مقالات

سلام المعادن النادرة – محمد رضا عباس

السلام هو بين أوكرانيا و روسيا , والمعادن النادرة هي المعادن الموجودة في أراضي أوكرانيا و التي تحتاجها الصناعات الامريكية . مقابل ذلك تلتزم واشنطن بالحفاظ على ” سلام طويل الأمد” كجزء من الصفقة . وحسب ما جاء في مجلة الإيكونيميست نقلا عن مصادر انه ” بموجب احدث مسودة للأتفاق , يتعين على أوكرانيا تسليم 50% من عائدات حكومتها المستقبلية من الموارد الطبيعية و البنية الأساسية للموانئ الى صندوق استثماري جديد والذي ستمتلكه الحكومة الامريكية حتى يصل الى 500 مليار دولار”. المبلغ 500 مليار دولار يعد سداد او تعويض الولايات المتحدة الامريكية عن جميع ما صرفته على الحرب في أوكرانيا منذ ثلاث أعوام . الشرط استهجنته صحيفة تلغراف بالقول بانه ” استعمار اقتصادي” , وسماه مسؤول اوكراني ب ” الابتزاز ” و الايكونيميست ” فرساي جديدة” , و رئيس لجنة الشؤون الدولية في مجلس الاتحاد الروسي غريغوري كاراسين ” بيع” لثروات الأجيال القادمة , وبالتأكيد لوكان ادم سميث , الاب الروحي للنظام الرأسمالي , على قيد الحياة للطم الخدود . ادم سميث اشترط ان تكون التجارة الخارجية غير مقيدة بشروط .
الرئيس دونالد ترامب يريد ارجاع كل ما قدمته إدارة الرئيس السابق جو بايدن من مال وسلاح الى أوكرانيا من اجل منع انتصار روسيا في الحرب. وانا اراقب اخبار الحرب الأوكرانية تقريبا كل يوم , لم اقراء يوما ان إدارة جو اعتبرت ما كانت ترسل من مال وسلاح الى اوكرانيا على انها قروض ستدفعها بعد نهاية الحرب . بالحقيقة انا قرات تصريح لجو بايدن يقول فيه ان ما تصرفه ادارته على الحرب هو ” استثمار امريكي “, وقد فسرت ما قاله بان بقاء اوكرانيا على قيد الحياة كدولة مستقلة ذات سيادة سوف تحمي أوروبا من أي هجوم روسي مستقبلي , و دولة ديمقراطية موالية لأمريكا , وفتح مجال للشركات الامريكية إعادة بناء ما خربته الحرب في أوكرانيا بعد الحرب.
ولكن الرئيس الأمريكي فاجئ العالم وبالتأكيد أوكرانيا بان تدفع أوكرانيا كل ما صرفته إدارة بايدن على الحرب الى إدارة الرئيس ترامب والذي اعتبر ان الأموال التي ذهبت الى اوكرانيا انما كانت أموال الشعب الأمريكي استقطعت منه عن طريق الضرائب , ولابد لهذا الشعب الاستفادة منها , لا غيره. المبلغ الذي يطالبه الرئيس ترامب ليس صغيرا , انه 500 مليار دولار, وهو مبلغ كببر يعادل ضعف انتاج أوكرانيا المحلي السنوي .
لست من المتعاطفين مع زيلينسكي , ففي اسوء الاحتمالات قد يترك الرجل وظيفته ويغادر بلده , ولكنه سوف لن يجوع ولا يحتاج البحث عن عمل لإشباع عائلته , مقابل ما سيعانيه شعبه بعد ان انهكته الحرب اقتصاديا , وذهب ضحيته عشرات الالاف من مواطنيه , وان مطالبة الرئيس ترامب في مثل هذه الظروف الصعبة التي يمر بها الاوكرانيين بدون شك سوف تضيف مصاعب جديده . أوكرانيا بعد الحرب سوف تحتاج المليارات الدولارات من اجل إعادة ما دمرته الحرب . و الأسوأ من كل هذا هو ان العالم سوف ينظر الى سياسة أمريكا الخارجية على انها سياسة ليست جديرة بالثقة .
لقد مر العراق بظروف مشابهة لظروف أوكرانيا اليوم , حيث خرج من حرب ايران مفلسا , تعبا , فاقدا عشرات الالاف من رجاله . وكأن هذه لم يكفي , فادخل صدام العراق في محنة اعظم من سابقتها , وهو احتلال دولة الكويت الشقيقة , وليتبعها حصار اقتصادي طال 13 عاما اكل الأخضر واليابس . العراق كان من المحظوظين , حيث ان حال سقوط نظام صدام حسين سمح للعراق ببيع نفطه , والذي أعاد الحياة الى ناسه واقتصاده. وهذا ما يحتاجه كل بلد بعد حرب طويلة , التفاف العالم حوله لإنقاذ من يمكن إنقاذه.
بقرار السيد ترامب, الشعب الاوكراني سوف يعاني انتكاستين بدلا من انتكاسة واحدة , وهي شعوره بالإحباط من دولة دعمته ومن ثم خذلته , وثانيا , شحة الأموال اللازمة لإعادة بناء بلده , لان أي دولار يضاف الى ” الصندوق الاستثماري” يعني دولارا لم يستخدم لإعادة الاعمار. بكلام اخر , قرار الرئيس ترامب سوف يعظم من المصاعب التي يمر بها الشعب الاوكراني , وبالتالي تورط أوروبا بهم .
القيادة الأوكرانية رفضت الطلب الأمريكي لأنها تعرف جيدا قبول الطلب سيغضب الشعب الاوكراني ويشكل خطرا على مستقبل البلاد الاقتصادي ,وقد يعرض البلاد الى اضطراب سياسي ويقضي عليه كدولة , ولهذا السبب رفضت كييف الطلب , لأن ” المبلغ الفعلي للمساعدات اقل من خمس مرات من المبلغ المعلن ويبلغ 90 مليار دولار فقط”, حيث جاء من كلام الرئيس الاوكراني زيلينسكي ” ما اعرفه ان ما تلقيناه من واشنطن هو 100 مليار دولار ولا اعلم من اين اتى رقم 500 مليار دولار”.
وحسب اخر الاخبار , يوم الثلاثاء 25 شباط, فان القيادة الأوكرانية قد قبلت الطلب الأمريكي , وبدون ضمانات عسكرية كما كان يريده الرئيس الاوكراني. واذا صح الخبر , فان الشعب الاوكراني سيشعر بان الرئيس ترامب قد ابتز البلد ماليا على حساب دمائهم , وبدلا من ان يفرض سلام عادلا بينهم وبين روسيا , فضل مصلحة أمريكا في الوقت الذي دافع الأوكرانيين عن القيم الغربية بدمائهم . يضاف الى ذلك , فان الرئيس ترامب قد خط قواعد جديدة للسياسة الخارجية الامريكية وهي المال مقابل الصداقة , وهو عكس ما كانت تسير عليها السياسة الخارجية الامريكية وهي الدفاع عن المبادئ الديمقراطية حتى لو كلفها المال والبنين .

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب فقط، ولا تعكس آراء الموقع. الموقع غير مسؤول على المعلومات الواردة في هذا المقال.

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
Oldest
Newest Most Voted
التقيمات المضمنة
عرض جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!