة الناتجة وكأنها تقتضي من الفيزيائيين التنازل عن إحدى العديد من المفاهيم المقبولة على نطاق واسع حول عالمنا – مثل فكرة أن النظرية الكمومية شاملة وتطبق على البشر وكذلك على الذرات.
لكن رينر يعتقد الآن أن هذه المفارقة تنشأ ببساطة لأن الفيزيائيين لم يأخذوا بعين الاعتبار إطارات الإسناد بدقة. فلم يتم بعد التوصل إلى طريقة لإعادة صياغة هذه التجارب الفكرية أو تجارب أخرى باستخدام إطارات الإسناد الكمومية، لكن القيام بذلك «من المرجح جداً أن يقودنا إلى حل هذه المفارقات.»
ليس الأمر سهلاً على الإطلاق، إذ تواجه إطارات الإسناد الكمومية العديد من المشكلات غير المحلولة. فعلى سبيل المثال، في الإطارات الكلاسيكية، إذا قمت بتغيير وجهة نظرك من إطار إلى آخر، فإن هذا التحول يكون قابلاً للعكس: يمكنك العودة إلى وجهة نظرك الأصلية. أما في الحالة الكمومية، فلم يتضح بعد أن هذا الأمر ممكن بشكل عام.
علاوة على ذلك، لا توجد حتى الآن طريقة معيارية لتعريف وترجمة الإطارات الكمومية. فالمجموعات المختلفة من الفيزيائيين تتبع مناهج متفاوتة. وكما أشار رينر:
«تبدو جميعها منطقية عند النظرة الأولى، لكنها ليست مكافئة لبعضها البعض.»
في نهاية المطاف، قد يثبت أن إطارات الإسناد الكمومية أساسية لفهم العالم الكمومي.

المصدر: https://www.quantamagazine.org/in-the-quantum-world-even-points-of-view-are-uncertain-20241122/

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب فقط، ولا تعكس آراء الموقع. الموقع غير مسؤول على المعلومات الواردة في هذا المقال.

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
Oldest
Newest Most Voted
التقيمات المضمنة
عرض جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!