مقالات عامة

كنيسة خراب شمس

يزعم أهل الشمال الغربي من سورية أن بلداتهم المتناثرة على الهضاب والجبال الكلسية جبل سمعان وجبل باريشا وجبل الزاوية -والتي كان زيت زيتونها يُضيء شوارع روما، ونبيذ عنبها يُسكر أهلها- هي سرة بلاد الشام، والوارثة لملاحة الحضارات القديمة في الشرق العربي، على الرغم من إهمال ياقوت الحموي ذكر معظم بلداتها وقراها في معجمه؛ لأنها لم تكن في أيامه إلا قرىً زراعية صغيرة، أو مدناً أثرية مهجورة، أو رسوماً دارسة، في حين ذكر تلك البلدات الكبيرة العامرة بالحياة، كمعرّة النعمان بلدة فيلسوف المعرّة “أحمد بن عبد الله بن سليمان التنوخي” المكنَّى بأبي العلاء المعرّي، ونحن نفتخر بأن تربتنا تحتضن رفات ذلك الإنسان الجليل. هذه الملاحة الحضارية عكستها انعكاساً مذهلاً مئات المواقع الأثرية التي ترجع في الزمن لآلاف السنين. ومنها في جبل سمعان كنيسة خراب شمس.

كنيسة خراب شمس

يبعد خراب شمس حوالي 11 كم إلى الغرب من بلدة حيان التي تبعد بدورها 15 كم عن مدينة حلب في الشمال الغربي من سورية على الطريق بين حلب ومدينة إعزاز. وهي قرية أثرية هامة خالية من السكان الذين يقطنون قرية “ذوق الكبير” الواقعة إلى الشرق منها. كانت خراب شمس مزدهرة في الفترة الوثنية كما يبدو من اسمها ومن نجف أبواب وشبابيك بعض الدور الحاوية على رأس الثور وقرص الشمس وأغصان النخيل. ثم ازدهرت في الفترة المسيحية بين القرن الرابع والسادس الميلاديين.

ومن أهم آثارها كنيسة من القرن الرابع تقع في سفح الهضبة الجنوبي الشرقي، وتشاهد عن بعد منتصبة وهي من الطراز المُنتشر في الشمال الغربي من سورية والمؤلف من بهو رئيس وبهوين آخرين الى جانبيه، يفصل بين الأبهاء صفان من الأعمدة ذات خمس قناطر. أبعاد الكنيسة 22,5×12,5 م. في جهتها الشرقية حنية نصف دائرية يحيط بها غرفتان وجميعها يحدها جدار خارجي مستقيم من الشرق.

وهناك بابان في كل من الواجهة الجنوبية والشمالية وباب واحد في الواجهة الغربية، يتقدمها رواق بعرض 3 م فيه 8 أعمدة مربعة و7 فتحات. أما نوافذ الإنارة العلوية فوق الأقواس فتتألف جوانبها في الواجهة الشمالية من قطعة واحدة. وهذا طراز أقدم الكنائس من القرن الرابع، بينما انتهت أعلى نوافذ الواجهة الجنوبية بحجرة مقوسة مما يدل على ترميمها في القرن الخامس وجميع تيجان الأعمدة داخل الكنيسة ايونية الطراز، ماعدا تاج واحد كورنثي. نُشاهد في بلاط صحن الكنيسة شكلاً ظاهراً ولكن غير بارز عن الأرضية بشكل حدوة الحصان. هذا الشكل كان مرتفع عن الأرض مشكلاً منصة يُطلق عليها اسم “البيما” أو “المنبر” وهو بعرض 3.5 م وطرفه الغربي نصف دائري. وتعتبر الكنيسة من أهم وأقدم الكنائس التي لازالت قائمة في المنطقة، وقد حافظت واجهتها الغربية المبنية بأحجار كبيرة على كامل شكلها حتى المثلث العلوي بينما تهدم نصف الحنية الشرقية لوجود شجرة بلوط نابتة في وسط الهيكل.

مقالات ذات صلة

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
التقيمات المضمنة
عرض جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!