البعد الأخر لدور “حركة ح*ما*س” بإعادة إعمار قطاع غ*ز*ة والخوف لكشف إسرار مدينة مترو الأنفاق!
صباح البغدادي
إذا ما وُجّه سؤال إلى مهندس معماري أو متخصص في البناء والإنشاءات حول ما هو الخيار الأمثل من الناحية العملية هل ــ بترميم المباني المدمرة والبنى التحتية، بما في ذلك الطرق وشبكات المياه والكهرباء والصرف الصحي، أفضل برايكم أم إعادة بنائها من الصفر ــ فإن الإجابة، على الأرجح لنا، ستكون فورية وتميل إلى تفضيل إعادة البناء من الأساس . ويعود ذلك إلى أن تكلفة الترميم في ظل الدمار الهائل الذي شهدته مناطق مثل “قطاع غ*ز*ة” قد تتجاوز بكثير ما يتوقعه البعض، حتى وان كانت هناك نقاشات ودراسات ميدانية مسبقة قد تدعم معها هذا التوجه في بعض المناطق السكنية.
وفي هذا السياق الذي نحن بطرح موضوعه حاليا ، يبرز لنا جانب خفي بالغ الأهمية, ولا نعتقده لغاية الآن ولم يحظَ بعد بإعطائه الفرصة وتناوله في وسائل الإعلام “المقروءة أو المسموعة أو المرئية” ولا حتى التطرق اليه ضمن البرامج الحوارية السياسية والإنسانية التي تتناول هذا الملف . يتمثل لنا هذا الجانب في دور قيادات والكوادر الهندسية والفنية المنتمية لحركة ح*ما*س، والتي أشرفت بدورها على بناء شبكة الأنفاق تحت أرض “قطاع غ*ز*ة ” ولان هذه الكوادر قد تمتلك الكلمة الفصل في الإشراف المباشر على أي عملية إعادة بناء شاملة ، بالتعاون مع شركات الإنشاءات وإعادة الإعمار التي سوف تتقاطر على القطاع من مختلف دول العالم لأخذ حصتها من كعكة الأموال الطائلة المرصودة لإعادة البناء والمقدرة بـ “53 مليار دولار” والتي سوف تتقاتل شركات البناء والانشاءات الأردنية والمصرية بالدرجة الأساس على استحواذها نصيب الأسد. ولكن يتمثل لنا حاليآ وأن لم يتم التطرق إليها لغاية الآن , بثغرة أمنية حساسة وخطيرة وقد تنفذ منها أجهزة الأمن والمخابرات الإ*سر*ائي*لية ومن خلال الشركات الإعمار وإعادة البناء لغرض معرفة الخريطة التفصيلية لمدينة مترو الانفاق , ومن خلال زرع الجواسيس الذين يكونون متخصصين بهندسة الإنفاق وعن طريق تواجدهم مع شركات إعادة البناء بأسماء وصفات وهمية.
على الجانب الآخر، نطرح تساؤلات حول الخطة المصرية لإعادة إعمار القطاع، التي قُدّرت تكلفتها بحوالي 53 مليار دولار. من أين ستُموّل هذه الأموال الضخمة؟ وأي الدول ستخاطر بتخصيص مثل هذا المبلغ الهائل من ميزانياتها؟ وما الضمانات المتوفرة لمنع اندلاع نزاعات مستقبلية قد تُعيد الدمار وتُدخل المنطقة في دوامة مستمرة من عدم الاستقرار؟
تتفاقم هذه التساؤلات لدينا ومع وجود مخاوف حقيقية أخرى تتعلق بكيفية وطرق إدارة هذه الأموال الطائلة. فهناك مخاطر الفساد المالي والإداري، سواء من خلال اختلاس الأموال المرصودة أو استخدام مواد بناء دون المواصفات المطلوبة، فضلاً عن التلاعب بأسعار مواد الإنشاءات لتتجاوز قيمتها السوقية الحقيقية، مع تحويل الفارق إلى جيوب المسؤولين الفاسدين. هذه التحديات وغيرها ستظل قائمة حتماً كعوائق رئيسية أمام عملية إعادة إعمار قطاع غ*ز*ة، مما يستدعي وضع آليات صارمة لضمان الشفافية والنزاهة والكفاءة في تنفيذ هذا المشروع الضخم.
لذا وبناءً على التحليل الأكاديمي الذي نحن بصدده الآن ,ومع عدم توفر أي معلومات او نقاشات بخصوص هذا الموضوع ، ولذا نستطيع معها أن نضع تصور قد يكون قريب من الواقع لحد ما , ويمكن تلخيص الوضع حول دور “حركة ح*ما*س” في إعادة إعمار “قطاع غ*ز*ة” وننظر إليها من خلال الأبعاد الاستراتيجية المرتبطة به , وكالتالي:
1: صحيح لغاية الان لم يتم التطرق إلى أي دور رسمي محتمل بصورة أكيدة وملزمة وقد يكون بسبب أن هناك توافق متزايد بين الأطراف العربية والدولية على أن إعادة إعمار “غ*ز*ة” لن تتم تحت إشراف “ح*ما*س” أو بمشاركتها الفعلية كسلطة حاكمة. ولكن الخطط المقترحة، مثل الخطة المصرية المدعومة عربيًا، تشير إلى تهميش “ح*ما*س” سياسيًا وعسكريًا كشرط أساسي للحصول على تمويل دولي ضخم وتنفيذ عملية إعادة البناء.
2: أن موقف ح*ما*س ما يزال ملزم وتؤكد بدورها بأن أي إعادة إعمار يجب أن تتم بـ “توافق وطني” رافضة التدخل الخارجي المباشر، ولكنها لا تعارض بشكل قاطع التعاون مع جهات عربية إذا حُفظت مكانتها ودورها في القطاع وعدم تهميشها، ومع ذلك، يُنظر إلى هذا الموقف على أنه أسلوب تكتيكي تتخذه القيادة، وليس تنازلاً حقيقياً عن سيطرتها على القطاع.
3: في ظل الواقع العملي، والذي لم نراه , يرتقِ بعد إلى دائرة النقاش العلني لغاية الإن، تبرز لنا مؤشرات قوية إلى أن الكوادر الهندسية والفنية التابعة لحركة “ح*ما*س”، التي كانت العقل المدبر وراء بناء وتطوير شبكة الأنفاق المعقدة تحت “قطاع غ*ز*ة” تمتلك خبرات فنية متميزة , لذا نرى بأنه قد يكون من الصعب تجاهلها في عملية إعادة البناء المرتقبة. ولكن في المقابل قد يكون لها أي دور محتمل لهذه الكوادر وقد يظل محصورًا في نطاق تنفيذي محدود، وتحت مظلة إشراف جهات خارجية قد تكون قطرية او اردنية أو مصرية ، وبعيدًا عن أي صلاحيات قيادية أو سيادية أو أشراف تنفيذي . وهنا بالذات وفي هذه الفرضية تتسلل مخاوف مشروعة إلى أوساط قيادات “ح*ما*س” وحتى ان لم تعلنها لغاية الان ، التي قد ترى في هذا السيناريو الحساس مخاطر كبيرة , تتمثل في احتمال كشف الخريطة الشاملة والدقيقة لما يُعرف بـ “مترو الأنفاق” وبما يشمل تفاصيل حساسة حول مدى امتداد هذه الشبكة المتشعبة وارتباطاتها المحتملة خارج حدود القطاع، مما قد يعرض أسرارًا استراتيجية حساسة جدآ للخطر وفي سياق الصراع المسلح والذي ما يزال مستمر بينها وبين إس*رائي*ل ومن خلفها جميع الأجهزة الأمنية والعسكرية.
4: أن الإطار المقترح لهذه الخطط العربية، بقيادة مصر والدعم الخليجي، تتضمن إشرافًا مشتركًا عربيًا ودوليًا، مع احتمال إدارة السلطة ا*لفلس*طينية للقطاع كبديل عن “ح*ما*س” . هذا الإشراف يهدف إلى ضمان الشفافية، منع الفساد، وتأمين التمويل الدولي المقدر بمليارات الدولارات. ومع وجود الآلية والتي قد تشمل كذلك تشكيل هيئة متعددة الأطراف (عربية ودولية) لإدارة المساعدات ومشاريع الإعمار، مع وجود قوة أمنية محايدة للحفاظ على الاستقرار، مثل قوات حفظ سلام تابعة للأمم المتحدة أو لدول عربية.
5: الأبعاد الاستراتيجية الأمنية وفي ظل رفض وجود ح*ما*س كقوة مسلحة وسياسية في غ*ز*ة ينبع من رؤية إس*رائي*ل لها كتهديد وجودي، مدعومة بموقف أمريكي وأوروبي يصنفها كـ “منظمة ار*ها*بية” وهذا سوف يعزز فكرة نزع سلاحها كشرط أساسي وجوهري لأي تسوية مستقبلية.
6: أما من الناحية السياسية فأن تهميش ح*ما*س قد يفتح الباب أمام عودة السلطة ا*لفلس*طينية لإدارة القطاع، مما يعيد توحيد الساحة ا*لفلس*طينية تحت قيادة معترف بها دوليًا، ويمهد لمفاوضات مع إس*رائي*ل ضمن إطار حل الدولتين.
7: كذلك هناك هاجس محتمل لتخوف لم يتم التطرق إليه يتركز حول إذا كانت هناك شركات بناء واعمار انشائية مرتبطة بصورة أو بالأخرى ببعض قيادات ح*ما*س تشارك فعليا في أخذ حصة كبيرة من إعادة الاعمار وبالتالي قد ينظر إليها البعض بانها قد تكون منفذ محتمل لإعادة تمويل حركة ح*ما*س من الناحية المادية .
لكن من الناحية الاقتصادية فإن الدول المانحة، خاصة الخليجية “الإمارات والسعودية”،قد تشترط مسبقآ استبعاد “ح*ما*س” نهائيآ من ان يكون لها أي دور في إعادة الاعمار ,وذلك لضمان عدم تحويل الأموال إلى أغراض عسكرية، مما يجعل الإشراف العربي-الدولي ضرورة لجذب استثمارات ضخمة ,وإعادة بناء بنية تحتية مدمرة بنسبة كبيرة. أما إقليميًا فأن مصر والسعودية والإمارات، التي تعارض نفوذ الإخوان المسلمين (المرتبطة بح*ما*س فكريًا وعقائديا) ترى في استبعاد الحركة فرصة لتعزيز استقرار المنطقة ومواجهة النفوذ الإيراني، الداعم التقليدي لح*ما*س.
ومما سبق طرحه أعلاه وفي هذا السياق من المرجح لنا ألا يكون لح*ما*س دور حقيقي في الإشراف على إعادة إعمار غ*ز*ة، حيث تسود الرؤية العربية والدولية تهميشها كشرط للتمويل والاستقرار. الإشراف العربي-الدولي يبدو لنا بأنه الخيار الأمثل والأكثر واقعية حاليا، ومع وجود إدارة محتملة من السلطة ا*لفلس*طينية. إما من الناحية الاستراتيجية والتي قد تكون طويلة الأمد، يهدف ذلك إلى تحقيق أمن إس*رائي*ل، توحيد الحكم الفلسطيني، واستقرار المنطقة، لكن نجاح هذا المسار سوف يعتمد بالدرجة الأساس على مدى قبول “حركة ح*ما*س” بالتنازل عن سلاحها وسيطرتها وقيادتها لـ “قطاع غ*ز*ة” ، وهو أمر يبدو لنا ليس سهلا وبعيد المنال على الأقل في الوقت الحالي ودون وجود ضغوط كبيرة وحقيقية تمارس فعليا على قيادة الحركة لغرض وضعها امام الامر الواقع .