مقالات

رواية -الفتاة التي لا تحب اسمها-لإليف شافاك أو ساردونيا أنجع

ساردونيا جعلها مجرد فتاة في الثانية عشرة من عمرها، تتمتع بذكاء حاد ومخيلة خصبة، بل شابة لها مشكلة غريبة وعجيبة يصعب حلها ،تتمثل في كونها ى تحب اسمها . لأنه ممل ثقيل ومقلق .حتى أنه جعلها تعاني الأمرين بسبب غرابته في محيط الأساسي أولا ، ثم حجم السخرية الصادر من زملائها المقربين ثانيا ، ما يجعلها تنطوي على نفسها. هذه هي أصل الحكاية في رواية من تأليف الكاتبة والناشطة التركية أليف شافاك صدرت عن دار الآداب و ترجمة نورا ياماتش
ساردونيا – الفتاة التي لا تحب اسمها ، الذي بسببه يسخر منها تلاميذ صفها ، فتصبح الكتب و الحكايات أصدقاءها الأوفياء . ذات يوم تعثر ساردونيا على مجسم للكرة الأرضية و لكنه ليس كأي مجسم . إنه عبارة عن كرة سحرية إذا لُمس وسطها أي خط الاستواء تفتح و يصدر منها صوت موسيقي و تحتوي على ثمان قارات بدلا من سبعة. القارة الثامنة أرض الخيال ” هي التي تصدر الحكايات و القصص و الأساطير التي تصل إلينا” فكلما قرأ طفل كتابا بحب تتفتح زهرة ، و يغرد عصفور في القارة الثامنة من هذا العالم أو تسيل مياه الشلال فيها ، تصاب هذه القارة بالجفاف بسبب ترتجع القراءة وقلة الخيال فتتبنى ساردونيا وصديقاها إنقاذ الخيال والقارة الثامنة .”
والراوية شافاك لها ريبيرتوار معتبر صادر عن نفس الدار منها : «قواعد العشق الأربعون»، «شرف»، «لقيطة إسطنبول»، «الصوفي المتيم والمعلم»، «قصر الحلوى»، «حليب أسود»، «بنات حواء الثلاث»، «عشر دقائق و 38 ثانية في هذا العالم الغريب»، و «جزيرة الأشجار المفقودة».
بطلتنا ساردونيا الذكية بمعاناتها القاسية ومقتها الشديد لاسمها أصبحت بسببه غرابته محل سخرية سوداء من زميلاتها وزملائها . لكنها بعبقريتها الفذة وذكائها الألمعي ستتمكن من وضع حد ووفاء.بالقراءة والانفتاح على عالم الكتب . حتى أصبح الكتاب أوفى صديق وأحلى جليس وأكثر الأشياء صفاء ووفاء . وهاهي ساردونيا تحتمي في الكتُب فيها أبطال لا يهتمون بالأسماء بل بالأفعال. لقد باتت الكتب بالنسبة إليهم تُمثل مساحة آمنة وحرة، ومحرّكا لمغامرتها القادمة..
ذات يوم، عثرت ساردونيا في المكتبة على مجسم للكرة الأرضية. فتعرف من خلاله على صديقين غريبي الأطوار من القارة الثامنة. والقارة الثامنة هذه تستورد الخيال، وتصدر الحكايات لكنها تصاب بالجفاف بسبب تراجع القراءة وقلة الخيال. فتتبنى ساردونيا وصديقاها إنقاذ الخيال والقارة الثامنة.
في هذه المكتبة القديمة المهجورة في مدينتها والموصدة منذ زمن سحيق تكتشف ساردونيا بمجرد دخولها مجسما غريبا للكرة الأرضية، تختلف فيه القارات السبع المعتادة، لكنها ستكتشف “القارة الثامنة” التي لا تظهر إلا لمن يمتلك خيالا حيا. هنا روح الإبداع وجوهره عند الكاتبة اليف شافاك لأن هذا الاسم ” ساردونيا ” الغريب العجيب المقيت الكريه يمكن أن يستخدم رمزيا ليطرح سؤال الهوية: هل الاسم يُعرّفنا؟ أم تُعرّفنا اختياراتنا وخيالنا؟
لنتأمل لحظة هذا الأرخبيل الرمزي المسمى القارة الثامنة . إنه ليس بتضاريس ولا وجود لها في الجغرافيا الأرضية ، بل هي قارة خيالية تعيش وتتنفس من خلال القراءة والقصص. تُمثل رمزيا المخيلة الجماعية الإنسانية.
إنه بمثابة استعارة لعالم الإبداع، حيث تلتقي ساردونيا في قارتها الغامضة بصديقين: الأول يدعى كاج: مخلوق ذو ريش ملون، يمثل الحكايات الشعبية. والثاني ميرتا وهي فتاة ذات عيون تتغير ألوانها حسب القصة التي تفكر فيها، وتمثل الخيال العلمي والمستقبل.
لكن القارة الثامنة ستُصاب بالجفاف. لأن البشر توقفوا عن الحلم، الأطفال لم يعودوا يقرؤون، والكبار لم يعودوا يروون القصص. الأنهار توقفت لأن القصص لم تعد تُروى، والجبال فقدت صلابتها. وهنا لابد من مهمة الخيال.و عبر محطاته تبدأ ساردونيا وصديقاها رحلة عبور في سبع محطات كل واحدة تمثل نوعاً أدبيا محطة القصص الخرافية محطة الحكايات الشعبية محطة الأساطير محطة الشعر محطة أدب الرحلات محطة الفانتازيا محطة قصص الذات. في كل محطة، يجب على ساردونيا أن تحل لغزاً، تعيد تأليف قصة، أو تواجه نسخة مشوشة من نفسها لكن سرعان ما يُهدد القارة الثامنة كائنات تُدعى “جامعي النسيان”، كائنات بلا ملامح، تتغذى على الصفحات الفارغة وتحوّل الكتب إلى رماد. يرمزون إلى التشتت إبراز دور العالم الرقمي، والاستهلاك السطحي للمحتوى. لكن ساردونيا بذكائها وإصرارها على المضي قدما في عالم الكتب ستنجح في إعادة تدفق “نهر الخيال” بعد أن تكتب قصتها الشخصية عن اسمها، وحدتها، واكتشافها لذاتها. تعود إلى عالمها، لكن هذه المرة حاملة كتابها الخاص بعنوان: “ساردونيا الفتاة التي أنقذت الخيال” حيث تقبل اسمها، وتفهم أنه ليس غريبا، بل فريدا تماماً مثلها.”
والرواية تنبني في جوهرها على توجيه رسائل تربوية عميقة للقارئ اليافع فتبرز قيمة الهوية والاختلاف وتذكي أهمية القراءة والقصص في بناء الذات . وتضع سطرا أحمر تحت فعل التنمر والإقصاء مع الاحتفاء بالخيال كأداة للبقاء والتغيير. والأهم من ذلك كله إبرازبمثابة بوابة في مقاومة النسيان. فيما المكتبة المهجورة بمثابة بوابة لعبور الأفكار و الشخصيات نحو عالم يتدفق فيه الخيال وتنتعش الذاكرة وتنتفض ضد النسيان.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب فقط، ولا تعكس آراء الموقع. الموقع غير مسؤول على المعلومات الواردة في هذا المقال.

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
Oldest
Newest Most Voted
التقيمات المضمنة
عرض جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!