مقالات دينية

الكنيسة بيت الأبرار والخاطئين

الكنيسة بيت الأبرار والخاطئين

بقلم / وردأ إسحاق قلّو

( يسوع لم يأتِ ليدعو صديقين ، بل خطأة إلى التوبة ) ” لو32:5 “

  جاء المسيح من السماء ليفدي بني البشر . فهدفهُ هو ربح النفوس . عندما إنطلق إلى قرى ومدن الجليل بعد نجاحه في التجارب الثلاثة ، كانت غايته إصطياد الخطاة ، فطوبى لمن يسمع كلامه ويؤمن به .

كان يسوع صياداً للضائعين في متاهات هذا العالم . عندما كان يمر بين الجموع كان ينظر إلى قلوب الناس وليس إلى وجوههم ، فإختار اللاوي الجالس على كرسي الجباية ، فدعاه للإنضمام إلى جماعته ، فقام في الحال وتبعهُ بصمت . كذلك دعا زكا العشار من فوق الشجرة فآمن به . كان يسوع يجلس في بيت العشارين والخطاة الذين جعلهم رفاقه . هدف إختلاطه مع الخطاة كان من باب الإمتداد صوبهم لكي ينقذهم من مستنقع الخطيئة . وهكذا ينبغي أن تفتح الكنيسة أبوابها لغير المؤمنين لكي يقتربوا من كلمة الرب . وكلمة الله مؤثرة أكثر من سيف ذي حدين . بهذه السياسة إستطاع المسيح أن يغيّر قوانين كثيرة . فالإنسان البار في المجتمع اليهودي كان لا يؤاكل إنسان خاطىء في بيته ولا يجالسهُ بل كان بعيداً عنه .

   الفريسي كان يؤمن بأنه لم يكن هناك فرق أو تمييز بين الخاطىء والخطيئة ، لكن يسوع جاء ليفرز بين الخاطىء والخطيئة . وعلى هذا الأساس كان اليهود يدينون الآخرين كما أدان الفريسي العشار .   علينا أن ندين الخطيئة ، ولا ندين الإنسان الخاطىء الذي هو كإنسان مريض يحتاج إلى رحمتنا ، بل علينا أن نبحث عنه ونسعى لشفائه ونرحمه كما كان يسوع رحيماً تجاه الخطاة . إنه منطق آخر إلهي ، وهو المنطق الذي علينا أن نقتنيه في كل حين . الخاطىء يعرف ذاته بأنه خاطىء ، لهذا يبتعد من الكنيسة لأنه يعلم بأن لا نصيب له فيها ، فعلى المؤمنين أن يجلبوا الخطاة إلى الكنيسة لأنها دار الشفاء لكل خاطىء . لنعمل كما كان يعمل يسوع الذي خرج من تخوم صور وصيدا وذهب إلى تخوم المدن العشرالوثنية . كل تلك التخوم كانت وثنية فصنع فيها عجائب كالأشفية ، كما بشرهم بالكلمة ليصبحوا أعضاء في كنيسته فكسب المرأة الكنعانية ، وقائد المئة وغيّرَهم مع كثيرين مثلهم ، وهذا لكي يعلم الأجيال ويؤكد لهم أن الله لم يترك أمةٍ من الأمم من دون شاهد ( طالع أع 21:20 ) . فالله يفتقد كل إنسان بطرق يعرفها . وهكذا استطاع يسوع بتلاميذ بسطاء أن يكسب العالم ، أعطاهم سلطاناً لكي يضعوا أيديهم على المرضى فيحصلوا على الشفاء . لرتبة وضع اليد معنيان :

 الأولى ، لكي يشفى من مرضه وضعفه بعد أن ينال نعمة الشفاء . والثانية ، لكي يصبح المسيح الذي بإسمه نال الشفاء سيداً لهُ .

 كان للشيطان اولاً سلطان على ذلك المريض لكن بسبب البشارة تم تحريره من تلك القيود .

   المُبَشر بإسم المسيح يصطاد الناس ويقودهم إلى الكنيسة فعلى المبشر أن لا يظن بأن فضائله وقدراته وتعليمه هي من إبداعاته ، والذي يظن ذلك ، فلا بد من ان يسقط في حفرة الغرور والكبرياء ، والمجد الباطل لأنه يحسب نفسه دياناً لغيره . الفضيلة تأتي من التوبة الصادقة والتواضع ، وتسليم الذات إلى الله . هكذا يستطيع أن يكون فعالاً لقيادة الناس من الخطيئة إلى الكنيسة ومن ثم إلى القداسة .

  على كل مؤمن أن يقتدي بالمسيح لكي نملأ الكنيسة من الخطاة ، ويسوع جاء من أجل الذين يطلبون التوبة . . وهم بحاجة إلى من يقف بجانبهم ويشجعهم للسير نحو المسيح . فإذا سلك كل منا على هذا النحو فالمسيح سيعمل في داخله ويجعله تلميذاً وصياداً للنفوس كما جعل تلاميذه في زمان وجوده على الأرض . كما سيجعله فعالاً في كرمه ، وإلا فإنه سيبقى بعيداً عن وصاياه فلا يستطيع أن يكسب أحداً ليعمل معه في كرم الرب .

   عندما تزداد الخطيئة في الكنيسة بشكل كبير فعليها أن تعترف بضعفها أمام العالم وبدون تردد . لقد أعترف البابا بيوس الثاني عشر في رسالته ( الجسد السري ) سنة 1943م بـأن ( في الكنيسة آثاراً واضحة لضعفنا البشري ) وأكد أن ( المسيح لا يريد أن يفصل الخطاة عن المجتمع الذي بناه ) .

   كذلك البابا القديس مار يوحنا بولس الثاني في نهاية الألفية الثانية ، في يوبيل الألفين لتجسد إبن الله في أحشار مريم . ، طلب الصفح بإسم شعب الله عن الأخطاء التي فعلها أبناء الكنيسة في التاريخ ، فقال ( نطلب الصفح من كل إساءة صدرت منا تجاه الإنسانية ، كما نصفح نحن أيضاً عمن أساء إلينا ) .

في الختام نقول أن على الكنيسة واجب العمل بما عمله يسوع . عليها ألا تدين الخاطىء ، بل أن تقبلهُ وترفق به ، وتسعى كالمسيح للقائه والسكنى معه ، وتثق بقدرته . ونعمة الروح القدس ستعاون الخاطىء لكي يتحرر من خطاياه ويعود إلى الآب . فعلينا نحن المؤمنين أن نتذكر أقوال الرب عن الخطاة ( ليس الأصحاء بحاجة إلى طبيب بل المرضى . إني أريد الرحمة لا الذبيحة . وما جئت لأدعوا الأبرار ، بل الخاطئين ) ” مت 9 ، 12 ، 13 ) وهذه الآية تلخص كل ما يريد المسيح من كنيسته لكي ترحم الخطاة .

توقيع الكاتب ( لأني لا أستحي بالبشارة ، فهي قدرة الله لخلاص كل من آمن ) ” رو 16:1 “.

مقالات ذات صلة

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
التقيمات المضمنة
عرض جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!