الضربة لم تق*ت*ل إيران.. لكنها فجّرت وهم التاريخ
الضربة لم تق*ت*ل إيران.. لكنها فجّرت وهم التاريخ الشيعي
رجل سلام أم رجل صفقات
“لم تُقصف إيران، بل تم نزع لحمها عن عظمها العقائدي.”
“هذه ليست حرباً بل إعدام علني لفكرة آمنت بالخلاص الشيعي على حساب الجغرافيا.”
ما سقط على إيران لم يكن مجرد قنابل موجّهة. ما سقط هو سؤال قديم كان يخشاه الجميع، هل التشيّع السياسي يصلح كدولة، أم أنه قدر مقدّس للموت في المعارك فقط؟
حين قصفت أميركا مواقع إيران النووية، لم تكن تضرب منشآت، بل تضرب عصباً غيبياً كامناً في عقل النظام، الفكرة التي تقول إن “الزمن الشيعي” لا يُهزم لأنه لا ينتمي إلى الحاضر. لكن هذه المرة، الحاضر انفجر فيه الزمان.
الرئيس الأميركي دونالد ترامب لم يُرد فقط أن يُعيد طهران إلى طاولة المفاوضات. أراد أن يكسر ساعة الإمام المنتظر.
النظام لم يسقط – بعد – لأن الضربة لم تكن موجهة لكرسي الحكم، بل إلى قاعدته العقائدية، أن الحاكم وكيل للغائب، وأن الدولة ليست وطنًا، بل منصة انتظار.
◄ لا تنخدعوا بالصمت العربي. ما يُطبخ الآن يمرّ عبر العواصم العربية، وإن بصمت. السعودية تراقب. الأردن يستشعر النار. والخليج كله يُعدّ سيناريوهات ما بعد الانفجار الكبير
في فوردو، دُمّر ما هو أكثر من أجهزة الطرد المركزي. هناك، دُمّر وهم القدرة على اللعب بالنار النووية من دون أن تحترق العمامة.
وإس*رائي*ل؟ كانت تُصفّق وهي تتراجع. لم تكن في حاجة إلى احتلال طهران، بل إلى شيء أعظم، أن ترى خامنئي يواجه مصيره، لا كقائد مقاوم، بل كجندي ضائع في حرب أكبر من قدره.
ترامب لا يؤمن بالسلام، لكنه يؤمن بالصفقة.
قالها صراحة “اصنعوا السلام.. وإلا فإن القادم أعظم.” لم يكن يهدد، بل يُعلن ثمناً لا بد أن يُدفع.
هو لم يستعمل إس*رائي*ل.. بل منحها الفرصة لتحرق إيران، ثم أتى ليقطف النصر وينسبه إلى نفسه. ولأول مرة في التاريخ، كانت واشنطن هي التي تحارب بإس*رائي*ل، لا العكس.
ترامب لا يريد إيران مُنكسرة. يريدها تحت السيادة الأميركية الفكرية، يريدها دولة “مكبّلة” تخاف من مدّ يدها لتشغيل مفاعل، أو لتمويل ميليشيا.
المرشد لن يستسلم. ليس لأنه قوي، بل لأنه مرتبط بعقيدة لا تسمح له أن يتراجع دون أن يُنهي كل شيء.
إنه حاكم “ما بعد الأرض”، يؤمن أن الولاية هي فكرة كونية، لا دولة. ولذلك، فكلّ ما يُضحى به – من شعب، واقتصاد، وأذرع – لا يساوي شيئاً أمام الكرسي الذي يستمد شرعيته من الغيب.
هذه ليست مقاومة. إنها طقوس موت مقدّس. إيران لم تُقصف لأنها قوية. بل لأنها أرادت أن تظلّ ممسكَة بمفتاح الفوضى في المنطقة، فأتاها من كسر الباب.
◄ النظام لم يسقط – بعد – لأن الضربة لم تكن موجهة لكرسي الحكم، بل إلى قاعدته العقائدية، أن الحاكم وكيل للغائب، وأن الدولة ليست وطنًا، بل منصة انتظار
إيران التي صدّرت الثورة في 1979، تستجدي الآن وسيطاً يسمح لطائراتها بالإقلاع نحو جنيف!
ما الذي بقي من المشروع؟ الميليشيات؟ تحترق. النووي؟ معطّل. الكرامة؟ تُجلد في الهواء الطلق. وكل ما يشترطه النظام هو، دعونا نخصّب.. ولو قليلاً. فقط كي نحفظ ماء وجهنا أمام الميليشيات التي ربّيناها. أيّ سقوط هذا؟
لا تنخدعوا بالصمت العربي. ما يُطبخ الآن يمرّ عبر العواصم العربية، وإن بصمت. السعودية تراقب. الأردن يستشعر النار. والخليج كله يُعدّ سيناريوهات ما بعد الانفجار الكبير.
هل انتهى كل شيء؟ لا. ما بدأ الآن هو فصل جديد، زمن بلا عقائد كبرى. زمن تسقط فيه أفكار مثل “الممانعة”، و”المقاومة”، و”الولي”، وتُستبدل بمنطق واحد “من لا يستطيع أن يُنتج قوة بلا ثرثرة، فليصمت.. أو يُباد.”
هذا منطق اللحظة. وهذا ما لم تفهمه إيران حتى وهي تحترق. وهذا ما يُجيده ترامب حتى وهو يضحك.
هذه ليست ضربة نووية. هذه ضربة وجودية. إيران باقية جسداً. لكن مشروعها خرج من التاريخ. إس*رائي*ل ربحت المعركة. ولكنها صنعت عدواً بلا عقل، مستعدّاً للجنون أكثر من أي وقت مضى. ترامب خرج منتصراً.. لكنه أعاد المنطقة إلى قوانين الغابة.
ومن بقي حياً، سيكون عليه أن يختار، إما أن يعيش في “شرق أوسط بلا عقائد،” أو أن يموت وهو يعبد شعارات انتهت بقنبلة ذكية.
عبدالكريم سليمان العرجان
كاتب أردني
الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب فقط، ولا تعكس آراء الموقع. الموقع غير مسؤول على المعلومات الواردة في هذا المقال.