مقالات

إس*رائي*ل و المحكمة الجنائية

عبير المجمر (سويكت)

المحكمة الجنائية الدولية هددت بتوجيه اتهامات بارتكاب جرائم حرب لمسؤولين إس*رائي*ليين، بينما اعترضت العديد من الدول على ذلك و من بينهم مجموعة السبع خشية أن يعرض ذلك اتفاق الهدنة والرهائن للخطر.

من المعلوم ان المحكمة الجنائية الدولية يمكنها من حيث المبدأ ممارسة اختصاصها شريطة إذا كان الشخص المتهم من مواطنى دولة عضو ،أو إذا ارتكبت الج#ريم*ة المزعومة على أراضي دولة عضو ، و تتم إحالة القضية إليها من قبل مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة ، و بطبيعة الحال إس*رائي*ل ليست عضواً فى منظومة المحكمة الجنائية حالها حال امريكا و روسيا و الهند و الصين و دول اخرى صدقت على ميثاق روما و لكن لم توقع عليه ، و يمكن للمحكمة أن تمارس اختصاصها فى “الدول الاعضاء ” اى “الدول الأطراف فى المحكمة ” اى”الدول الموقعة ” شريطة ان تكون الدولة المستهدفة لا تملك المحاكم الوطنية و الإرادة و القدرة على محاكمة الجرائم الدولية (مبدأ التكامل) ،بمعنى اخر لا يمكن للجنائية ان تتدخل إلا في حالة فشل الأنظمة الداخلية ، ‎فلا يمكن للمحكمة الجنائية الدولية أن تتجاوز المؤسسات القضائية الاس*رائ*يلية لتولي الاهتمام بهذه القضايا فالمحكمة الجنائية الدولية يمكن ان تكون مكملة للمحاكم الوطنية الداخلية شريطة ان تلاحظ نقص قدرة، او عدم استعداد من المحاكم الوطنية للتحقيق و المقاضاة، و هذا ليس حال إس*رائي*ل اضافة الى انها ليست طرف و غير موقعة على نظام روما، إضافة الى ان القضاء الاس*رائ*يلي قادر على الفصل في كل الدعاوى، ويضم كوادر مؤهلة، ودرجات التقاضي تكفل لكل متقاضِ حقه.
و من خلال تصريحات رئيس الوزراء الاس*رائ*يلي نتانياهو يبدو ان بالنسبة له هذه القضية بالتحديد قضية مصيرية و لا تقبل املاءات ، و يرى بعض القوى الاس*رائ*يلية ان لهم قضاء داخلى مستقل شفاف ، و يملكون القضاء الشفاف المستقل المهنى لإدارة محاكمات داخلية عادلة مستقلة إذًا أستوجب الامر.

لا تمتلك المحكمة الجنائية صلاحيات تنفيذية لاعتقال المتهمين من اراضيهم، لكن فى حالة انتقل المهتمين لدول اخرى عضو و موقعة و قامت بتسليمهم، يمكن محاكمتهم، لذلك هناك مخاوف من أن تصدر المحكمة الجنائية الدولية مذكرات اعتقال سرية، وأن المسؤولين لن يعرفوا أنهم مطلوبون إلا عندما يسافرون إلى دولة أخرى.

مؤتمر روما عقد في الفترة من 15 يونيو إلى 17 يوليو 1998 في روما ( إيطاليا) ودخلت الاتفاقية حيز التنفيذ في 1 يوليو 2002 بعد تصديق60 دولة عليها، و عليه تم إنشاء المحكمة الجنائية الدولية رسميًا، لكن ليس من حقها او من أختصاصها التعامل بأثر رجعي بل تتعامل مع الجرائم المُرتكبة حتى ذلك التاريخ.

و من المعلوم ان المحكمة الجنائية الدولية كانت محط الانتقادات حيث اتهمت بانها فاقدة للمصداقية و مُستغلة و ليست مُستقلة، و غيرمسؤولة، و خطرة و سياستها مهددة للامن والسلم الدولى ، و قضاتها لا يشعرون بالحرية في تجاهل أحكام مهمة في نظام روما الأساسي .
كما تم انتقادها فى قضايا عدة منها ان المحكمة لإرتباطها ببعض المنظمات غير الحكومية فهى تعتمد على تقارير هيومن رايتس ووتش …الخ لبناء دعاوى قضائية فى مواضيع حساسة و مصيرية بدلاً من التحقيق بنفسها.
أيضًا دارت العديد من التساؤلات حول استقلاليتها لأن عددًا كبيرًا من المنظمات غير الحكومية التي تقدم شهودًا للمحكمة الجنائية الدولية قد تلقت منحًا من الحكومات الأوروبية التي تمول المحكمة أيضًا، كذلك وجهت لها العديد من التهم على رأسها عدم حيادية القضاة مع تضارب المصالح أو حتى الفساد و ميديا بارت سلطت الضوء على ذلك فى “أسرار المحكمة” سبتمبر 2017، وشهدت انسحاب متتالي لعديد من الدول من نظامها ، و تطبق قوانينها على مناطق بعينها و تترك اخرى ، حيث كانت هناك إتهامات خطيرة متعلقة بممارسات بعينها للمدعي العام الأول أخرها تعلقت برفض الإذن بإجراء تحقيق في أفغانستان، فعندما تمت المطالبة بالتحقيق في الجرائم المرتكبة في أفغانستان من جرائم إنسانية و جرائم حرب و اغ*تصا*ب …الخ و جرائم اخرى وقعت فى دول اعضاء فى المحكمة الجنائية، و كانت قد وجهت عصا الإتهام فيها لامريكا كما أُشير الى تورط وكالة المخابرات المركزية (CIA) و سجون سرية ، و أيضًا التقارير كانت قد اشارت إلى ملاحقة قضائية لعملاء و وكالة المخابرات المركزية و كبار العسكريين الامريكان بالتورط فى جرائم عدة فى افغانستان ، بولندا ورومانيا وليتوانيا …الخ . حينها امريكا ثارت و صرحت مهددةُ محكمة الجنائيات الدولية مستخدمة لغة تهديد و وعيد حادة اللهجة ، و المعروف ان امريكا لم توقع على ميثاق روما و لكنها تعتبر من اكبر الدول الداعمة ماديًا لى CIC و السؤال الذى يطرح نفسه : طالما امريكا صدقت و لم توقع على ميثاق روما و لا تعتبر من الدول الاعضاء الأطراف فى المحكمة و ترفض اى محاسبة لها او مسائلة من قبل المحكمة فلماذا تدعمها ماليًا إذن ؟ فهل يا ترى الهدف من الدعم المالى كى تنفذ تلك المحكمة عدالتها العرجاء على دول بعينها ام ماذا ؟.
نواصل امريكا اطلقت تهديدها للمحكمة الجنائية و قيدتها ، و ترامب هددها بوقف الدعم المالى ، و بومبيو وجه لها صفعة اخرى قائلًا : “نحن مستعدون لاتخاذ إجراءات إضافية ، بما في ذلك العقوبات الاقتصادية ، إذا لم تغير المحكمة الجنائية الدولية مسارها”، و انذاك تم الإعلان عن إلغاء تأشيرة فاتو بنسودا لدخول الولايات المتحدة في 5 أبريل، و بالفعل التهديدات أتت أكلها فبعد أسبوع ، رفضت الدائرة التمهيدية الثانية بالمحكمة الجنائية الدولية طلب الإذن بفتح تحقيق في أفغانستان. 
و عندها سمعنا المدافعين عن حقوق الانسان تأسفوا لموقف المحكمة الجنائية و ما أسموه بتخاذلها و تراجعها عن موقفها بعد التهديد و الوعيد واصفين ذلك بأنه يفقدها جوهرها الاساسى و يعطى سببًا كافى لاى دولة ان تعلن عن أنها لن تتعاون مع المحكمة الجنائية الدولية من أجل حدوث ذلك.
و كان بعض الخبراء قد فسروا موقف امريكا بانها 
منذ إنشاء المحكمة الجنائية الدولية لعبت لعبة مزدوجة حيث وقع بيل كلينتون على قانون روما الأساسي والنص التأسيسي بينما سحبت إدارة بوش التوقيع في أعقاب ذلك في عام 2002.
و اتهمت واشنطن بأنها تستخدم و تستغل المحكمة الجنائية في مواقف معينة ، مع تهديدها المباشر للمحكمة فيما يتعلق بالوضع في أفغانستان كما أشارت صحيفة واشنطن بوست مصرحةً: “اتخذ المراقبون الديمقراطيون والجمهوريون نهجًا غامضًا تجاه المحكمة ، واعترفوا أحيانًا بمحاكمة أمراء الحرب وغيرهم ، وأحيانًا أدانوا المؤسسة عندما ينظر المدعون إلى اتجاه غير موات للولايات المتحدة وحلفائهم” .
و بينوا ان الموقف الحالي سهل الفهم تمامًا: لا ينبغي أن يكون أي مواطن أمريكي قادرًا على التورط من قبل المحكمة الجنائية الدولية ، بينما ينص نظام روما الأساسي ، وهو النص التأسيسي للمحكمة الجنائية الدولية على إمكانية محاكمة الأفراد الذين ارتكبوا جرائم في الإقليم من الدول الأطراف ، دون تمييز على أساس الجنسية، فى الوقت الذى قال فيه وزير الخارجية مايكل في 15 مارس 2019 : “منذ عام 1998 ،رفضت الولايات المتحدة الانضمام إلى المحكمة الجنائية الدولية بسبب صلاحياتها القضائية الواسعة والتهديد الذي تشكله على السيادة الوطنية”. دخول أفراد المحاكم “المسؤولين” عن التحقيق المقترح في الجرائم التي يُزعم ارتكابها في أفغانستان و دول اخرى .

ختامًا، بنفس مستوى امريكا اس*رائ*يل كذلك لديها صلاحياتها القضائية الواسعة ويبدو انها ترفض اي تهديد على سيادتها الوطنية باي شكل من الاشكال ، بالإضافة الى ان من المعلوم ان المحكمة الجنائية مربوطة بمجلس الأمن هو من يحول القضايا و يقرر التحقيق فيها، و لا تتحرك المحكمة الجنائية دونه، و مجلس الأمن يتخذ قرارته بتصويت الأعضاء ، و قد أبدت مجموعة السبعة رفضها لتحريك اي ملف قضائي ضد اس*رائ*يل حرصًا على التقدم في عملية الأسرى و المختطفين ، و في ذلك إشارة على ان اغلبية اعضاء مجلس الامن لن يصوتوا لتحريك التحقيق القضائي تجاه إس*رائي*لي في الوقت الحالى . بالاضافة الي ان إس*رائي*ل صدقت و لكن لم توقع على نظام روما .

نواصل للحديث بقية

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب فقط، ولا تعكس آراء الموقع. الموقع غير مسؤول على المعلومات الواردة في هذا المقال.

مقالات ذات صلة

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
التقيمات المضمنة
عرض جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!