مقالات دينية

واجبات الإنسان نحو الطبيعة ومستقبلها

واجبات الإنسان نحو الطبيعة ومستقبلها

واجبات الإنسان نحو الطبيعة ومستقبلها

 

بقلم / وردا إسحاق قلّو

( هوذا يوم الرب قادم قاسياً بسخط وحمو غضب الله ليجعل الأرض خراباً ويبيد منها خطاتها ) ” أش 9:13 “

    الله خلق الكون بنظام دقيق . خلق السماء والأرض والشموس والمجرات والكواكب الكثيرة التي تعد بالمليارات ، ولكل كوكب نظامه ويتبع إلى منظومته الشمسية ، وكل شىء يسير وفق خطة الخالق منذ يوم الخلقة الذي يعتبره العلماء يوم الإنفجار العظيم ، وبعد ذلك خلق الله الإنسان والحيوانات والنباتات ، وسلّمَ الخليقة إلى أسمى مخلوق ليرعاها ، وهو الإنسان العاقل ، فقبل الخطيئة كل شىء كان يسير بترتيب عندما كان الأبوين في جنة عدن ، فكانت الخليقة تتبع الإنسان الذي كان راعياً عليها . بعكس العلم المعاصر الذي يقول بأن الخليقة قائمة بذاتها . وتتحرك مع الزمن ذاتياً أي لها إستقلاليتها في الخلقة والوجود ، فأعطوا نظريات كثيرة عن الإنسان والخليقة من دون الله .  لكن علم اللاهوت يجد علاقة واضحة بين الله والإنسان والطبيعة ، فيوصف المسيح بأنه هو الخالق . فالله خلق الكون بكلمة ، فقال : كن ، فكان ( يو3:1 ) . والكلمة هو المسيح الذي يقول عنه الكتاب ( بكر كل خليقة ) ” قول 15:1 ” . لأن فيه خلق كل الكون . تقول الآية ( فيه خلق الكل ، ما في السموات ، وما في الأرض ، ما يرى ، وما لا يرى ..كل ما في الكون قد خلق به ولأجله ) ” قول 16:1 ” .

   إذاً خالق الطبيعة هو الله الذي سلمها للإنسان ، فعلى الإنسان أن يتناغم مع الطبيعة الجميلة ويحرسها لأنها أمانة لدية . وأول عمل يقوم به هو تعميق العلاقة بين البشر على أسس المحبة لكي يستخدم الكل سلطتهم بصورة صحيحة للحفاظ على كل ما في الطبيعة ، فإذا عاش الإنسان بسلام ، بعيد عن الحروب والكوارث وتلويث البيئة سيستطيع الحفاظ على جمال الطبيعة من الدمار ، كتلوث البحار والمحيطات والجو  بسبب الغازات السامة التي تخرج من المعامل ، وسلامة الغابات التي تحترق بسبب الإهمال أو الحروب المدمرة والأسلحة الفتاكة التي يستطيع الإنسان أن يدمر بها كوكب  الأرض عشرات المرات ، ومثل تلك الأسلحة موجودة في بلدان كثيرة ، والسياسات متناقضة ومتقاطعة ومخيفة . ومصلحة الدول العظيمة تفرض على الدول  الضعيفة مصالحها ، وهكذا تظهر الحروب والكوارث ، وكلها تدرج وتفسر ضمن إطار البيئة ، والتي تسبب لها مخاطر كثيرة تهدد سلامتها لأنها تلعب دوراً سلبياً لصالح الدمار . لقد أنذر الله الإنسان بنبؤات كثيرة بما سيحصل من كوارث مدمرة عندما تقوم أمة على أمة . فيوئيل النبي كتب لنا هذه الأية ( وأعطى عجائب في السماء والأرض دماً وناراً وأعمدة دخان ، تتحول الشمس إلى ظلمة ، والقمر إلى دم قبل أن يجىء يوم الرب ) ” 2: 30-33″ .

 كذلك كتب إشعياء النبي عن هذا الدمار في ( 9:13 ) وإرميا في ( 22:10 ) وأيضاً في ( مز 32: 7-8 ) . وهكذا يبين لنا العهد القديم في أسفاره المقدسة أن سبب الدمار هو الإنسان نفسه بسبب خطيئته . فبسبب خطأ الإنسان في العهد القديم دمر الله الأرض كلها بطو*فا*ن مدمر ولم يخلص غير نوح البار وعائلته . وكذلك دمر سادوم وعامورة بسبب الخطيئة أيضاً ولم ينجو غير لوط البار وعائلته . وهكذا عندما يكبر حجم الخطيئة ويصل إلى محضر الله فإجرة تلك الخطيئة هو الدمار. والله الذي يسمح بالدمار ليس هو سبب الدمار ، بل خطيئة الإنسان التي تثمر ثماراً تليق بأفعاله الخاطئة .

   لولا توبة نينوى لكانت خطيئة الإنسان هناك هي سبب في تدميرها . أما في العهد الجديد فقد جاء المسيح لكي يعيد الإنسان إلى ما كان قبل السقوط . أي ليجعل الإنسان خليقة جديدة ( طالع 2 قور 17:5 ) ولكي يعيد الطبيعة تتبع الإنسان المؤمن الصادق في كل مسيرته الطاهرة الجديدة لهذا قال بولس الرسول ( لأن الخليقة قد أُخضعت للباطل ، لا بإختيارها ، بل من قبل الذي أخضعها ، على رجاء أن تُحرر هي أيضاً من عبودية الفساد إلى حرية المجد التي لأولاد الله ، فإننا نعلم ان الخليقة كلها تئن وتتمخض معاً حتى الآن ) ” رو 8: 20-22 ” . أي حتى الطبيعة تريد أن تتحرر من ظلم الإنسان لتخلق من جديد .

   أما سفر الرؤيا فيشرح لنا يوحنا الرائي كل شىء بالتدريج كيف سيتم تدمير هذه الأرض ، وكيف يتم الإنتقام من دماء القديسين الذين أريقت دمائهم عليها بسبب إيمانهم ، إلى أن يدمر كل شىء في الطبيعة بسبب خطيئة الإنسان لكي يخلق الله أرضاً وسماءً جديدة ، بل أورشليم جديدة لكي تشترك الخليقة كلها ولأول مرة الإنسان والحيوانات والجماد بتسبيح مشترك وكامل مع الله الخالق والمسيح الذي سيملك كل شىء بعد أن يحقق الله مخططه ( طالع رؤ 21و22 ) .

   هذا سيحدث عندما يصل الإنسان إلى خط اللاعودة من الخطيئة رغم الضربات التي سيضرب بها من السماء بعد فتح الأختام السبعة من قبل الحمل المذبوح . هكذا يؤكد لنا سفر الرؤيا أن موقف الإنسان العدائي من الله وإصراره على الخطيئة رغم الضربات الكثيرة التي ستضرب بها الأرض ، فالإنسان لا يتوب والتي تشبه الضربات العشرة التي ضرب الله بها مصر ، لكن فرعون قسى قلبه . هكذا الإنسان في النهاية سيظهر عدائه لله رغم كل تلك الضربات الم*روع*ة بعد البوق الخامس والسادس ، ستستمر البشرية على خطيئتها وتبقى قاسية وتعبد أوثان أيديولوجياتها المعاصرة البعيدة من فكر الله الخالق . سيعبدون مصالحهم رافضين عبادة الله والعمل بوصاياه  ، أي أتقوا المخلوق وعبدوه من دون الخالق ( طالع رو 25:1 ) . لهذا سينتقم الله بسبب خطيئة الإنسان بعد إن تفتح الأختام السبعة ، وتبوِّق الأبواق السبعة لكي يبقى الإنسان البار الذي سينجو من كل تلك الضربات كما نجى الشعب العبري في مصر . الإنسان سيقسى قلبه في الأيام الأخيرة معانداً ومتحدياً لله كفرعون  فيكون هو السبب في دمار الخليقة . علماً بأن ملاك الرب سيحرض الناس في تلك الأيام على التوبة والعودة إلى الله . فيقول لهم ذلك الملاك الطاهر في وسط السماء والذي يحمل بشارة أبدية للبشر ، منادياً ( خافوا الله ومجدوه ، فقد حانت ساعة الدينونة . إسجدو لمن خلق السماء والأرض والبحر والينابيع ) ” رؤ 7:14 ” ومن هذا نعلم بأن علاقة الإنسان مع الطبيعة عدائية بسبب بعده عن الله وتمجيد مصالحه الزمنية على حساب المحافظة على الطبيعة ، وبمصالحه الشخصية الأنانية يهين الله وأخيه الإنسان ، ومن ثم يعادي الطبيعة . لهذا تبدأ الضربات ويظهر الدمار الرهيب ، وعذابات مذهلة ، وموت شنيع ، وخوف ورعب وفزع وذلك لأن الإنسان تحول من مساره بسبب خطاياه ، وإجرة الخطيئة هي الموت . لهذا يرى يوحنا الرائي بأن نفوس الشهداء تحتج وتطالب الإنتقام السريع ، وبعد إنفتاح الختم السادس سيحدث للخليقة ، في الأرض حوادث غير مسبوقة كالزلازل العظيمة والفيضانات ، أي سيسمح الله للطبيعة نفسها لكي تنتقم من الإنسان الذي شوَّهَ جمالها . وفي تلك الأيام سيلجأ الناس بدءً من القواد والملوك والرؤساء والأغنياء إلى المغاير وصخور الجبال ( طالع رؤ 15:6 ) .

   أجل ستثور الخليقة التي شوّهها الإنسان بفعل خطاياه فتقوم بضرب الإنسان الخاطىء ، وتتناغم مع الشهداء الذين رووا أرضها بدمائهم الطاهرة . أما الإبليس الذي كان يحرض الإنسان إلى الخطيئة فسيرمى في بحيرة الكبريت الأبدية مع كل من لم يكتب إسمهُ في سفر الحياة ( رؤ 20 : 10 ، 15 ) .

   نختم الموضوع بالقول : يوحنا رأى السماء الجديدة ، والأرض الجديدة ، وأورشليم الجديدة  ( رؤ 21: 1-2 ) وسمع صوتاً من السماء يقول له : أن الله من الآن فصاعداً سيسكن مع الناس وسيكون معهم إلى الأبد ، أما نصيب الجبناء والكفار وعابدي الأوثان وكل من يقاوم الحق يكون ( في  المستنقع المتقد بالنار والكبريت ، ذاك هو الموت الثاني ) ” رؤ 8:21 ” .

 وبعدها تخلق سماء وأرض جديدة ، ويتم الوعد الإلهي ( ها أنا أصنع كل شىء جديداً ) .

أما المؤمنين الذين عبدوا الله فسينظرون الله وجهاً لوجه . وسيكون اسمه على جباههم …الرب الإله ينشر نوره عليهم أبد الدهور  . ولإلهنا المجد الدائم .

  التوقع ( لأني لا أستحي بالبشارة . فهي قدرة الله لخلاص كل مؤمن ) ” رو 16:1 “

مقالات ذات صلة

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
التقيمات المضمنة
عرض جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!