مقالات

محمد عبد الحميد خليفة، الناقد البصير الذي يتعامى عن عطائه

التقيته في فعاليات ثقافية مهمة في الإسكندرية وأحيانًا في الإسماعيلية والقاهرة، هو أستاذ ورئيس قسم اللغة العربية في جامعة دمنهور، محمد عبد الحميد خليفة، وما أدراك من هو هذا الناقد، قامة ثقافية تحمل هموم الكيان الثقافية، ورائدًا في ميادين النقد الأدبي، إذ قدّم منذ اكثر من عشرين عامًا مضى تصوراته النظرية عن النقد التكامليّ عن طريق كتابه الرائد (المرايا المتحاورة) وهو دراسة في تكاملية نقادنا الروّاد: طه حسين، محمد النويهي، محمد مندور، محمود عباس العقاد، ومصطفى عبد اللطيف السحرتي، وهذا الكتاب عُدّ اجتهادٌ في دروب النقد الأدبي، ودعا المهمومين بالنقد ومناهجه إلى الأخذ بأعطاف نظريته والإمساك بأطرافها، ومن الجدير بالذكر أنّه كان قد أصّل لهذا التصوّر النظري قبل هذا الكتاب بكتاب تناول فيه النص الأدبي بين إشكالية الأحادية والرؤية التكاملية في عام 2001، طارحًا أسئلة قوامها ماهية نظريته، وتسميتها، وهل هي نظرية معيارية أم وظيفية، وهل هي واقع يمكن تطبيقه، أم مجرد أفكار طوباوية؟ وقد أجاب هذا الناقد المهم على مستوى ساحات النقد العربي عن أسئلته، وأجاد في الإجابة، بحيث أضحى كتابه مرجعًا نقديًّا في عالم النقد التكاملي في المكتبات العربية برمتها، ولعل دعوته لضرورة التصالح بين العلوم الإنسانية باستعارة بعضها مناهج بعضها الآخر، والاستفادة قدر الإمكان من المعطيات المنهجية لعلم ما لأجل دعم علم آخر وتلقيحه بمناهج كانت تبدو منذ زمن قريب بعيدة كل البعد عنه، كانت بمرتبة الصرخة النقدية لاستنهاض همم النقّاد الجادين على مستوى الوطن العربي، ليحوّلوا النقد إلى نشاط إنسانيّ يرقى إلى درجة العلم المنضبط، الذي تميز بمنهج اختلف كثير من النقاد في ماهيته.
كما طرح الدكتور خليفة في كتابه التكاملية من منظور آخر؛ الوسطية والاعتدال بصفتهما فلسفة لمنهجه، ودعا للولوج في عمليات القضاء على ظاهرة التبعية للغرب الحداثي ونظرياته، والبحث في تراثنا الثري بكتب النقد، ليس كتابا الجرجاني، إعجاز القرآن، وأسرارالبلاغة آخرها، بل النظر للتراث بشكل شامل، إضافة إلى أن نبقي أعيننا مفتوحة، وعقولنا صاحيةً لما أنتجه العقل الأوربي في الأزمنة الحديثة، وتحديدًا في مرحلة الحداثة، التي تجاوزها الزمن بنظريات ما بعد حداثية وسوبر ما بعد حداثية، الكتاب دعوة للبحث عن تأصيل هوية ثقافية لا ترتكز على التراث فحسب، بل تنطلق من بناء المستقبل تفاعلًا مع الحاضر المفعم بالماضي، والمخترق بقوة من عالم الحداثة الغربية وما بعدها.
كما تابع الدكتور خليفة مسيرته في النقد بإصداره عشرات الكتب النقدية، ومنها ما هو مخطوط، لم يستطع إلى الآن أن يجد سبيله للنشر، نتيجة الإهمال المتعمد من أشباه المتثاقفين الذين يتربعون على مراكز قيادية في مؤسسات الدولة الثقافية، ومن كتبه الأخيرة كتاب الموروث الكنسي في الرواية العربية، وكتاب التجريب في روايات محمود عوض عبد العال، وهو درااة في تقنيات الزمن وأثرها في بناء النصوص التي كتبها المرحوم عبد العال.
لا يستطيع المرء الإحاطة بنشاط الأستاذ الدكتور خليفة النقدية والأدبية، لاسيما في الفاعليات والندوات وورشات الكتابة السردية، التي يقوم بها بكثافة لا تستحق الثناء والتقدير فحسب، بل العجب من طاقته الثقافية والنقدية والأدبية التي لا تنضب، والتي لا تذبل أمام التحديات والصعوبات التي يلاقيها في اوساطنا الأدبية والثقافية.
شكرًا محمد عبد الحميد خليفة، شكرًا لأنك تضعنا في درب الثقافة والتطلع لبناء وعي نقدي يلعب دورًا أساسيًّا في بناء وعي مجتمعيّ شامل.
شكرًا جزيلًا لعطاءاتك الكبيرة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب فقط، ولا تعكس آراء الموقع. الموقع غير مسؤول على المعلومات الواردة في هذا المقال.

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
التقيمات المضمنة
عرض جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!