آراء متنوعة

الحداثة والتنوير بين الحق والباطل

الحداثة والتنوير بين الحق والباطل

 

د. نزار محمود

 

قد يستشف من العنوان للوهلة الأولى بأن ما أبغيه في هذا المقال هو تكريس للفكر التقليدي السائد، وربما فتح نوافذ ضيقة توفيقية أو ترقيعية.
ما كان لعصر النهضة في اوروبا مع القرن الخامس عشر ميلادي ليبدأ دون تيارات الحداثة والتنوير التي لم تعد المؤسسات الكنسية السيطرة عليها أو دحض حججها، لا بل على العكس من ذلك تمكنت كثير من افكار الحداثة والتنوير أن تثبت أقدامها وتنجح في اقناع الناس وتطبيق تلك الافكار في مجالات الحياة السياسية والثقافية والاجتماعية.
هذه الحقيقة وذاك الواقع لا يجب أن يكون مقتصراً على المجتمعات الاوروبية ذات الديانة المسيحية في غالبيتها، وانما يصح على غيرها من المجتمعات ذات الديانات الأخرى بما فيها الإسلامية مع فارق الخصوصيات.

إن ما نجح من حداثة وتنوير في المجتمعات الاوروبية يمكن رده إلى:

⁃ عجز الفكر السائد آنذاك من الاستجابة الى متطلبات تطور الحياة.
⁃ النتائج الايجابية على الحياة التي أفرزتها الحداثة وكشف عنها التنوير.

ان هاتين الركيزتين هما فيصل الحكم في قبول أو رفض الحداثة والتنوير، وليس غيرها من تقليد أو تعصب أعمى.

ومع سبق اوروبا والغرب في الحداثة والتنوير عموماً وعلى وجه التحديد، وما حصل من أمر نهضتها وتقدمها العلمي والثقافي وتفوقها الاقتصادي والتقني وتنامي قوتها العسكرية وجنوحها الى الهيمنة والسيطرة وحتى الى الغزو والاحتلال والاستعمار، بدأ الشك يدب في المجتمعات الضعيفة والمتخلفة ازاء دعوات الحداثة والتنوير لا سيما في المجتمعات الإسلامية المحافظة المعتزة بقيمها الدينية وثقافتها. هذا الشك لم يكن على الدوام قد جانب الصواب، حيث أن دعوات الحداثة والتنوير كانت مصممة لتصب في مصالح حامليها بالدرجة الأساسية، أو ان اشتراطات تطبيقاتها في المجتمعات الجديدة لم تكن متوفرة. كما ان بعضاً من دعوات الحداثة والتنوير كانت تخبىء في طياتها اهدافاً تجسسية أو تبشيرية في اتجاهات معينة، أو حتى نوايا هدامة.

في جانب آخر كانت المجتمعات المحافظة حساسة ازاء الحداثة والتنوير في مجالات ثلاث:

⁃ مجال المرأة وحدود حرياتها وحقوقها
⁃ مجال الدين في عقيدته ومقدساته ومحرماته
⁃ مجال السياسة في شؤون الديمقراطية وانماط تولي الحكم وتداول السلطة.

هذه المجالات الحساسة دفعت بالكثيرين الى التوجس والخوف من الخوض في أحاديث الحداثة والتنوير، وربما استغلت ذلك جهات سياسية أو دينية أو حقوقية لتأليب الرأي ضدها.

في الختام:
إن دعوات الحداثة والتنوير، حتى مع ما تحمله مما يفسر بالشرور، لا بد منها في سبيل نهضة تنفض عن اكتافنا غبار الضعف والتخلف، وتستنهض فينا الفكر والعزم على البناء والتقدم.

 

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب فقط، ولا تعكس آراء الموقع. الموقع غير مسؤول على المعلومات الواردة في هذا المقال.

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
Oldest
Newest Most Voted
التقيمات المضمنة
عرض جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!