مار كوركيس شفيع مانكيش وحاميها
مار كوركيس شفيع مانكيش وحاميها
بقلم/ وردا إسحاق قلّو
جدارية للقديس نفذت بطريقة النحت على الطين ومن ثم فخر العمل وتزجيجه ( سيراميك ) من قبل كاتب الموضوع
مار كوركيس هو الشفيع الأول لأهل مانكيش . ولمانكيش ثلاث قديسين شفعاء ، وهم ( مار كوركيس الشهيد ، ومارت شموني ، ومار توما الرسول ) ولكل منهم يوم يسمى ( دُخرانا ) او ( تذكار ) يحتفل به في قداس خاص يذكر الكاهن في وعظته السيرة الطاهرة لكل منهم لكي يقتدي الشعب بهم ، إضافة إلى تكريمهم كل عام بإقامة مهرجان سنوي خاص يسمى ( شيرا ) في يوم تذكارهم .
يصادف تذكار مار كوركيس يوم 23 نيسان من كل عام ، وهو أول تذكار أوعيد يأتي بعد عيد الفصح المجيد . يتم تكريمه كل عام وذلك بمشاركة كل العوائل في تقديم النذور لشفيع بلدتهم التي حماها في كل العقود ، ولهم محبة خاصة لهذا القديس وثقة في شفاعته وقدراته .
يطبخون أكلة ال ( هريسا ) في قدور كبيرة يفوق عددها العشرين توزع لأهل البلدة ولبعض القرى المسيحية القريبة . يتباركون بتناول الأكلة التي يصلي عليها راعي الكنيسة بمشاركة جوقة الشمامسة ، كما يصنعون من الهريسة الفطائر المانكيشية الشهيرة واللذيذة والتي تسمى محلياً ( بَطيري ) ، قد تكون كلمة ( فطائر ) العربية مأخوذة من ( بطيري ) السريانية .
مار كوركيس هو أحد الأبطال الشهداء في الكنيسة الجامعة . له ألقاب كثيرة ، وأشهرها ( امير الشهداء ) ، والأقباط يلقبونه ب ( سريع الندهة ) وذلك لسرعة تلبيته للطلبات . ويسمى بالروماني لأنه كان حاملاً للجنسية الرومانية
لأهل مانكيش قصص كثيرة تسرد مواقفه الكثيرة التي أجترحها لأهل مانكيش .
تم تكريم مار كوركيس بتشييد كنيسة جديدة بإسمه ، والواقعة في مركز مانكيش ، وذلك بعد هدم الكنيسة القديمة التي كانت مبنية في ساحة الكنيسة الحالية والتي كانت تحتوي على هيكل واحد فقط لا تكفي لكل أبناء الخورنة . لهذا تم هدمها والشروع ببناء كنيسة جديدة من الحجر والنورة ( صخر محروق في كورة يتحول إلى مسحوق أبيض يستخدم بين أحجار البناء ) . بدأ البناء في عام 1929 بإشراف خوري الكنيسة القس هرمز كيزي ، وإنتهى البناء في عام 1934 ، والكنيسة تحتوي على ثلاث هياكل . سميت الكنيسة بإسم القديس الشهيد مار كوركيس ، كما سمي الهيكل الأول على اليمين بإسمه ، بينما الهيكل الوسطي خصص للعذراء مريم سلطانة الوردية ، أما الهيكل الأخير فكرس لأبينا إبراهيم .
أما الكنيسة الكلدانية عامةً فكرمته بتسميَت كنائس كثيرة وأديرة وهياكل باسمه ومنها كنيستان في بغداد ودير في الموصل في منطقة ( بعويرا) . أما كنائس ابرشية العمادية فهناك كنيسة مانكيش والتن وفي ابرشية زاخو ودهوك فهناك كنيسة فيشخابور وشيوز وكذلك بالنسبة الى ابرشيات الموصل والقوش وتلسقف وباقوفة واربيل وغيرها عدا الكنائس الكلدانية في بلدان المهجر .
سيرة مختصرة للقديس
ولد القديس في مدينة الّلد في الأراضي المقدسة في القرن الثالث واستشهد على يد الطاغية الإمبراطور ذيوكلسيانس ( ويسمى أيضاً دقلديانوس ) الذي سار على سراط من سبقوه من الملوك الوثنيين في إضطهاد المسيحيين ، ففجر أنهاراً من دماء المسيحيين في جميع الأمصار . فكان عهده خالياً من الرحمة على المؤمنين بالمسيح ، فوقف القديس العظيم له بالمرصاد متحدياً بطشه وجبروته ، فشرع مجاهراً بلوم الإمبراطور وظلمه . لم يكترث بنصائح المحيطين به الذين خافوا عليه من سخط ذلك المستبد . لكنه لم يعبأ بنصائحهم بل أزداد ح*ما*ساً ومقاومة . وعزة نفسه وإيمانه القويم دفعاه لأن يجاهر بإيمانه بالمسيح وإن نال العذاب المرير والموت الجسدي .
أراد مار كوركيس أن يعمل بوصية سيده ، القائل ( ومن لم يحمل صليبه ويتبعني فليس أهلاً لي ، ومن فقد حياته في سبيلي يحفظها ) ” مت 10: 38-39 ” أدرك القديس معنى ومغزى هذه الوصية وأراد أن يتممها في حياته ، فتأمل بها أولاً وتلذذ بحلاوة العذاب قبل أن يتعذب وكأنه كان يتدرب لمواجهة ذلك المصير الذي لا يرحم . كان في حينها ضابطاً شاباً لا يتجاوز العقدين من العمر . إنطلق سائراً في درب سيده حاملاً ثقل صليب الخلاص .
رسم له خطة للنضال القاسي بدأها بتوزيع كل ما يملك على الفقراء ، ومن ثم تفرغ للصلاة ليعيش مع فاديه وبالتكريس بالكلمة بكل شجاعة والى أن تأتيه ساعة الشهادة . لم يشبع رغبته في البقاء في مرحلة التبشير ومقاومة الظلم على المؤمنين بل تجرأ لمقابلة الإمبراطور ليعلن له عن سّر إنتمائه إلى المسيحية أولاً ، وإلى رفع الظلم عن المسحيين ثانياً ، مدحضاً بجرأة كل ما نسب غلى المسيحية من الإفتراءات ظلماً وعدواناً ، وطلب من ذيوكلسيانس أن يعطي للمسيحيين الحرية مثل باقي الشعوب في مملكته . غضب الأمبراطور من جرأته ، لكنه كظم غيظه فقال له بهدوء ( أيها الشاب ، كن حريصاً على مستقبلك ) لكن القديس رد عليه بقوة ، فإستشاط الإمبراطور غضباً وأمر بتوثيق رجليه بحبال ، وجعلوا على صدره حجراً عظيماً ، وتركوه مطروحاً على الأرض . لكن القديس أخذ يسبح الله ويعظم قدرة المسيح طول ساعات الليل . في الصباح إستقدمه الملك آملاً أن تكون تلك العذابات والإهانات قد كبحت جماح ح*ما*سة كوركيس وهدأت ثورته وأعادته إلى رشدهِ . لكنه ظهر أمامه بأشد صلابة وأكثرجرأة .
أمر الملك بوضعه في دولاب كله مسامير ثم أدير الدولاب بعن*ف فتمزق جسده وتشوه وجهه الرائع الجمال وتخضب بالدم . لكنه أحتمل ذلك العذاب بصبر ، ولم يتأوه ولم يسمع منه أنين ! وفي تلك اللحظات طرق إذنيه ، وهو غائص في بحر تلك الآلام ، صوت سماوي يقول له :
يا كوركيس ، لا تخف لأني معك . وظهر له بغتة رجل ينبعث فيه نور وضاء عليه لباس أبيض ، فعانقهُ وشجعه ، فتقوى وأظهر ثباتاً وبأساً .
فشدد الجند في عذابه ، ولكن لم تخر عزيمته ، بل بقي صابراً لا يئن ولا يتأوه ، بل يسبح الله ويمجدهُ ، فلما رأى الحاضرون الوثنيون تلك الشجاعة النادرة ، آمن كثيرون منهم بالمسيح ونالوا هم أيضاً أكليل الشهادة .
فيوكلسيانس أكبر في ذلك الشاب تلك الشجاعة الفائقة ، وعز عليه أن يخسر قائد حرسه الهمام وإبن صديقه القديم . فعمل على خلاصه وإبقائه ، فأمر أن تضمد جراحه . ثم أحضرهُ أمامه وأخذ يلاطفه ويتملقه بالوعود الأخاذة ، لكي يثنيه عن عزمه ويحمله على الرجوع عما كان يظنه . تظاهر كوركيس بالإقتناع ، وطلب إلى الملك أن يسمح له بزيارة معبد الأوثان ويرى الآلهة . ففرح الإمبراطور لظنه أنه قد عاد إلى صوابه وقبل أن يكفر بدين المسيح . كما أراد أن يكون إنتحال كوركيس للوثنية علنياً بإحتفال مهيب . فجمع مجلس الأعيان وجمهور الشعب ليحضروا تقديم القربان للإله ( أبولون ) من يد مار كوركيس . فإجتمعوا وذهبوا إلى معبد رئيس آلهة المملكة . فخص المعبد بإلوف القادمين . وأستعد الكهنة ولبسوا الحلل الذهبية ، ووقفوا ينتظرون . فجاء مار كوركيس ورأسه معصوب ويداه ملفوفتان بلفائف ، فتطلعت إليه الأبصار فرحةُ به وبعودته إلى آلهة أجداده ، وبنجاة ذلك الشاب .
تقدم مار كوركيس إلى تمثال ( أبولون ) وتفرس فيه ثم رسم على نفسه إشارة الصليب وخاطب الصنم وقال له : أتريد أن أقدم لك الذبائح كأنك إله السماء والأرض ؟ فخرج صوت من داخل الصنم يقول : إنني لست إلهاً ، بل الإله هو الذي أنت نعبدهُ . وفي الحال سقط ذلك الصنم على الأرض ، وسقطت معه سائر الأصنام في المعبد وتحطمت جميعها . وخرجت من الأرض ومن الجدران أصوات منكرة هائلة أذعرت الحاضرين . فجمد الدم في عروقهم من شدة ما إستولى عليهم من الخوف والهلع . فصاح الكهنة : أن كوركيس بفعل سحره الشيطاني قد حطم آلهتنا . فالموت لهذا الساحر . فثار الشعب على كوركيس وكاد أن يمزقه لو لم يتداركه الجند .
أمر الملك بقطع رأسه لكي يهدىء ثائرة الشعب . فركع كوركيس وشخص إلى السماء وصلى ، ثم حنى رأسه أمام السياف وتلقى بخشوع وقع السيف . فطارت تلك النفس الفتية إلى السماء وكان ذلك سنة 303 م .
القديس الشهيد الذي أجرى الله عجائب كثيرة على يده عبر العصور ، والذي إنتصر على رموز الوثنية بإيمانه وصموده ومقاومته لكل أشكال الظلم عبَّرَعن إسطورة حياته ضد ظلم الوثنيين . عبّرَ الرسام بإيقونةٍ جميلة مَثَّلَ فيها الوثنية بوحش التنين الذي قضى عليه القديس بإيمانه وشجاعته فتحطم صخر وثنية الرومان لتحصل المسيحية على الحرية . فلنطالع تفاصيل تلك الأيقونة في الموضوع التالي :
مصادر رسم أيقونة مار كوركيس الشهيد
طريقة طبخ أكلة الهريسة في مانكيش لسنة 2025 . العدد 40 قدر
ماركوركيس هو أمير الشهداء والكثير المعجزات وشفيع لبلدان كثيرة . والكنيسة الكاثوليكية جعلته نصيراً لها فأعلنت قداسته في مجمع عام 404 م الذي أقيم في روما في عهد البابا جلاسيوس الأول . في فرنسا كنائس كثيرة بأسمه ، وفي روسيا القيصرية رسموا صورته على حصون كثيرة ، وأنشأت الأمبراطورة كاترين وساماً رفيعاً سمته وسام جاورجيوس ، وكان على شكل صليب منقوش في وسطه صورة القديس ، كان يمنح للقادة المنتصرين في المعارك . كان القديس شفيعاً لروسيا قبل الثورة البلشفية 1923 ، وأعادته روسيا الجديدة بعد سقوط الشيوعية لكي يكون شفيعاً لها . أما في بريطانيا ففيها 152 قرية بأسمه وصورته منقوشة على الجنيه البريطاني ( جنيه الذهب ) وتعتبر بريطانيا عيده عيداً قومياً وعطلة رسمية تسمى ( سانت جورج ) . وفي لبنان خليجاً بأسمه تقع عليه مدينة بيروت . وهكذا بالنسبة الى بلدان أخرى كاليونان وجورجيا المشتق أسمها من أسم القديس ، وزامبيا والبرتغال وفلسطين ونمسا وأيطاليا . أما العراق فقد ذكرنا كنائس كثيرة بأسمه .
للقديس أسماء كثيرة ومنها كوركيس ، جاؤرجيوس أو جاؤرجيوس ، ، جرجس ، جريس ، جورج ، أما في العربية الفصحى (جرجة ) أو جرجس ومعنى أسمه الحارث أو الفلاح . .
من أين أخذ الرسام فكرة رسم الأيقونة ؟
لا توجد أيقونة مرسومة بطريقة كيفية وبحسب ذوق الفنان أو أفكاره الخاصة لأن رسم أيقونة لقصة أو موضوع أو لقديس ما ، هو كتفسير آية أو قصة في الكتاب المقدس . والكتاب حذرنا من الوقوع في خطأ التعليم أو التفسير لأن حسابه عسير ( يع 3: 1-2
كل أيقونة هي موضوع فيه قصة ، والقصة المرسومة مستمدة أما من الكتاب المقدس أو من السيرة الذاتية لقديس . ففكرة رسم الأيقونة يجب أن تدرس جيداً من قبل الكنيسة والرسام معاً للوصول الى الفكرة الصحيحة قبل شروع الفنان برسم سكيتشات تخطيطية تقدم الى الكنيسة لتقارنها مع الأفكار التي قدمتها للفنان وذلك لكي تعالج اللوحة الموضوع المطلوب من الناحية اللاهوتية بشكل دقيق ، فتتحول الصورة الى موضوع لا وبل الى قصة مرسومة بشكل جميل لكي تصبح دليلاً يوَجه الناظرين اليها الى فهم الموضوع ، فتقودهم تلك الأيقونة كقطعة دلالة الى ما خلف الصورة حيث الهدف المقصود
أيقونة مار كوركيس جاءت فكرتها من أن القديس كان ضابطاً في الجيش الروماني . أذاً عليه أن يرتدي ملابس الحرب الكاملة لكي يقاتل الأعداء . لكن الحروب التي تخوضها الكنيسة ليست مع ذوي اللحم والدم ، بل مع أجناد الشر الروحية . لهذا يجب أن تجمع بين الأثنين .
ملابس الجندي الروماني الذي يرتدي الخوذة والدرع ويتمنطق بحزام ، أضافة الى تقليده للسيف ، وركوب الحصان لكونه ضابط . كل هذه التجهيزات والأسلحة ترجمها الرسول بولس هكذا : الخوذة التي تؤمن سلامة الرأس ترمز الى الخلاص الذي يتحكم على أفكار الأنسان . أما الدرع الذي يغطي منطقة الصدر فيرمز الى البر والقداسة لأنه يغطي القلب الذي هو نبع القداسة وحسب قول الرب يسوع ( الرجل الطَّيب مِن الكَنْزِ الطَّيب في قلبه يخرجُ ما هو طيب .. ) ” لو 45:6 ” وكلمة الرب التي في القلب تمتحنه وتنقيه لأنها فاحصة القلب والأفكار ( عبر 12:4) وكذلك تغسله وتطهره من كل عيب ( أفس 26:5 ) وهكذا كان قلب القديس نقياً وطاهراً .
أما الحزام الذي يحيط وسط المحارب ليشد قامته لكي يكون قادراً على السيطرة والتحكم في كامل بدنه ، فيعني أن المؤمن يمنطق حقويه بالحق والصدق والأمانة ، ومطلوب منه أن يكون مستعداً لمساعدة المحتاج كما قال داود النبي ( أنما خير ورحمة يتبعاني كل أيام حياته ).
أما السيف فيرمز الى كلمة الله التي هي أقوى من السيف ذو الحدين . فالسيف الذي أستخدمه مار كوركيس لهدم معاقل الإبليس لم يكن سيف الحروب الجسدية ، بل أستعمل سيف الحروب الروحية أي الصليب المقدس ، أنه سيف المحبة التي بها غلب يسوع العالم . لهذا رسم الرسام الصليب على جنب القديس
أما الفتاة والبيت في الصورة فيرمزان الى عروس المسيح أي الكنيسة المقدسة التي كان يحاربها التنين ويبحث عنها لكي يلتهمها ” رؤ 13:12 ” والقديس دافع عنها ، وهن حريتها .
أذاً مار كوركيس هو الرمز للرب يسوع الراكب على الحصان الأبيض الذي يقصي ويحارب ممالك الأمم بالعدل بحسب الآية ( ثم رأيت السماء مفتوحة ، وأذا حصان أبيض يسمى راكبه – الأمين الصادق – الذي يقضي ويحارب بالعدل ) ” رؤ 11:19
مار كوركيس القائد الراكب على الحصان الأبيض يرمز الى المسيح وعباءه الأحمر الدموي ، هو كرداء الرب المخضب بالدم ” رؤ 13:19 “.
المسيح وحده هو الذي داس المعصرة وحسب قوله في ” أش 3:63″ ( دست المعصرة وحدي ومن الشعوب لم يكن معي أحد . وطئتهم بسخطي ودستهم بغضبي فأنتضح عصيرهم على ثيابي فلطخت ملبوسي كله ) . لنسأل ونقول ، ومن داس المسيح في المعصرة ؟ الجواب : داس التنين الذي يمثل الوثنية التي سجدت لأصنامها الشعوب . التنين في سفر الرؤيا هي الشعوب الوثنية التي قاومت الكنيسة كذلك في أيقونة مار كوركيس نرى بأنه وحده قضى على التنين
من هذه الآيات نُسِجَتْ فكرة رسم الأيقونة لكي تكون كاملة وهادفة ومعبرة . رسم هذه الأيقونة التي صارت شعاراً لهذا القديس ، وهي تكريم الكنيسة المقدسة لهذا الشهيد العظيم
كما نشرت مقالاً آخر عن القديس ربطت فيه عن القصة الإسطورية المتداولة في القرى الكلدانية ومدونة في كتاب خاص مكتوب بالسريانية وربطت موضوعها بما هو حقيقة ، حذفت بعض السطور منها لأنها مذكورة في أعلاه والخاصة بسيرة القديس وموضوع تكريمه لكي لا يتكرر .
قصة مار كوركيس الشهيد بين الأسطورة والواقع
مار كوركيس هو أحد أبطال الكنيسة الذي ولد في الربع الأخير من القرن الثالث واستشهد عام 307 م على يد الطاغية الإمبراطور ( ذيوكلسيانس ).
قصة مار كوركيس كنا نسمعها في قرانا فكانت تتلى علينا من كتيب باللهجة الكلدانية تبدأ القصة : كان بعد سوريا مدينة اسمها بيروت وبعدها تأتي قصة التنين . نفهم من هذا بأن كاتب القصة كان عراقياً وذلك لأن سوريا تقع بين العراق ولبنان ، لكن القصة كانت تبدوا وكأنها أسطورة من نسج خيال الكاتب حيث هناك تنين متحدي ظهر في نبع العين الذي يسقي بيروت واشترط التنين بشكل أو بآخر مع أبناء المدينة لكي يفتح لهم الماء مقابل بنت شابة ومعها طبق طعام . سؤال وماذا لو ارسل له ولداً هل كان يعلم فيعارض أو يرفض ؟
أما ملك المدينة فطلب من أهلها بأن تكون أبنته الوحيدة خاتمة بنات بيروت , لكن رغم ذلك وصل دورها ووصل القديس الى النبع أيضاً فبدأت المعركة بق*ت*ل التنين بالرمح وأنقاذ الشابة من أنياب الموت بللت بنت الملك كفها بدم التنين ولطخته على ثوب القديس لمقابلة والدها لغرض تكريمه. لا نعلم كيف كتبت هذه القصة وفي أي زمن ؟ هل أن الكاتب الفها من أيقونة القديس التي رسمها أحد الفنانين ؟ وهل هناك تنين فعلاً في مناطقنا ؟ الجواب كلا لا يوجد مثل هذا الحيوان لا قديماً ولا في زمن المسيح ورسله ولن يكتب أحداً عن التنين شيئاً عدا يوحنا الرائي في سفر الرؤيا وما رآها في الروح وليس في الجسد, كتبه لكي يرمز لاهوتياً الى ما يقصد . فالتنين يرمز الى الوثنية أو الى الإبليس عدو الكنيسة .
أذاً لنضع تلك القصة جانباً, ونبحث عن رموز أيقونة مار كوركيس الشهيرة التي أصبحت شعاراً معروفاً على مستوى الكنائس الكاثوليكية والأرثودكسية . نشاهد فيها مار كوركيس ممتطياً صهوة جواده الأبيض ومُتسلحاً كمقاتل كما نقرا من تعابير وجهه بأنه كان مستعداً بكل شجاعة وثقة . وهكذا الحال الى حركات فرسه في لحظات الطعن .
مار كوركيس الضابط والقائد العسكري المسلح يرمز الى الرب يسوع ذلك المنتصر الذي غلب العالم ، فقال لرسله ( ثقوا أني قد غلبت العالم ) سلاح القديس مار كيوركيس كان الرمح والدرع والخوذة ،
وهذه هي الأسلحة المطلوبة للقتال في المسيحية وعلى كل مؤمن أن يتسلح بها لكي يقاتل عدوه بدقة وثبات , لكن هذه الأسلحة والتي ذكرها الرسول مار بولس هي سلاح النور , والنور هو الرب يسوع فقال عنها الرسول بولس : ( البسوا الرب يسوع المسيح ) أي تمثلوا به أنه سلاح الله الكامل ، به نقاوم الشر، حيث الدرع الذي يغطي منطقة الصدر يرمز الى البر والقداسة في القلب والأستعداد الكامل لنشر بشارة السلام ، والسلام هو حذاء للأقدام . أما خوذة الرأس فترمز الى الخلاص أما الرمح والسيف فيرمزان الى كلمة الله الحي أي سيف الروح الذي بها يطعن العدو ، وليس السيف الذي قصده الرسول بطرس لفهمه الخاطىء لكلام الرب فقطع به أذن عبد رأس الكهنة. أذن سيفنا هو صليبنا ورمز الصليب هو التضحية ، لكي نضحي من اجل خلاص محبينا كما فعل الذي أحبنا قبل أن نحبه . أي نأخذ من ال ( أنا ) التي هي لنا ونعطي الى الآخر لكي يخلص أي ، الى ال (انت ) لكي نكِّون (نحن ) بالمحبة فنكون معاً في الكنيسة الجامعة .إذاً سيفنا هو سيف المحبة لأن حربنا ليست ضد ذوي اللحم والدم بل ضد الرئاسات ضد أسياد العالم حكام هذا الظلام . ضد قوى الشر الروحية ” أفسس 6/ 11-17″ . أما البيت والفتاة في الأيقونة فيرمزان الى الكنيسة المقدسة عروس المسيح ، فبنت الملك العروس المرتدية ثوبها وحلتها وتاجها تنتظر متى يأتي عريسها المسيح ليخلصها ، هنا نجد مار كوركيس كان رمزاً للمسيح لكي يخلص تلك العروس .
أما الفرس الأبيض فراكبه هو الأبن الصادق الذي يقض ويحارب بالعدل” رؤ 19/ 11″ . هنا أيضاً يرمز القديس الراكب على الحصان الأبيض ليق*ت*ل التنين الى الرب الذي قاتل التنين المتمثل بالوثنية وعبادة الأصنام والسجود لها كما تقول الآية :
( وسجد الناس التنين لأنه رهب الوحش سلطته ، وعبدوا الوحش وهم يقولون:”من مثل هذا الوحش ؟ )
ومن يجرؤعلى محاربته ؟ ” الرب حاربه وغلب مملكته . نعم ق*ت*ل الشيطان ” التنين” فخرج الماء من النبع الى العالم كله حيث ماء النبع يرمز الى كلمة الحياة التي أنتشرت في العالم . ق*ت*ل التنين فماتت الوثنية ، كذلك مات الموت معها بموت الرب وقيامته . إذن قصة مار كوركيس ترمز الى الرب الذي حارب مملكة الشر وغلبها بكلمته واستشهاده على مذبح الصليب وقيامته ، هكذا كان ماركوركيس مثالاً في البطولة والنصر والأستشهاد لذا أختارت الكنيسة المقدسة عيده كأول عيد بعد ذكرى قيامة الرب ، وذلك في يوم 24- نيسان من كل عام .
السيرة الذاتية للقديس
ولد مار كوركيس بالقبادوقية من أب عسكري أسمه أنسطاسيوس وأم تدعى ناؤبستا . ولما صار أبن العشرين سنة توفي والده فتقلد وظيفته في عهد ذيوكلسيانس الذي كفر وأمر بعبادة الأصنام. فحزن القديس ففرق أمواله على الفقراء وصرف عبيده وتقدم الى الملك معترفاً بالمسيح له المجد بعد أن رأى منشورات الملك ضد المسيحية فثار سخطه عليها فمزقها ، فصرخ مار كوركيس أمام الأمبراطور وسط ديوانه قائلاً :
( الى متى تصبون غضبكم على المسيحيين الأبرار؟ وتكرهون الذين عرفوا الإيمان الحقيقي على أن يتبعوا الديانة التي أنتم في شك منها لأنها باطلة ؟ فأما أن تؤمنوا بها أو لا تقلقوا بحماقة المتعبّدين للمسيح ) . حاول الملك تهدئته عن طريق وزيره وكما وعده بمزيد من الرتب العسكرية اذا جحد مسيحه . فرض العروض الزائلة . فعذبه كثيراً . لكن الرب كان يشفي كل جروحه ، فأحتار الملك في تعذيبه فاستحضر ساحراً اسمه أثناسيوس, وهذا أحضر كأساً من السم وتلا عليه أقواله السحرية ثم قدمها للقديس ، رسم القديس علامة الصليب المقدس على الكأس وشربها ولم ينله أذى فآمن الساحر بالرب يسوع عندها أغتاظ الملك فقطع رأسه وناك اكليل الشهادة .
عندئذٍ غضب الملك فأمر بعصر القديس حتى أسلم الروح ، فطرحوه خارج المدينة ، لكن الرب يسوع أقامه حياً, وعاد أيضاً الى المدينة . فرآه الجميع وآمن بسببه في تلك اللحظات ثلاثة آلاف وسبعمائة نفس. أمر الملك بقطع رؤوسهم فنالوا جميعهم أكليل الشهادة . حضر عند دقلديانوس بعض الملوك. فقالوا للقديس
نريد أن تجعل هذه الكراسي تورق وتثمر فصلى الى الرب فأستجاب له. أخذوه بعد ذلك الى مقبرة وطلبوا منه أن يقيم من بها فصلى الى يسوع المسيح فأقامهم وتحدثوا اليهم ثم عادوا فرقدوا . قدمت له أمرأة فقيرة أبنها الأعمى والأصم والأخرس ، فصلى عليه ورشم الطفل بالصليب . فشفى من جميع أمراضه . استمر دقلديانوس في تعذيبه فتعب ومل فأخذ يلاطفه فوعده بزواج أبنته اذا بخر للآلهة , فخادعه القديس بأنه قبل العرض ففرح الملك وأدخله القصر. وبينما كان يصلي سمعته الملكة وهو يقرأ المزامير فطلبت منه تفسيرها فوضح لها كل شىء من بدأ الخليقة الى تجسد المسيح فآمنت بالرب يسوع .
كان الملك مشغولاً بأمر أبلاغ سكان المدينة للحضور لكي يروا مار كوركيس وهو يبخر لآلهة الملك . فلما أجتمع الجميع عند الأصنام وقف مار كوكيس وصرخ في الأصنام بأسم الرب يسوع مخلص العالم ففتحت الأرض فاها وابتلعت جميع الأصنام ، فخزى الملك ومن معه . فدخل حزيناً الى قصره فقالت له الملكة : ( ألم أقل لك لا تعانده لأن إلهه قوي ؟ ) . فعلم من كلامها بأن القديس قد أمالها هي الأخرى الى الإيمان فدفعه الغيظ الى أن أمر بتمشيط جسمها وقطع رأسها فنالت أكليل الشهادة . أخيرأً رأى دقلديانوس أن يضع حدأ لتلك الفضائح التي تلحقه ، فقرر قطع رأس القديس ، فنال ماركوكيس أكليل الشهادة . أخذ جسده المبارك أحد المسيحيين ولفه بأكفان فاخرة ومضى به الى بلده , وبنوا على اسمه كنيسة كبيرة ، لتكُن شفاعته معنا جميعاً ولربنا يسوع المسيح المجد دائماً .
أيها القديس الشهيد أطلب لنا الرحمة أمام عرش النعمة ليتحنن علينا رب المجد