نتانياهو أسدل الستار على النظام الإيراني
جرَّ نتانياهو القيادةَ الإيرانية إلى حربٍ غير متكافئة، وفي الوقت وبالأسلوب الذي حدّده، فباغتَ النظامَ وقضى على كامل الصفِّ الأول من القيادة العسكرية، ومن قيادة البرنامج النووي، ناهيك عن إلحاق الضرر الكبير في المنشآت العسكرية والنووية، وشَلِّ الطيرانِ الإيراني، وفتحِ أجواء الطيران بحُريةٍ تامّةٍ، بعد تَحييد المضادّات الجوية.
كنتُ قد كتبتُ مقالًا أواخر عام 2018م، ذكرتُ في خلاصته أنّ النظامَ الإيراني سينكمشُ على نفسه، بناءً على المُعطيات السياسية والأمنية في حينه، وأنّ تيارَ العولمة الحاكمَ في حينه، والذي كان قد استصنعَ هذا النظام، باتَ مقتنعًا بأنّ المشروع الفارسي المتشيِّع قد استنفذَ أغراضَه، ويجبُ تَحييدُه، ووضعُه في سباتٍ، لحين الحاجة إليه، والتي قد تَحلُّ مستقبلًا.
ومع تزامنِ رضوخ السلطتَينِ التنفيذيّتَينِ في إس*رائي*ل وأمريكا تحت إمْرَةِ التيار القومي اليميني فيهما، بقيادة نتانياهو وترامب، تمَّ إلغاءُ وتغييرُ كافةِ خُططِ وإجراءاتِ ومشاريعِ تيار العولمة، وبالأخصِّ في الشرق الأوسط، واستُبدِلتْ بخططٍ ومشاريعَ جديدةٍ، مُتعلّقةٍ بإيران وفلسطين والكرد، فتمَّ إلغاءُ مشروع حَلِّ الدولتَينِ، واستُبدِلَ بتأسيس دولةٍ يهوديةٍ واحدةٍ، عاصمتُها القدسُ، واتُّخِذَ قرارُ اسقاطِ النظام الإيراني وق*ت*لِ الخامنئي، وكاملِ كادره القيادي، واستُبدِلَ بتَفتيتِ إيران إلى دولٍ وكياناتٍ مُتعدّدةٍ، ووَجدَ الكردُ الّذينَ يَقطُنون قلبَ حوضِ الميزوبوتاميا أنفسَهم في مركز الخارطة الجديدة التي رسمها نتانياهو، وتيارُه القومي اليميني للشرق الأوسط الجديد، وسنشهدُ، قريبًا، كياناتٍ كرديةً تُعلنُ استقلالَها، في المنطقة.
جرَّ نتانياهو القيادةَ الإيرانية إلى نفقِ النهاية، من خلال تصريحاتِه حول تَوقُّعِه إنزالَ إيران ضرباتٍ مؤلمةٍ ومؤثّرةٍ على إس*رائي*ل، واختفائِه، وكابينتِه الوزاريةِ وعوائلِهم في الملاجئ، والتهويلِ الإعلاميِّ المرافقِ للضربات الإيرانية، كما أنّه فتحَ جُزءً من أجواء إس*رائي*ل لِتنهالَ القنابلُ على المواطنين، وتُخلِّفُ ضحايا كثيرةً بين المدنيين، فقدّمَ للغرب (فرنسا وألمانيا وبريطانيا)، المُبرِّراتِ الكافيةَ لإقناعِها بِنَفادِ صلاحيةِ مشروعِه القديمِ، وحلولِ وقت إزالتِه، ويبدو أنّ التيارَينِ القوميَّ اليمينيَّ والعَولميَّ اليساريَّ قد اتّفقَا على هذه النهاية وبهذا الأسلوب، وأنّ احتمالَ المُفاوضاتِ قد انعدمَ، وأنّه سيتمُّ تفكيكُ البُنيةِ التحتية العسكرية، والنووية، والإداراتِ المدنية المُتَلاصِقَةِ معها، قبلَ إسقاطِ النظام، وق*ت*لِ الخامنئي.
ستُنفرَشُ آثارُ ومآلاتُ هذه الحرب على فترةٍ زمنيةٍ، وفي مدى منظورٍ، فخلال سنتين أو ثلاث، سنشهدُ تفتُّتَ كلٍّ من إيران والعراق وسوريا وباكستان، وجزءٍ من تركيا، وقد يطالُ التغييرُ دُولًا أخرى في المنطقة، أيضًا، وستَنبثِقُ علاقاتٌ وتحالفاتٌ جديدةٌ بين دول المنطقة من رَحِمِ آثارِ هذه الحرب.
تسعى كلٌّ من تركيا وباكستان إلى أداء دورٍ لِتَلافِي، أو حتى تخفيف وطأةِ هذه الحرب عليهما، لأنّهما يعتقدان، بل ومُتأكِّدان من أنّ الدورَ بعد إيران سيكون عليهما، وقد صرّح بذلك مسؤولون باكستانيون، وأعلنَ عنه أردوغان، مِرارًا، ومنذ بداياتِ أحداثِ غ*ز*ة، ولم تأتِ مبادرةُ دولت باهجلي بخصوص السلام مع الكرد، إلّا تحت ضغطِ مُخطّطِ نتانياهو، الذي بدأ تنفيذُه يوم 7 أكتوبر 2023م، أملًا باحتواءِ الكُرد في تركيا، تحت سقفِ الجمهورية التركية.
لكنّني أرى، أنّ مساعيَهما جاءت مُتأخِّرةً، وبالاتجاه المُعاكِس، ممّا يجعلُ فُرَصَ نجاحِها شبهَ معدومةٍ، في حين كان يُمكنهما المساهمةُ في الخارطة الجديدة، وبالصيغة التي تُحقّقُ مصالحَ نظامَي الحكمِ فيهما، ووحدةَ أراضي البلدين، والرفاهَ لشعوبهما.
نتانياهو، اتّخذَ قرارَ إسدالِ السّتارِ على النظامِ الإيراني، ووكَلائِه، وكلِّ مَنْ وقفَ أو يقفُ معه، منذ سنوات، وبدأَ التنفيذَ مع أحداثِ غ*ز*ة، ثم تدحرجَ مثل كرةِ الثلج حتى وصلَ طهران، والحبلُ على الجرّار.. والخوضُ في تحليل وتفسير وتأويل هذا الوضع، من قِبَلِ المُؤيّدِينَ لنتانياهو أو المُعارِضِينَ له، إنّما هو عبثٌ ومَضيعةُ للوقت وتوتيرٌ للأعصاب، بدون مُبرّرٍ، ناهيكَ عن أنّه لا يُجدي ولا ينفعُ ولا يُغيِّرُ من الواقع شيئًا.
سنشهدُ، حتمًا، آثارًا اقتصاديةً واجتماعيةً على المنطقة بِرمَّتِها، وعلى العالم، أيضًا، وسأخوضُ في تفاصيلها مستقبلًا، في مقالاتٍ أخرى، وبالأخصّ الآثار المُترتّبة على العراق وأطيافِه.
أوصي، كافّةَ الوطنيِّينَ، وبكلِّ أطيافِهم في العراق، أنْ يُحرِّرُوا أنفسَهم من العيشِ في الماضِي، ويَترُكوا خوضَ النقاشاتِ العَبثيّةِ، وأنْ يُفكِّرُوا في مُستقبلِهم، في ظلِّ هَيمنةِ مشروعِ نتانياهو، وأنْ يَسعَوا إلى تأسيس مشروعٍٍ وطنيٍّ، يصنعُ رجالًا للحكمِ أكفاءً، ويََصونُ النسلَّ القادمَ من الذوبان في مشروع نتانياهو ودولتِه اليهوديةِ.
ألا هل بلّغتُ، اللّهم فاشهدْ
الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب فقط، ولا تعكس آراء الموقع. الموقع غير مسؤول على المعلومات الواردة في هذا المقال.