رحلة ((النخبة)) العراقية ((المصيرية)) لمدينة نيس الفرنسية لمؤتمر المحيطات
في بلدٍ يعاني ويتخبط مواطنوه بظلام انقطاع الكهرباء، وتردّي الخدمات الصحية، وانهيار البنية التحتية، يبدو أن قادة العراق ((الديمقراطي)) الجديد قد وجدوا لأنفسهم ملاذًا أكثر إشراقًا بعيدًا عن معاناة شعبهم. يوم الأحد 8 حزيران 2025 فها هو رئيس الجمهورية، السيد عبد اللطيف جمال رشيد، يقود وفدًا “جيشًا جرارًا” من المسؤولين والمستشارين والوزراء، برفقة السيدة الأولى، شاناز إبراهيم أحمد، ونائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية فؤاد حسين، في رحلةٍ فاخرة إلى مدينة “نيس” الفرنسية للمشاركة في مؤتمر الأمم المتحدة الثالث للمحيطات. نعم، للمحيطات! صدق أو لا تصدق؟ وكأن العراق، ذلك البلد الذي يكاد يخسر شريطه الساحلي الضئيل على الخليج لصالح جارته الكويت، قد أصبح فجأة دولةً بحرية تملك محيطاتٍ شاسعة تؤهلها لمثل هذه المؤتمرات! المؤتمر الذي تشارك في استضافته حكومتا فرنسا وكوستاريكا، في المدّة من 9 إلى 13 حزيران 2025. ويا للمفارقة المرّة! وبينما يغرق العراقيون في الديون، ويتصارعون مع الحرّ الجهنمي دون كهرباء، ويواجهون نظامًا صحيًا منهارًا يفتقر إلى أبسط مقومات العلاج وشح الدواء وبالأخص أدوية الأمراض المزمنة، يجد قادتنا الوقت والمال – خمسون مليون دولار، حسب التسريبات – للتنزّه على سواحل نيس الخلابة والتسوّق في متاجرها الفاخرة. وكأن هذا الوفد الضخم، الذي يضم حاشية السيدة الأولى التي لم تجد في المؤتمر سوى فرصة للتبضّع، قد أُرسل لتمثيل العراق في معرضٍ للرفاهية بدلاً من مؤتمرٍ دولي. أما الاستقبال في مدينة نيس الساحلية؟ فقد كان مخيب الآمال بكل المقاييس: لا سجادة حمراء، ولا مسؤولين فرنسيين بارزين، بل مجرد موظفين عاديين من وزارة الخارجية الفرنسية. يبدو أن السجادة الحمراء، كما يُشاع بسخرية، “محجوزة للدول التي تملك محيطات فعلاً ! “.
ما الذي يبرر هذه الرحلة الباذخة؟ وما الذي يُؤمّل منها سوى صورة جديدة تضاف إلى ألبوم الزيارات العقيمة لرئيس الجمهورية؟ هل كان حضور العراق في هذا المؤتمر ضروريًا لدرجة استنزاف خزينة الدولة، بينما يعاني المواطن من الجوع والفقر والإهمال؟ إنها فضيحة بكل معنى الكلمة، وصفعة على وجه كل عراقي ينتظر كهرباءً مستقرة أو مستشفى يقدم العلاج بدلاً من الإهمال. هذا هو العراق “الديمقراطي” الذي يُحكم بمنطق الامتيازات والنثريات والرفاهية على حساب شعبٍ محروم من أبسط حقوقه.
والمفارقة العجيبة المذهلة؟ الولايات المتحدة الأمريكية، التي تملك سواحل شاسعة مطلة على المحيط الأطلسي شرقًا والهادئ غربًا، قررت مقاطعة هذا المؤتمر تمامًا، كما فعلت في مفاوضات مناخية سابقة. ويبدو أن الأمريكيين، على عكس قادتنا الأشاوس ، يعرفون أن هذه المؤتمرات ليست سوى مسرحيات باهظة الكلفة بلا نتائج ملموسة. لكن العراق؟ لا، لا , لا ! يجب أن نكون في صدارة المشهد، نلوّح بأموال الشعب المنهوبة لننال شرف التصفيق في قصر الإليزيه، حيث يسعى الرئيس “ماكرون”، لجمع مبلغ 100 مليار دولار من الدول المشاركة بالمؤتمر . ومن الأفضل والاجدى لتلبية هذا النداء العاجل من العراق، الذي يبدو أن قادته يعتقدون أن خزينة الدولة خزانة شخصية لتأمين مكانة السيدة الأولى بين المجتمع المخملي الفرنسي كـ”صاحبة التبرع الأعلى”؟ وفي الوقت ذاته، يقضي الوفد أيام المؤتمر في التسوق الفاخر على شواطئ نيس، بينما حاشية السيدة الأولى تتجول في متاجر الرفاهية، ممولة بنفس الأموال التي كان يمكن أن توفر كهرباءً مستقرة أو مستشفيات لائقة للعراقيين.
هل هذه هي القيادة التي يستحقها العراق؟ حكامٌ يرمون بمليارات الدولارات في مؤتمرات لا تعنينا، بينما يتركون شعبهم يغرق في الديون وانعدام الخدمات؟ إنها ليست مجرد فضيحة، بل خيانة موصوفة بحق شعبٍ يعاني من الإهمال والجوع والفقر والمرض . هؤلاء الذين يتباهون تسوقهم وتبرعاتهم الباذخة على حساب الفقراء، يظنون أن الشعب سيظل صامتًا إلى الأبد. لكن، أيها السادة، احذروا! غضب العراقيين قادم، وعندما يثور الشعب، لن تنفعكم لا صور نيس ولا تصفيق الإليزيه. أما دعوتكم لإعادة انتخابكم، فهي سخرية مريرة تذكّرنا بأنكم لن تتوقفوا عن إفقارنا إلا إذا أوقفناكم.
وبما أننا نغرق الآن في خضم موسم انتخابي محموم، حيث تتصارع أحزاب السلطة الحاكمة في معركة ضارية لنهب ما تبقى من كرامة الشعب، ومع الحرب العبثية بين بغداد وأربيل حول رواتب الموظفين ومخصصاتهم المسروقة، تلوح في الأفق بوادر استجواب برلماني عاجل يفضح هذه المسرحية المسماة “مؤتمر المحيطات” نعم، العراق، ذلك البلد الذي بالكاد يملك شريطًا ساحليًا تطمع به الجارة الكويت، يجد نفسه ممثلاً بوفدٍ باذخ يقوده فخامة الرئيس عبد اللطيف جمال رشيد، متأبطًا جيشًا من المستشارين والحاشية، ليبدد خمسين مليون دولار من أموال الشعب في نيس، حيث لا محيطات ولا فائدة تُرتجى سوى صور تذكارية وجولات تسوق فاخرة. هذه المسائلة البرلمانية، التي ستُستغل بشراسة من خصوم السلطة، لن تكون مجرد محاسبة، بل سلاحًا لتسوية الحسابات السياسية، حيث سيُسحق من تبقى من هؤلاء القادة المتباهين بالرفاهية على حساب شعبٍ يتضور جوعًا. فهل كانوا يظنون أن هذا العبث سيمر دون أن يوقظ غضب الشعب وفضيحة الخصوم؟.
إلى متى ستستمر هذه المهزلة؟ إلى متى سيظل المسؤولون ينهبون خيرات البلاد لتمويل ونزواتهم وسفراتهم ، بينما يُترك الشعب ليواجه مصيره المظلم؟ إن كان هؤلاء ((القادة)) يظنون أن بإمكانهم الاستمرار في هذا النهج دون محاسبة، فقد نسوا أن الشعب العراقي، رغم صبره الطويل، لن يظل صامتًا إلى الأبد. لكن، كما يبدو، فإن دعوة السخرية لانتخابهم مرة أخرى ليست سوى مرآة تعكس واقعًا أليمًا: فهؤلاء الذين يتسوّقون على حساب الجائعين هم من يقررون مصير العراق اليوم. فهل سنظل نصفق لهم، أم أن الوقت قد حان لمحاسبتهم على هذا العبث الذي ما يزال مستمر ؟. غدًا، سينتفض الشعب العراقي بعن*فوانٍ لا يلين، وسيستيقظ من سباتٍ طال أمده ليُلقي بقادة أحزاب السلطة، هؤلاء المتأنقين، خلف قضبان العدالة التي طال انتظارها. لن يظل الشعب رهينةً لنخبةٍ تتاجر بدمائه وتتباهى بثرواته المنهوبة في جولات تسوقٍ باذخة، بينما يغرق هو في ظلام انقطاع الكهرباء وذلّ الفقر والحرمان . حان الوقت ليقول الشعب كلمته الفصل ، لا بالهتافات فحسب، بل بمحاسبةٍ صلبة ترمي بهؤلاء المترفين، الذين يتبرعون بمليارات الشعب لمحيطاتٍ وهمية، إلى حيث يستحقون: زنازين العدالة التي تنتظرهم لتذكّرهم بأن العراق ليس ملكيةً خاصة او مزرعة ، بل وطنٌ لشعبٍ لن يصمت بعد اليوم!